الثوابت الفكرية والمركز
تاريخ النشر : 2020-07-17 09:33

يحيط بالكيان سواء أكان كيانا بشريا، إنسان، او سياسيا أو اقتصاديا...الخ مجموعة من الدوائر تلك القريبة منها، سندا ودعما وحماية، والأخرى البعيدة.
وكلما اقتربت الدائرة كلما كان تأثيرها على المركز أكبر، ومن هنا فإن مسعى الجهاهل أوالأحمق اوالانتهازي هو تفجير الدوائر، أو نقل مكونات الدوائر البعيدة منها الى الأبعد، والقريبة الى البعيد.
فكرة تدمير المركز تأتي سواء بأفعال مهدفة أو أفعال طائشة، بينما الحكمة تقتضي تغليظ حدود الدائرة القريبة والعمل على توسيع نصف قطرها لما لها من جدار حماية متين للمركز.
المركز-مركز الدائرة قد يكون أنا، أو نحن، أو الكيان مثل المؤسسة أو البلد أو الأمة، وهنا يهمنا في هذه المعادلة فلسطين.
في قاعدة تكثيف العناصر الداخلة في نطاق الدائرة الأولى، لا يعني المرور بحالة رياضية تقرّب أو تبعد كما الحال مع واحد زائد واحد، وإنما تعني خوض الصراع الداخلي،والخارجي.
إذ أنه بقدر ما يجب فهم الآخر، وطريقة التعامل معه، ضمن رؤية واضحة للهدف وديمومة النضال وتعدد وسائله بقدر ما قد نتمكن من جلبه وتقريبه لدائرتنا، او الدائرة الثانية وهكذا.
النواة الصلبة وخوض الصراعات
تمثل الثوابت الفكرية عوامل غير قابلة للتغيير في المرحلة، فالثورة أو النضال يفترض وجود نواة بشرية صلبة مؤمنة بالفكرة والهدف والوسيلة وتنشر وتدعو وتدافع عن ذلك.
النواة الصلبة من مهامها توسيع الدائرة حول الفكرة، وحول الهدف وحول القضية المركزية، بخوضها النضال بكافة أشكاله.
نحن نخوض نضالات على مستويات عدة، فنحن نخوض النضال (الجهاد) الذاتي التغييري، والنضال في المحيط سواء القريب أو البعيد، والنضال الاكبر ضد العدو الرئيس.
أن خوضي نضالي الذاتي بتغيير طبيعة شحنات عواطفي اليائسة، أوبتغيير أفكاري القاتمة أوالسلبية أو اليائسة بجرعات الإرادة المنفتحة على الأمل المفهعم بالإيمان هو قرار ذاتي قابل للشحن والشحذ والتمرين على حجر الوعي الذي يجعل من قضية الصراع بأبعاده المختلفة وعيا أوليا لايمكن الاجتياز للعقبات أو العبور للشط الآمن بدونه.
أن الصراع لكي يحقق الهدف يحتاج لصراع وصراعات، وكل نتيجة تتحقق من صراع يكون في بطنها بذور صراع جديد، ومن هنا فإن معادلة الصراع تظهر كأنها متوالية لا تتوقف.
تأتي هنا قضية الثابت والمتغير، فمتى كان فهمنا لمتغير الصراع واضحا يصبح "متغير" الصراع هو الثابت، وتصبح مجموعة من الأركان الداعمة لهذا الفهم ضرورة.
التنبّه وثوابت الفكر النضالي
من ثوابت الفكر الثوري الفلسطيني هو تكثيف النقاط الداخلة في نطاق الدائرة الأولى المحيطة بنا أي المحيطة بالمركز، وعدم إلقاء المخالفين في البحر الواسع البعيد عن دوائرنا الثلاث الرئيسة، وإنما خوض الصراع معهم وبهم، بما يعيد الضم للدائرة الأقرب، فالنصر يتأتى من معادلة الإيمان والعمل والدعم والإسناد من هذه الدوائر-على اختلاف درجة تأثيرها ومستوى دعمها- بلا أدنى شك.
إن الدوائر المحيطة بالقضية الفلسطينية كمركز تنبّه للوعي القومي، والوعي الحضاري، والوعي الوجودي، والوعي التحرري ترتبط بفكرة النضال والثورة حتى تحقيق النصر.
ومركز التنبه الأساس أيضا هنا، هو وضوح الرؤية بالعدو الرئيسي، الذي لا يتغير –وهو في حالتنا الاحتلال الاستعماري الصهيوني-مهما قام الخصوم أوالمتناقضون الثانويون بحرف المسار، كما حصل في مراحل كثيرة من عمر الثورة.
في مراحل عدة قام النظام السوري أوالنظام العراقي أوالنظام المصري أوالنظام الليبي أوغيرها من الأنظمة العربية، بحرف الثورة والمسيرة عن مركز التنّبه، وعن تناقضها الرئيس مرات عديدة، ولكنها -أي تلك الأنظمة جميعا- لم تكن في تلك الفترات ولا اليوم لتمثل بالنسبة لنا إلا التناقض الثانوي، مهما بدا حينها عملاقًا من القذارة يغطي لوح الشمس، ومهما بدا أولوية في لحظات الصراع الشديد.