استراتيجية خنق سوريا
تاريخ النشر : 2020-07-13 19:46

لا يعني واشنطن من يدفع الثمن ويكتوي بنار الحصار حتى ولو كان الشعب السوري البائس الذي سقط من حسابات الجميع.

خلافاً لرأي الخبراء والمعلقين السياسيين الذين يتهمون إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم تبني استراتيجية فعالة ومتماسكة للتعامل مع الأزمة السورية، ترى مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية الرصينة أن لدى الإدارة بالفعل استراتيجية جيدة وناجحة وتحقق أهدافها. ومن وجهة نظرها فإن الانطباع السائد بعدم وجود رؤية أمريكية واضحة تجاه سوريا، سببه هدوء وربما بطء الإجراءات التي تتخذها الإدارة، وعزوفها عن الحرب الإعلامية الصاخبة، وهو ما يوحي بعدم الاهتمام الكافي من جانبها.

تعتبر المجلة الشهيرة أن الإدارة تتحرك بصورة حذرة ولكن مدروسة بعناية. وأن معاناة النظام السوري اقتصادياً وسياسياً وفشله طوال العامين الماضيين في ترجمة الانتصارات العسكرية التي حققها إلى إنجازات على الأرض هي إحدى ثمار الإستراتيجية الأمريكية ودليل نجاحها.

في الثاني عشر من مايو (أيار) الماضي، أدلى جيمس جيفري المبعوث الأمريكي لسوريا بتصريح مقتضب لخّص فيه جانباً مهماً من استراتيجية بلاده بقوله إن مهمته أن يجعل سوريا مستنقعاً لروسيا. ولم يجد داعياً لأن يذكّر مستمعيه بحقيقة بديهية وهي أن المستنقع الذي يريده سيتسع بالضرورة لإيران والنظام السوري أيضاً.

الهدف الأمريكي الواضح هو استنزاف قدرات العدوين الروسي والإيراني إلى أقصى قدر ممكن. أما النظام السوري فالمطلوب منه وفقاً لما هو معلن الاستجابة لقرار مجلس الأمن 2254 لإنهاء القتال والتفاوض مع خصومه الداخليين حول تسوية سياسية تفضي على الأرجح إلى تغييره في نهاية المطاف. والى أن يتم ذلك ستواصل واشنطن عرقلتها لإعادة أعمار سوريا كهدف مركزي لاستراتيجيتها. و« قانون قيصر» الذي أصدرته ودخل حيز التنفيذ الشهر الماضي أداة مهمة لتحقيق هذا الهدف.

تتحرك واشنطن على محورين أساسيين لتنفيذ استراتيجية الحصار والإنهاك؛ الأول اقتصادي ويركز على حرمان النظام السوري من أي استثمارات أجنبية لإعادة الأعمار. وقد تكفل « قانون قيصر» بهذه المهمة من خلال العقوبات التي نص على توقيعها على أي طرف يتعاون اقتصادياً مع سوريا أو يستثمر في أراضيها. وتعلم واشنطن بالطبع أن النظام بمفرده يعجز عن التصدي لهذه المهمة الضخمة التي تقدر الأمم المتحدة تكاليفها بنحو 250 مليار دولار، وهو ما يوازي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل الحرب.

وفي ظل العقوبات الصارمة على روسيا وإيران، وبالنظر إلى تراجع أسعار النفط فإن قدرة الدولتين على إعادة أعمار سوريا مستحيلة. وأقصى ما يمكنهما إنجازه، وبشق الأنفس، هو تغطية التكاليف الباهظة لوجودهما العسكري، وتوفير الحد الأدنى الضروري لبقاء النظام على قيد الحياة.

المحور الثاني للاستراتيجية الأمريكية يتعلق بجانبها العسكري ويستهدف حرمان النظام من قطف ثمار انتصاره بتوسيع وجوده ومد سيطرته على سائر التراب الوطني. تحرص أمريكا على بقاء خريطة انتشار القوات بوضعها الحالي بما يشكله من ضغط وتوتر لدمشق وموسكو وطهران. توضح هذه الخريطة أن النظام وحلفاءه لا يسيطرون سوى على 60% من الأراضي السورية، بينما تسيطر تركيا والميليشيات التابعة لها على 15% وتتحكم القوات الكردية المدعومة من واشنطن في نحو 25%.

في ظل هذا الوضع وبسبب الحصار الأمريكي الخانق توقفت عملياً مشاريع الأعمار، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية، وانهارت العملة إلى مستوى ثلاثة آلاف ليرة للدولار الواحد الذي كان يساوي 50 ليرة فقط قبل الحرب. وأصبح 90 % من الشعب يقبع تحت خط الفقر، وباتت السلع الغذائية والمواد الطبية نادرة أو شبه معدومة. أما الخدمات التعليمية والاجتماعية والصحية المختلفة فأصبحت ذكرى غالية من الماضي السعيد.

وفقاً للحسابات السياسية تمثل هذه الكارثة نجاحاً للاستراتيجية الأمريكية التي ربما تراهن على ثورة جياع ضد النظام. لكن هذه الحسابات، وكما هو الحال دائماً، لا تأخذ في اعتبارها آلام البشر ومعاناتهم. تظل بلا قلب ولا ضمير، ولا يعنيها قط أن من يدفع الثمن ويكتوي بنار الحصار ليس النظام ولا حلفاؤه؛ بل الشعب السوري البائس الذي سقط من حسابات الجميع.

عن الخليج الإماراتية