حرب غزة : خيار العسكر على الساسة !
تاريخ النشر : 2014-07-29 20:23

لعل أخطر ما في الحروب التنائج والتداعيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تتركها الحرب علي كل طرف وقدرته في التامل والتكيف معها وإحتواء آثارها السلبية ، ففى النهاية الحرب ليست غاية في حد ذاتها ، وهى وسيلة لتحقيق أهداف سياسية يسعى كل طرف لتحقيقها . والمشترك في حرب غزة هذه المرة هو طابعها العسكرى ، فمن ناحية إسرائيل كدولة قوة عسكرية لا تقارن تريد إن تحسم الحرب بما يتناسب وهذه القوة ، فهى تعتقد انها إذا لم تحقق اهدافها فإن هيبة جيشها الذي لا يقهر سيفقد كثير من عناصر قوته في المنطقة ، وقد يشجع اطرافا اخرى للدخول في حرب معها أو قد يجدد الحرب في المستقبلمع مقاومة فلسطينية أكثر قوة ، فهى بالنسبة لإسرائيل حرب بقاء ، وفى هذه الحرب أيضا الذي يسيطر على القرار في إسرائيل هم العسكر الذين يملكون القرار العسكرى وألأمنى ، ومن ناحية أخرى المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تريد أن تفرض قوتها العسكرية ، وإثبات أن المقاومة العسكرية هى التي بيدها القرار ، وليس الساسة ، أو الخيار السياسى ، وهذا ما يفسر لنا هذه القوة الصاروخية التي تحاول المقاومة أن تفرضها ، وخيار الأنفاق العسكرية التي تشكل تطورا نوعيا في هذه الحرب، وتدرك حماس أن بقائها ، وبقاء خيار المقاومة مرهون بقدرتها العسكرية ، وبقدرة المقاومة علي فرض مطالبها وشروطها التي تعتبرها إسرائيل هزيمة لها ، فهى تطالب برفع كامل للحصار ، وفتح المعابر بأكملها ، وتوسيع منطقة الصيد في البحر، وغير ذلك من مطالب، وكلها مطالب عادلة لا احد يشكك في عدالتها، فليس من العدالة أن يبقى الشعب الفلسطينى في غزة تحت الحصار لسبع سنوات.وهى مطالب من منظور إسرائيل تعتبررإستسلاما وهزيمة كاملة لها ، وإسرائيل من ناحيتها تحاول أن تلحق أكبر الخسائر بالمقاومة وبنيتها التحتية وخصوصا ركيزتها الإستراتيجية المتمثلة في القدرات الصاروخية المتطورة ، وفى الأنفاق الركيزة ألإستراتيجية الثانية للمقاومة ، وتحاول إسرائيل أن تلحق هزيمة أو أن تلحق أكبر الخسائر وهو ما يبدو بعيدا حتى ألأن. هذه الحرب إذن تختلف عن الحربين السابقتين من حيث ألأهداف، ومن حيث ألآليات ، وقدرات المقاومة ، وهذا الموقف وسيطرة قرار القوة العسكرية هو الذي يفسر لنا فشل اكثر من محاولة للتهدئة ، وتفسر لنا ايضا حجم الخسائر والتدمير الذي لحق بغزة وشعبها الذي من خلاله تحاول إسرائيل أن تفرض وتضع نهاية لهذه الحرب، وفى الوقت ذاته ورغم هذه التدمير الشامل والتشريد والنزوح لسكان المناطق الحدودية مع إسرائيل والذى قد يتجاوز المائتى ألف في عملية نزوح داخلية لم يسبق لها مثيل في قلب مساحة صغيرة لم يتبقى منها مائة كيلو مربع ، ولنتخيل المآساة الإنسانية المروعة التي لم تشهد الإنسانية لها مثيل، كيف يمكن إن يعيش أكثر من مليون ونصف فى هذه المساحة ، بدون خدمات مياه ، وكهرباء ، وصحة ، وبدون مساكن تأوي هذه ألأعداد المشردة ، والهدف في النهاية هو الدفع في تحقيق الأهداف السياسية التي قد فشلت الحرب ،أو الخيار العسكرى في تحقيقه.القرار العسكرى في حالة المقاومة الفلسطينية هو الذي يسيطر ويتحكم في سيناريوهات الحرب.ونهاياتها. والعسكر لا يفكرون كما يفكر الساسة في الحلول الوسط. هذا احد أهم ما يميز هذه الحرب، وهو ما يوضح لنا رفع سقف المطالب إلى يتمسك بها كل طرف، وهى مطالب تتعلق بالبقاء، ومصداقة الخيار الذي يتمسك به كل طرف. وهذا الخيار يعيدنا إلى بدايات الصراع العربى الإسرائيلى ، ومنذ نشؤ القضية الفلسطينية وهو إن الخيار العسكرى كان وما زال هو المسيطر لدى كل طرف، وهو أدى إلى دخول المنطقة في العديد من الحروب، التي لم تحسم الصراع ، وتنهيه كما يريد أى طرف، ولا يمكن تجاهل أن إسرائيل نجحت في تحقيق قدرا من المكاسب من وراء حروبها ، بضم أكثر من ثمانين في المائة من ألأراضى الفلسطينية ، لكنها فشلت في تحقيق ألأمن والبقاء لها ، وبالمقابل لا أحد ينكرأن المقاومة الفلسطينية قد حققت وجودها ، وأثبتت قدرتها على مواجهة إسرائيل ، بدرجة لم يسبق أن عرفتها إسرائيل في حروبها العربية، فيكفى أن قرار المقاومة العسكرى وصل تل أبيب، وحيفا والقدس، لكن في الوقت ذاته لا يمكن القول إن هذا الخيار وبمفرده قادر علي إنهاء الإحتلال الإسرائيلى من ألأراضى الفلسطينى . لماذا لأننا أمام نموذج معقد من الصراعات الذي لا يمكن حسمه بخيار واحد. وفى هذا السياق جاءت حرب غزة ألأخيرة لتعكس نموذجا معقدا ومركبا من الحروب ، نحتاج فيما بعد لدراسة كل نتائجه ودروسه، والإستفادة منها . هذه الحرب ليست كنوع الحروب التي يمكن لأى طرف أن يحقق فيها نصرا كاملا، وهو ما قد ينعكس علي التداعيات السياسية والنتائج السياسية لها ، فكل طرف يحاول إن يخرج ليؤكد أنه هو المنتصر، ودائما حروب العسكر لا تحقق الأهداف السياسية ،منها ، لأنها تبقى مرتبطة بخيارات الساسة ، والحسابات الإقليمية والدولية التي تحكم مسارات وخيارات أى حرب فى المنطقة وليس بحسابات العسكر فقط ، فحرب غزة هذه في النهاية لا تقتصر علي قرار العسكر، ولكنها أيضا تعكس في النهاية التحولات الإقليمية والدولية التي قد شهدتها المنطقة في أعقاب ثورات التحول العربية التي لم تعمل لصالح القضية الفلسطينية .هذه الحرب خلقت واقعا سياسيا جديدا لن يستطيع الخيار العسكرى حسمه. وستترك هذه الحرب تداعياتها الخطيرة علي المستوى الفلسطينى في العديد من القضايا التي سيتم تناولها في المقالة القادمة وخصوصا قضية السلام والتسوية النهائية ومسقبل القضية الفلسطينية .ومستقبل الخيارات الفلسطينية .

[email protected]