"أمد" يرصد أسباب ودوافع ارتفاع معدلات الانتحار في قطاع غزة
تاريخ النشر : 2020-07-04 13:01

غزة – أحلام عفانة: بين الفينة والأخرى، تعود الأنباء حول حالات الانتحار للظهور مجدداً في الساحة الفلسطينية كي تسجل ازدياداً غير معهوداً في فلسطين خاصة في قطاع غزة، في ظل تجاهل حكومة حماس للأمر وعدم إيلائه أي اهتمام يذكر للحد من انتشار هذه الظاهرة.

وتتكرر حالات الانتحار في القطاع، حيث أقدم الشاب سليمان العجوري البالغ من العمر (23 عامًا)، فجر يوم السبت 4 يوليو 2020، على الانتحار مطلقاً رصاصة على رأسه بشكل مباشر، داخل منزل عائلته في منطقة أبراج زايد شمال قطاع غزة، ما تسبب بتهشم كبير في جمجمته، إذ تم نقله إلى مستشفى الإندونيسي جثة هامدة.

وفي آخر منشور له عبر حسابه في فيسبوك، كتب العجوري: "هيّا مش محاولة عبث، هيا محاولة خلاص وخلص.. الشكوى لغير الله مذلة و عند الله تلتقي الخصوم".

وفي ذات السياق، توفي الشاب إبراهيم ياسين البالغ من العمر (21 عامًا) في ساعة مبكرة من صباح يوم السبت 4 يوليو 2020، متأثراً بجروحه التي أصيب بها إثر إحراق نفسه منذ أسبوع في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

بدورها، أقدمت سيدة تبلغ من العمر 35 عامًا، على الانتحار يوم الجمعة 3 يوليو 2020، بسبب خلافات عائلية.

كما أقدمت صبحية يوم الجمعة 3 يوليو 2020، زوجة ابن القيادي السلفي نور عبد اللطيف موسى زعيم بيت المقدس سابقاً، على شنق نفسها لتصل إلى المستشفى جثة هامدة، بعد أن تزوج عليها بأخرى، حيث وجدت جثة زوجة ابن القيادي السلفي البالغة من العمر (30 عاماً)، في حي البرازيل برفح بالقرب من المقبرة الشرقية.

وقام مؤخراً معلم في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، يبلغ من العمر 34 عامًا، يوم الثلاثاء 30 يونيو 2020، بالانتحار شنقاً شمال قطاع غزة، إذ أن الضغوط النفسية هي من دفعته إلى الإقدام على الانتحار.

كما أقدم مواطن على الانتحار يوم 22 يونيو 2020، بشنق نفسه قرب منزله بمخيم خانيونس، وبداية شهر مايو أقدم مواطن على محاولة الانتحار، بإلقاء نفسه من فوق بناية سكنية وسط مدينة غزة، نتيجة حالة الفقر التي يعيشها، بالإضافة إلى قضايا ذمم مالية لا يستطيع سدادها.

وفي شهر يناير، حاول أحد المواطنين من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، الانتحار بالقفز من الطابق الرابع أعلى منزله، نتيجة خلافات زوجية.

وفي شهر فبراير، أقدم مواطن فلسطيني على الانتحار بمحاولة حرق نفسه في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وذلك على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها أهالي القطاع، وعدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.

ازدياد ملحوظ (إحصائيات وأرقام)

بدورها، أكدت مراكز حقوق الإنسان في تقارير لها، على الازدياد الملحوظ في حالات الانتحار، إذ سجلت محاولات الانتحار نسبًا عالية في قطاع غزة.

وأشارت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إلى استمرار الانتهاكات الداخلية بوتيرة متفاوتة، لافتة إلى أن حالات الوفاة غير الطبيعية "بظروف غامضة" خلال شهر أبريل بلغت 8 حالات اثنتان في الضفة الغربية، و6 في قطاع غزة.

ففي تاريخ 29 أبريل2020، توفي المواطن (ش، ع) 28 عاماً من محافظة شمال غزة، وصلت جثته للمستشفى الإندونيسي، وعليها آثار سحجات حول العنق، باشرت الشرطة التحقيق في الحادث واستدعت عدداً من أفراد العائلة، التي ادعت أنه شنق نفسه في داخل غرفته بالمنزل بواسطة حبل ثبته في سقف الغرفة، وقام فريق التحقيق بالتوجه لمنزل المواطن ومعاينة الغرفة والتحفظ على بعض الأدوات داخل الغرفة، وما زالت التحقيقات جارية.

وفي تاريخ 25أبريل2020، توفي المواطن (ع. أ) 29 عاماً من محافظة خانيونس، وتم العثور عليه مشنوقاً بواسطة حبل مربوط حول رقبته، ومعلقاً بماسورة مظلة "عريشة" بجوار منزله، وبالقرب من قدميه حجر بناء، فك أفراد عائلته الحبل وأخبروا الشرطة والإسعاف، وتم نقل جثمانه لمستشفى ناصر، ومن خلال التحقيقات التي قامت بها شرطة المباحث العامة ومفتش التحقيق بمركز شرطة القرارة والنيابة العامة، تبين أنه ومنذ 7 أشهر والمواطن المذكور يعاني من اضطرابات نفسية ولا يحب الاختلاط بأي شخص، ورفض عرض العائلة التوجه لإحدى العيادات النفسية، وازدادت حالته سوء خلال الـ 24 ساعة الأخيرة من حياته، بعد وفاة والده، وبين التحقيق عدم وجود شبهة جنائية، وأن اقدامه على الانتحار بسبب حزنه الشديد على فقدان والده قبل يوم فقط من الانتحار.

وفي تاريخ 20 أبريل2020، توفيت المواطنة (ز. ر) 90 عاماً من محافظة خانيونس، وصلت لمجمع ناصر الطبي جثة هامدة، أدخلت الطوارئ وتم تحويلها للطب الشرعي، وذلك جراء سقوطها من الطابق الأول من غرفة نومها، حضرت الشرطة للمكان وفتحت تحقيقاً في الحادث، وتبين أنها تعاني من حالة زهايمر، كما باشرت النيابة تحقيقاتها وما زالت التحقيقات جارية.

وخلال شهر مارس، بلغت حالات الوفاة غير الطبيعية "بظروف غامضة" 35 حالة خمس حالات في الضفة الغربية و30 حالة في قطاع غزة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، في تاريخ 20 مارس 2020، توفيت المواطنة (ا. ع) 30 عاماً من حي الزيتون بمدينة غزة جراء اختناقها شنقاً، وصلت جثة هامدة لمجمع الشفاء الطبي، ومن ثم تم تحويلها الي الطب الشرعي، وباشرت الشرطة التحقيق، وتوجهت لمكان الحادث وعاينته وحققت مع العائلة، وحسب التحقيقات الخاصة بالشرطة تبين أن الأسرة تعاني من الفقر الشديد، وإنها حالة انتحار.

أما شهر فبراير، سُجلت 11 حالة وفاة "بظروف غامضة"، ففي تاريخ 21 يناير2020 توفيت المواطنة (ه. ك) 65 عاماً من محافظة خانيونس جراء إصابتها بجروح خطيرة نتيجة سقوطها من علو، وخلال صعودها على سقف غرفة اسبستي سقطت، ما أدى إلى وفاتها على الفور.

 كما أصيبت في ذات الحادث المواطنة (إ. ب) 26 عاماً من سكان خانيونس، التي ما زالت تتلقى العلاج في المستشفى الأوروبي. حضرت الشرطة إلى المكان وفتحت تحقيقاً في الحادث.

الانتحار من منظور القانون

من جهته، قال المحامي صلاح عبد العاطي، إن الانتحار من وجهة نظر القانون حسب تعريف المشرع في نص المادة 45 من قانون العقوبات، فإن الشروع بصفة عامة هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها كانقطاع الحبل وفشل الانتحار. 

وأضاف عبد العاطي لـ"أمد للإعلام"، أن الانتحار كما يعرفه فقهاء القانون هو إنهاء الإنسان لحياته بنفسه ، أي اعتداء من الشخص على نفسه يؤدي إلى إزهاق روحه؛ أما الشروع في الانتحار فهو يتجسد في كل فعل – أو امتناع – يؤدي إلي إزهاق روح إنسان وإنهاء حياته غير أن النتيجة لا تتحقق، أي أن وفاته لا تتم لسبب لا دخل لإرادة مَنْ أقدم على ارتكاب الفعل فيها، وذلك مثل مَنْ يأخذ كمية كبيرة من الأدوية والحبوب أو يشرب سماً ثم يتم إنقاذه من قبــل أفراد أسرته أو من الآخرين بأخذه إلى المستشفى وعلاجـه في آخر لحظة، أو أن يلقي بنفسه من سطــح مرتفع  لعمارة أو يحرق نفسه، غير أنه لا يموت.

وتابع قائلاً: "أما الشروع في الانتحار فيمكن من الناحية النظرية تجريمه والعقاب عليه، غير أن من شأن الزج بالحل الجنائي – أي التجريم والعقاب - هنا أن يعقد الأمور، فمعاقبة الشخص الذي حاول الانتحار ولم يفلح؛ قد يؤدي إلى زيادة هموم وآلام الفاعل، مما قد يدفعه إلى التفكير مرة أخرى في الانتحار وعدم الفشل في تحقيق غايته، في حين أنه إذا لم يُجرم الشروع فإن الظروف قد تتحسن ويتوب إلى الله، وقد يدفعه ّذلك إلى استغلال طاقاته وإمكانياته ليكون إنساناً فاعلاً في المجتمع؛ ويعود إلى صفوف الصالحين".

وأكد عبد العاطي على أن السياسة الجنائية الحالية لم تجرم فعل المنتحر، تقديراً منها للبعد الاجتماعي والنفسي لمـــن شرع فـــي الانتحار.

وأشار إلى أن قانون العقوبات الفلسطيني يعتبر أن كل من حاول الانتحار قد ارتكب جنحة، كما اعتبر محاولة الانتحار جريمة قائمة بذاتها.

وأردف: "وبرغم أن القانون الفلسطيني يعاقب على محاولة الانتحار إلا أنه درج العمل القضائي في النيابة العامة على حفظ الدعوى قطعيا لعدم الأهمية، نظراً لعدم جدوى العقاب في مثل هذه الحالات وحفاظا على الروابط الأسرية".

الانتحار من منظور الدين

من جهته، قال الداعية محمود الحسنات: "اتفقنا على حكم الانتحار مع المشايخ والعلماء والخطباء الذين خرجوا أمام الناس وأفتوا بحكمه، مضيفاً: "ولكنني أريد منكم حكماً واحداً، أن تخرجوا بفتوى لتخبروا الناس لماذا انتحر الشباب؟ ولماذا اليوم لا يجد الشاب أمامه إلا حلاً واحداً وهو الانتحار؟".

وتابع الحسنات متسائلاً: "لماذا لا توضحون للناس أن هذا الشاب قبل أن ينتحر، قتل في اليوم ألف مرة ونحرتموه ألف مرة".

وأوضح قائلاً: "ماذا عن شاب بلغ الثلاثين عاماً وما زال يأخذ مصروفه من والده؟، وماذا عن شاب بلغ الثلاثين عاماً ولا يستطيع أن يتزوج ويعف نفسه؟".

ووجه حديثه للعلماء والخطباء قائلاً: "لماذا تكلمتم في أمر، وصمتم عن الظلم الذي جعل الشباب ألّا يجدوا في حياتهم إلا حلا واحداً؟".

وبيّن أن "مئات آلاف الشباب يتخرجون كل عام من كافة التخصصات بمعدلات عالية، يبيعون الشاي والسجائر في الطرقات، اسألوهم لماذا انتحروا؟ وقبل ذلك اسألوا الحكام والوزراء عن السبب".

أسباب انتشار ظاهرة الانتحار

عدم وجود حافز للحياة وانسداد أفقها لتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في قطاع غزة وارتفاع معدلات البطالة والفقر، إلى جانب حالة اليأس والإحباط الشديد الذي يعاني منه أهالي القطاع منذ عدة سنوات نتيجة الحصار والدمار والحروب المتواصلة من قبل إسرائيل، كانت سبباً أساسياً لإقدام البعض على الانتحار.

وتمثل حالات الانتحار أحد المشاكل الاجتماعية، التي تتطلب وجوب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية للوقوف أمام أسبابها وتداعياتها، ووضع التدخلات التي من شأنها تقديم معالجات منهجية وقانونية، تهدف إلى الحد من ازدياد ومنع تفاقمها وتحولها لظاهرة اجتماعية.

كما أن ازدياد حالات الانتحار في الآونة الأخيرة بقطاع غزة، أجبرت الحقوقيين على دق ناقوس الخطر، وإرسال رسائل شديدة اللهجة، علّها تكون ورقة ضغط بالوقوف مسئولين ورؤساء وفصائل وهيئات ومؤسسات، أمام هذه الظاهر التي تفشت بين أوساط الغزيين.

من جانبها، قالت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لـ "أمد للإعلام"، أنه لا يوجد اهتمام يذكر في هذا الأمر من قبل الجهات الرسمية، متسائلة: "هل الحكومة اتخذت إجراءات مغايرة من سنة لأخرى حول موضوع الانتحار، وهل أولت عناية أو اهتمام بهذا الموضوع؟".

دوافع الانتحار

من جهته، قال المحلل الاقتصادي معين رجب، إن الانتحار ظاهرة سلبية بدأت تنتشر في الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة والتي قد تكون لدواعي اقتصادية بسبب تقلص العمل وارتفاع معدلات البطالة والفقر والإحباط الشديد الذي يواجهه المواطن في هذه الحالة، كما قد تكون لدواعي مشاكل أسرية أو فشل علاقة زوجية أو فشل دراسي وغيرها الكثير.

وأضاف لـ "أمد للإعلام"، أنه "لا يقدم أحد على الانتحار إلا إذا وصل إلى مرحلة ميؤوسة من حياته، بمعنى أن الأبواب كلها أغلقت من أمامه ويكون قد طرق كل الأبواب وسعى في كل الاتجاهات ليتغلب على معاناته أو مشاكله، وحينما توصد أمامه كل الأبواب يلجأ إلى هذه الظاهرة الخطيرة".

وأكد على أن الشرع يمنع القيام بمثل هذه الظاهرة، نظراً لأن الحفاظ على النفس هي من أحد خصائص الدين الإسلامي، ومن مسؤولية المسلم أن يحافظ على نفسه وماله بالتالي يكون هناك تفريط بهذا الحق من جانب المنتحر.

وتابع قائلاً: "بتتبع حالات الانتحار الفعلية التي تمت من عام لآخر، أو شهر لآخر، نلاحظ أنها في ازدياد، مما يعني أن هناك ناقوس خطر يجب أن يدق حتى لا تستفحل هذه الظاهرة التي يرفضها الشرع ويستنكرها المجتمع".

وأكد رجب على أن الأمر يحتاج إلى عمليات استقصائية؛ للتعرف على الأسباب الحقيقة للانتحار أو المسببة في ذلك، وأن يكون هناك شفافية فيما يتعلق بذوي المنتحر، لكي يدلوا المعلومات الحقيقية وراء الانتحار.

وأوضح أن "هناك محاولات للانتحار يجب أن لا نخفيها، كما أن هناك محالات تحدث قد تفشل، يجب أن لا ننتظر كي تتحقق الوفاة أو ينجح الراغب في الانتحار"، مردفاً: "لكن الوقوف على أسباب الانتحار ومعالجة هذه الأسباب، تساهم في حل المشكلة".

وطالب رجب بضرورة أن يجري الاهتمام بظاهرة الانتحار الخطيرة من جميع الجهات، سواء من الناحية الشرعية ورجال الدين، أو الناحية النفسية أو القانونية، كي لا تتوسع بشكل أكبر، مضيفاً: "يجب على الحكومة أن تعطي ظاهرة الانتحار الاهتمام الكافي، ومعرفة أسبابها حتى يمكن تحاشيها".

وشدد رجب على أن الانتحار ظاهرة تستحق الاهتمام من وسائل الإعلام أيضاً، وأن يكون له دور في إثارة هذه القضية، والتواصل مع مختلف الأطراف من رجال الشرطة والقانون ووزارة العدل، وجميع الجهات التي لها صلة بالأمر، لكي نستنهض اهتمامات هذه الجهات وتكون قضية مجتمع عامة، وليس قضية فردية عابرة.