حينما نفقد ثوابت المقولات
تاريخ النشر : 2020-07-27 14:21

لم يعد اليسار يساريا واقصد الماركسيين ، لا بالمضمون ولا بجوهر الاسترشاد بالمنهج المادي الجدلي ، والابتعاد عن الثوابت الفكرية للمقولات والاشياء هو نفسه الذي انتج تكتيكا عشوائيا غير مرتبط بفهم طبيعة الصراع مع الاعداء ، بل واصبح التكتيك لديها بديلا عن الاهداف الكبرى وفي المقابل التكتيك اصبح في مكانة الاهداف الاستراتيجية ، في اي سطور من الفكر هذا موجود ، لذلك الكل يجنح للمساومة الغير مشروعة وغير مبررة بطريقته ، وكل الماركسيين الان اخذو الفكر كشكل للتعبير عن امالهم المتخبطة دون ان تبرر ذاتها في صلف العقد الاخير على المستوى العربي والحالة الفلسطينية جزء منها رغم ان رؤية الاسلاف كانت تقول بان اليسار الفلسطيني يمثل رافعة ثورية لكل اليسار العربي ، وما حدث في العقد الاخير لا يعكس ما ينظر له الاسلاف ، هذه حقيقة مرة امام شعارات الشعوب المطروحة في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، ففي زخم التمرد والثورات العربية التي انزلقت عن مسارها الانساني ومواجهتها بظلم العسكر والنظم المستبدة ، غااب اليسار ولم يكن تلك الرافعة الثورية التي كانت تتأمل فيها الشعوب خيرا ، بالضبط كما كشف وباء الكورونا عجز وهشاشة الخدمات في النظم الرأسمالية التي فتك في شعوبها الوباء طالما غابت عنه المصلحة العامة والعدالة في تقديم الخدمات ، اذ كشف الحراك العربي ضعف وهشاشة الاحزاب والقوى التقدمية واليسار على اكثر ضعفا ، ويرجع ذلك لمسيرة طويلة من التراكمات التي تكرست في نمط العلاقات بين القوى وبنيتها وطريقة اعدادها وبنائها الداخلي الذي جسد مرحلة زمنية طويلة من النفور و التأثر السلبي في تقديم ذاته كبديل ديمقراطي وبديل مقنع للشعوب العربية ، فالتضحيات التي قدمها اليسار غالية وعالية ولكن لم تستثمر لصالح تعزيز الحضور الشعبي والجماهيري في العقود السابقة والعقد الاخير على رخاوة اكثر ، وايضا في الساحة الفلسطينية تتفاعل نفس الحالة في القسور عن ان يقدم نفسه بديلا للقيادة الكمبرادورية التي تخوم نحو الانزلاق في تخوم المصالح المابادلة والمشتركة مع الاعداء ، اي لم يستطيع ان يثبت او يمكن نفسه في وسط هذا التأمر على اهم قضية في العصر الحديث وهي فلسطين ، والجريمة الان ان ينتقل الحوار والفعل لكل الاحزاب التي تصنف نفسها باليسارية الفلسطينية الى قضايا لا تغير شيئا من طبيعة الاحتلال ولا تغير شيئا من طبيعة القيادة المتنفذة ، فهذا الانتاج ياتي منه مولودا يحمل تفس الخصائص وعلى اكثر تراجع وضعف ، فعشر سنوات من الثورات التمرد والحراك والثورات المضادة ، والنداءات باسقاط نظم الاستبداد الرجعي العربي وتغيير في قيادة ادارة الانقسام وكأن أحلام النضال من اجل الديمقراطية و الحرية والعدالة الاجتماعية لا تزيد عن شعارات براقة لا تقدم ولا تؤخر شيئا ، اي ان لغة الانا هي المكاسب وامتيازات شخصية لافراد اصبحت معنية بالضعف واستمرار حالة الفوضى الاستراتيجية في تقزيم حقوق الشعوب امام شعاراتها الانسانية كما تقزيم خطر الانقسام وتراجع مكانة قضيتنا العادلة في مهرجان استعراضي لا يخرج عن تفاهمات غزة وتعديلات يبدو اصبحت مقبولة لكل الاطراف ، لماذا ايها اليسار ، لماذا لم تستطع رغم كل تضحياتك من ان تقود الشعوب العربية نحو الحرية والديمقراطية والعدالة ، ان هذا التخبط والضعف والغياب الاصيل لكم جعل من الاسلام السياسي بديلا نسبيا يأخذ مكانه في المشهد دون ان تتقدموا خطو واحدة لانكم فقدتم ثوابت الفكر في التفكير والممارسة ، ومن يفقد ، يفقد وزنا وقوة وحاضنة جماهيرية ؟؟ اليس كذلك ، الحقيقة انكم جميعا الان اصبحتم تخوضوا اوضاعا بالوكالة عن اعداء الشعوب موزعة ضمن منظوة غاية الدقة لها علاقة بالدراسات والتمويل والتقزيم والسفريات والبدلات وووو ، وفي المقابل يستفيد النضام الرأسمالي وحلفائه من النظم الرجعية وهذا بمثابت الحصانة الامنية والاقتصادية للاحتلال والتي تعتبر الان احد ابرز حضوره القوي عربيا ممثلا بالتطبيع المحرم وطنيا ، ان هذا الغياب جعل من العراق ساحة ملتهبة وفتاكة واليمن وتونس وسوريا والسودان والاعين على مصر كما فلسطين واصبحت التدخلات من كل فج وميل ، عدة عقود والشعارات الشعبية والجماهيرية اليسارية مرفوعة وتنتقل من مرحلة الى اخرى واليسار متقوقع يتراجع رغم كل عوامل النهوض المهيئة له ، وهنا تأتي معركة اغتنام الفرص الذهبية ، ويبدو اننا نتعلم المفاهيم بطريقة مغلوطة ولا ندرك اللحظة الحاسمة ولا الفرصة الذهبية في عملية التغيير ، انها اراء نظرية يقدمها اليسار ولا يمارسها فعلا ؟ عقد اختلطت به الاجيال وتنوع الاعمار والجنس واندمجت في مشروع ثوري ديمقراطي نحو التغيير في حين تقدم الاسلام السياسي حاملا شعارات اليسار ، وسقط اليسار في تحليلات وواقع اليسار بين منطق التحليل في مفهوم ومصطلحات الدولة العميقة والدولة المدنية وتدخلات الاطراف المؤثرة في توجيه ارقى ثورة كادت ان تكون للعصر الحديث اسمها الربيع العربي ، فلا ربيع قادم من فلسطين ولا من غيرها وذلك دفع الاحتلال وادواته ان يستغلو تغيب العنصر الثوري في حسم هذا التوجه وهذه المرحلة نحو بناء نظم ديمقراطية تعمل على حماية وصيانة كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم والعدالة في التوزيع ، انها افضل بيئة وتربة خصبة ممكن يتم فيها تنظيم الصفوف وتحديد واجهة العمل ، انها فرصة يغرس بها اليسار كل قيمه الانسانية والاخلاقية في زخم هذا اللهب ومصيره ، كما يبدو ان بيئة فلسطين طغي عليها الانقسام بين الكمبرادور الفلسطيني المتسلط والذي لا يعرف الا الانانية والمصالح الخاصة ، غاب عن كل ذلك اليسار العربي ويسار فلسطين التي قد صنف في مراحل تقدمه بالاحتراف الفكري والممارسة الثورية ، ان كل ذلك قد رحل و عجز ان يقدم نفسه بديلا ، سواء في فلسطين او تونس وغيرها ، وهنا اقول ان اي حراك لا يرفع رؤية القدرة المتراكمة في الوصول للسلطة فهو خارج مفهوم التحليل والتخطيط الديالكتيكي على المتستوى العربي واي رؤية لليسار الفلسطيني في ضوء الاجراءات والممارسات التي لا تخدم المصلحة الوطنية العامة لم تستند لعنصر المقامة بشقيها ومفهومها الوطني والديمقراطي لا يمكن ان تنجح وهنا وفي هذه الظروف الساخنة والمحتدمة من كل الاتجاهات علينا ان نقول يجب ان نقدم حسم نضالنا الديمقراطي كمهمة رئيسية لاستقامة الحالة الوطنية وتنظيمها وتصليبها وتفعيل دورها الكفاحي ، اين اليسار عن اعطاء الاجابات الكبرى في ظرف بحاجة لحركة كبرى وطليعية فاعلة ، فلا يمكن لاي حركة ثورية وديمقراطية ان تنجح والشوارع فارغة ينهشها الجوع وتفتقد للجمال والقيم