غزة...حسابات بميزان الذهب
تاريخ النشر : 2013-11-04 09:20

أمد/ غزة - كتب د.سفيان ابو زايدة: منذ ان اعلنت اسرائيل عن اكتشاف النفق الاستراتيجي الذي قالت حماس انها مسؤوله عن تجهيزة و الذي يمتد من عبسان الى ما يقارب الثلاث مئة متر داخل الجانب الاسرائيلي ، منذ ذلك اليوم و الامور تسير بوتيرة متصاعدة سواء على صعيد التصريحات الاعلامية من قبل المسؤولين الاسرائيليين او من خلال الممارسة الميدانية على الارض و التي وصلت ذروتها بداية الاسبوع عندما اصيب خمسة جنود اسرائيليين من بينهم اصابه واحدة خطيرة و ما تبعها من رد تمخض عن استشهاد خمسة فلسطينيين.
ليس هناك اي جديد في الامر، لقد تعود الشعب الفلسطيني بشكل عام و اهل القطاع بشكل خاص على هذا النوع من العلاقة مع الاحتلال حيث بين الحين و الاخر يشهد الوضع نوع من التسخين سرعان ما يتم السيطرة عليه. طوال الستة سنوات من سيطرة حماس على قطاع غزة لم يخرج هذا الوضع عن سياقة سوى في معركتين و احده اسمتها اسرائيل الرصاص المصبوب و الثانية عامود السحاب، و في كلا الحالتين لم يحدث تغيير جوهري في موازين القوى الميدانية حيث بقي الحال على ما هو عليه ليقبل الطرفان بما يشكل المصلحة المشتركة الذين يتفقون بشكل ضمني انها مؤقته و قد تتغير حساباتها في كل لحظة.
السؤال الذي يشغل ذهن المراقبين و المحلليين و اصحاب الاختصاص من كل جانب، هو الى اي مدى ستؤثر التغيرات في مصر بشكل عام و تغيير قواعد العمل على الحدود المصرية مع القطاع من قواعد اللعبه؟ هل اصبح هناك مصلحة اسرائيلية باستغلال حالة الحصار الخانق الناتج عن اغلاق الانفاق و فقدان التعاطف مع حركة حماس من قبل الجيش و الدولة المصرية لتنفيذ عملية عسكرية كبيرة يكون هدفها ازالة التهديد الصاروخي الجاثم على صدرها؟
في نفس الوقت هناك من يسأل اذا كان ما حدث من تغيير في مصر و الحدود مع غزة بشكل خاص، هل هذا الامر قد يجعل حماس ان تفكر بتغيير قواعد اللعبة التي كانت سائدة طوال المرحلة القادمة؟ السؤال بشكل مباشر، هل حماس معنية بمواجهه محسوبه و محدودة لا تخرج عن نطاق السيطرة، لا تقود الى عملية عسكرية متدحرجة، هدفها خدمة اهداف تكتيكية، تخدم الحركة في ما يواجهها من تحديات و ربما يساعد بشكل مباشر ايضا الاخوان المسلمين الذين هم ايضا يخوضون معركة وجود هناك؟
الصدام الاخير يشير الى انه حتى الان لا اسرائيل معنية بالدخول في مواجهه مع حماس و لا الاخيرة معنية في مواجهه مع اسرائيل. هذا لا يعني ان هذا الوضع قد لا ينقلب خلال لحظات.
من الناحية الاسرائيلية و على الرغم لما يقال عن ضرورة تنفيذ عملية عسكرية في قطاع، و على الرغم من ادراكهم ان الفصائل الفلسطينية تستثمر فترة الهدوء او التهدئة لبناء و تطوير قدراتها العسكرية، خاصة في حفر الانفاق و ادخال المزيد من السلاح ، وهذه كلها امور مزعجة و تشكل خطر دائم عليهم ، و لكنهم في نفس الوقت يشعرون ان هناك عنوان يسيطر على قطاع غزة يستطيع ليس فقط السيطرة على نفسه بل ايضا فرض سيطرته على مختلف القوى هناك و ان كان الادعاء ان هناك تفاهم بين جميع الفصائل على التهدئة و ان حماس لا تفرض موقفها على احد.
القناعه الاسرائيلية، ان ما حدث في مصر سينعكس بشكل او بآخر على الوضع في قطاع غزة، و لكن القناعة الاسرائيلية ايضا ان حركة حماس حتى الان غير معنية بالتصعيد مع اسرائيل او بالدخول في معركة مفتوحه معها. مع القناعه ان تشديد الخناق على حماس قد يؤدي الى فقدان توازنها و الهروب الى الامام من خلال التصعيد مع اسرائيل.
ليس هناك وجهة نظر واحدة في اسرائيل في كيفية التعامل مع غزة، بالتحديد مع حماس و بقية الفصائل الاخرى. الجدل متواصل بين وجهتي نظر على الاقل سواء كان داخل المؤسسة العسكرية و الامنية او داخل القيادة السياسية. الاولى تعتبر ان حماس تشكل خطر استراتيجي على اسرائيل و انها تستغل حالة الهدوء في بناء قدراتها العسكرية و بناء الانفاق و التخطيط لخطف جنود و هي بحاجة الى حالة الهدوء لكي تتمكن من استمرار سيطرتها على قطاع غزة. هؤلاء يعتقدون ان تنفيذ عملية عسكرية كبيرة تزيل التهديد الصاروخي و الامني هو ضرورة و يجب ان يحدث اليوم قبل غدا و بغض النظر عن قدرة حماس على المحافظة على حالة الهدوء ام عدمها.
الاتجاه الاخر في المؤسستين العسكرية و السياسية في اسرائيل وعلى الرغم من انهم لا يختلفون في التشخيص لمدى خطورة حماس على المدى الاستراتيجي و لكنهم يعتقدون انه لا يوجد حل سحري يمكن ان يغير الوضع في قطاع غزة بما يخدم المصلحه الاسرائيلية. يعتقدون ان ازالة الخطر يعني اعادة احتلال قطاع غزة حتى و ان كان بشكل مؤقت ، حينها قد يعرفون كيف تبداء الامور لكنهم لا يعرفون متى و كيف ستنتهي. الرأي العام الاسرائيلي و الرأي العام الدولي هو عقبة حقيقية دائما تأخذ بعين الاعتبار قبل التفكير بأي خطوة على هذا الصعيد.
هذا الاتجاه هو الذي يفرض وجهة نظرة الان. لهذا السبب يتم استيعاب ما يحدث من مناوشات بين الحين و الاخر، كما حدث في بداية الاسبوع من اكتشاف النفق و اصابة لجنود اسرائيليين و ما تبعه من استشهاد فلسطينيين.
خلاصة القول، على الرغم من التهديدات الاسرائيلية المتصاعدة منذ اكتشاف النفق الا ان لا تغيير في التعامل الاسرائيلي مع غزة. من المستبعد ان تدخل اسرائيل في عملية عسكرية معقدة في غزة طالما لم تخرج الامور عن سياقها .
هذه الحسابات قد تتغير فقط في حالتين. الحالة الاولى اذا ما حدث امر ما لا تستطيع اسرائيل تحمل نتائجة مثل اسر جندي اسرائيلي كما حدث مع شاليط، او تنفيذ عملية عسكرية على الحدود تؤدي الى قتلى و اصابات خطيرة في الجانب الاسرائيلي، او اصابات صعبة نتيجة اطلاق صاروخ هنا او هناك .
الحالة الثانية التي يمكن ان تغير من الوضع الحالي و يقود الى عملية عسكرية كبيرة في غزة هو احداث تغيير جذري في موقف حماس و الفصائل الاخرى تجاه حالة التهدئة السائدة طوال الفترة السابقة. حتى الان لا يوجد بوادر لتغيير في الاستراتيجية الاسرائيلية و كذلك لا يوجد مؤشرات لتغيير في سياسة حماس.
[email protected]