الكورونا والحكومة والمواطن
تاريخ النشر : 2020-07-09 12:17

مواجهة جائحة الكورونا في العالم، كانت وستبقى مسؤولية جمعية، مسؤولية كل دولة وشعب ومؤسسة وإنسان، وهي مسؤولية كل الدول والشعوب المنظمات الأممية دون إستثناء، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، التي ابلغتها إدارة ترامب الأميركية الإنسحاب منها، ووقف تسديد الإلتزامات المالية بدءً من 6 تموز/ يوليو الحالي بذرائع واهية، وتستغرق عملية قطع العلاقات بينهما مدة عام، وبذلك تكون أميركا عزلت نفسهاعن العالم في مواجهة الوباء الكوني، وهذا يشكل اول خروج على الجبهة العالمية الموحدة للقضاء على الجائحة، ويستدعي من إعادة اميركا لخنادق المواجهة من خلال الضغط على ترامب وإدارته الفاشلة. لإنه ما لم تتظافر جهود البشرية المخلصة لا يمكن الإنتصار على التحدي الأخطر، والأكثر تأثيرا على حياة البشرية برمتها.

وإذا حصرنا النقاش في جبهتنا الداخلية الفلسطينية، فإن المواجهة للجائحة مازالت متواصلة، ولم تتوقف، بل زادت حدتها، حيث نقف الآن في خضم الصراع مع الموجة الثانية، التي بدأت أكثر شراسة وخطورة من الموجة الأولى، وطالت أعدادا متزايدة من ابناء الشعب العربي الفلسطيني في كل محافظات الوطن الشمالية، ومحافظة الخليل خصوصا، التي تحتل المرتبة الأعلى من المصابين، ووفق ما اعلنتة وزيرة الصحة، مي الكيلة، فإنه بالنسبة والتناسب بين محافظة خليل الرحمن ونيويورك الأميركية، تكون المحافظة الفلسطينية تفوقت باعداد المصابين.

ولو توقفنا أمام الأسئلة ذات الصلة بالأسباب والعوامل لتشخيص حدود المسؤولية عما حدث، ويحدث، وفاقم الوضع في أوساط الشعب، سيبرز امامنا سؤال المسؤولية، مَن المسؤول عما حدث؟ ولماذا هذا الإنتشار وبشكل دراماتيكي في عموم الوطن، وفي الخليل بشكل خاص؟ اين هي العلة؟ هل هي في السلطة الوطنية، أم في وزارة الصحة، ام في المواطنين، ام في الإستعمار الإسرائيلي؟ وكيف نواجه هذا التحدي وننتصر عليه؟ وما هي معايير النجاح هل تكمن في الإغلاق الكامل أم الجزئي أو في عدمه؟ وبالأساس هل هناك رؤية إستراتيجية وطنية لمواجهة هذا التحدي؟ وهل هذة الخطة يمكنها النجاح دون الترابط مع المحيط العربي والإقليمي والعالمي؟

الأسئلة عديدة، وتبز ذاتها بمتوالية هندسية، وبالتالي لا داعي لطرح أكثر مما تقدم، لإنها العناوين الأساسية لمواجهة الموجة الجديدة والموجات الإفتراضية القادمة. وإن توقفنا عند جادة الإجابة، نلحظ بمسؤولية عالية، ان القيادة الفلسطينية وحكومتها بادرت من بداية ظهور وإنتشار وباء "كوفيد 19" في آذار/ مارس الماضي (2020) في العالم، وإصابته مدينة بيت لحم باتخاذ الإجراءات الجدية، واصدر الرئيس عباس مرسوما بإعلان حالة الطوارىء لمدة شهر، وتم إغلاق المدن الفلسطينية، ومنع التحرك بينها، ووضع جملة من المعايير الصحية والأمنية والإجتماعية للحد من تفشي الفايروس في اوساط الشعب. وأعتقد ان تلك الإجراءات حققت نتائج إيجابية في بيت لحم تحديدا وغيرها من المحافظات.

بيد ان الموجة الثانية، التي إنتشرت بقوة في المحافظات الفلسطينية: الخليل، القدس العاصمة، نابلس، طولكرم، قلقيلية، رام الله والبيرة، اريحا، جنين، وسلفيت وطوباس، وإن بتفاوت، كان نصيب الخليل الإنتشار الأعلى بينها جميعا، تليها العاصمة الأبدية، تجاوزت حدتها وقوتها ما كان في الموجة الأولى، وبدا ان الوضع خرج للحظة عن السيطرة وتحديدا في محافظة خليل الرحمن والجنوب عموما. وكشفت الموجة الجديدة عن وجود خلل اساسي  في عملية المواجهة عنوانها الأساسي، أولا وجود الإستعمار الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، الذي حال دون تنفيذ الخطة الوطنية العامة على أرض الدولة الفلسطينية بشكل مستقل، لإنه المسيطر على الأرض والسكان والطرق، كما ان التقسيمات للمناطق (Aو B وC) حال دون سيطرة الحكومة، اضف لعدم السيطرة على الحدود والمعابر؛ ثانيا عدم تقيد المواطنين بالبروتوكولات الطبية، التي عممتها وزارة الصحة على ابناء الشعب، وإستهتار قطاعات واسعة بتلك الإجراءات؛ ثالثا تسيد المنطق العشائري والقدري، فضلا عن نفي قوى الفتنة والتخريب الدينية وجود الوباء من اصلة، والتحريض على السلطة الوطنية، وهذا ما سعى اليه شيوخ الردة في حزب التحرير، وقاموا بترويجه، وأسبغوا على قرارات القيادة والحكومة الشجاعة طابع "المؤامرة" لتمرير عملية الضم؟! وعبر عملية التشويه والتحريض الجبانة للقوى المتواطئة مع الإستعمار الإسرائيلي، وعدم التقيد بالتعليمات الحكومية، ومواصلة الإختلاط، وإقامة حفلات الأفراح وبيوت العزاء ... إلخ تم إنتشار الوباء بطريقة جنونية، وقامت الحكومة بإنتهاج سياسات جادة، ولكنها تجريبية في المحافظات المختلفة لوقف الجائحة، والحد من آثارها السلبية على المجتمع؛ رابعا عدم تقيد المواطنين في المحافظات الأخرى بالإجراءات الحكومية؛ خامسا العمال الفلسطينيون، الذين يعملون في سوق العمل الإسرائيلية، كانوا ايضا عاملا مساعدا؛ سادسا الإنفتاح التام بين المحافظات، وبين المحافظات وأبناء جلدتنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، مما ضاعف من التداعيات السلبية؛ سابعا وجود نواقص في الخطة الوطنية، الأمر الذي يفرض على جهات الإختصاص إعادة نظر في ما افرزته الموجة الثانية من آثار غير مسبوقة؛ ثامنا ضرورة تنسيق الخطة الإستراتيجية مع المحيط العربي والإقليمي والعالمي وتحديدا منظمة الصحة العالمية، حتى تكون المواجهة للفايروس ضمن الكل الإنساني.