إقرأوا محمود .. لا تختزلوا سليم
تاريخ النشر : 2020-06-17 11:43

مازال المشهد الثقافي يضج بالصراخ مذ نشر الروائي السوري الكوردي، سليم بركات مقالته المعنونة "محمود درويش وانا" في صحيفة "القدس العربي" الصادرة في لندن في 6 يونيو 2020، ذكر فيه، ان الشاعر الفلسطيني العربي الكبير، محمود درويش بثه سرا خاصا به، مفاده، ان " له بنتا من إمرأة متزوجة، ولا يشعر بحنين الأبوة". وحسب قول المبدع سليم، ان مقالته كتبها عام 2012، لكنه لم يشأ نشرها آنذاك، وبالضرورة لإسباب خاصة به، غير انه إرتأى مطلع حزيران الحالي نشرها، ومن دون إثارة الأسئلة عن اسباب عدم النشر سابقا، ونشرها حاليا، وايضا دون إعتبار ذلك إستهدافا شخصيا لرمز الثقافة الوطنية، أو تشويها لميراثه الشعري، ولمكانته الأدبية ورمزيته، وقامته العالية. لا سيما وان ما بين بركات ودورويش من علاقات حميمة تسقط من يد كل متحامل على الأديب الكردي السوري أوراق الضغينة والمكيدة والمؤامرة وتصفية الحسابات.

ونعلم جميعا أن شاعرنا العظيم محمود إنسان، إسوة بكل إنسان إمرأة ام رجل، يحب ويكره، له خصاله الخاصة، وإبداعه الأدبي والمعرفي قد يؤثر في بنائه وسلوكياته، ونمطية علاقاته مع الآخر الإنسان، لكنه لا يسلبه حقوقه وخصوصياته وعوالمه ودهاليز حياته المتشعبة على كل الصعد والمستويات. ولا أعتقد ان يكون لمحمود درويش إبنة من إمرأة أحبها، أمراً إستثنائيا، فالدنيا مليئة بالأسرار والعوالم الخفية. وإن كان من وجهة نظري، أن ما باح به درويش لصديقه سليم، لم يكن للنشر. لإنه لو كان يريد نشر ذلك، لما تردد. لكنه في لحظة إنسجام وتصالح مع الذات، وبحكم العلاقة الخاصة مع الأديب بركات بثه سره. وبالتالي كان الأجدر بالكاتب السوري إبقاء السر معه، لإنه لن يقدم أو يؤخر في مسيرة سيد الكلم محمود، خاصة وانه رحل، وبات لسانه متوقفا عن النطق. ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو تأكيد ما نشره صديقه الحميم بركات. أضف إلى انه لم يطلب من صديقه نشر السر بعد رحيله.

الأديب والكاتب الإنسان ليس منزها ولا معصوما عن الأخطاء، وليس إنسانا كاملا، فهو بشر يصيب ويخطىء، يعشق ويبغض، ومن يعتقد ان محمود أو سليم أو اي من الكتاب المبدعين منزها، فهو مخطىء، ولا يرى الإنسان المبدع بشكل كامل، او يحاول ان يخرجه من كينونته الإجتماعية والسيكولوجية والبيئية والعاطفية ليضفي عليه ثوب الكمال، وهذا ليس حقيقي، ولا يمت بصلة للواقع.

لذا لا أعتبر ما أدلى به المبدع سليم بركات من معلومات عن شاعرنا ورمز ثقافتنا نقيصة تحتاج منا الدفاع عن محمود، أو الهجوم على الأديب السوري الكوردي. وكون محمود درويش بقامته الشامخة، وميراثه الشعري والأدبي، ورمزيته الثقافية يستطيع الدفاع عن مكانته، وإنسانيته. وقد يكون الآن في خلوده يتبسم على الضجيج الدائر حول السر، الذي افشاه سليم بركات. ويقول للمدافعين عنه، وللمهاجمين وللمحايدين: كفوا عن الثرثرات الفارغة، توقفوا عن نبش قبري، فأنا تركت لكم صرح الحياة، ورحلت عنكم لعلكم تكملون مسيرة العطاء، إنظروا إلى نصف الكأس الممتلىء، إقرأوني ثانية، وثالثة وقدر ما تستطيعوا، فما تركته لكم ثروة عظيمة، أهم من كل اموال وذهب الكون.

كما انه ينادي على الجميع، لا تختزلوا سليم بما كتبه، لإنه قامة إدبية مبدعة وكبيرة، وأعطى، ومازال ينتج المعرفة، ويغذي الثقافة بمخزونه العميق من الإبداع. سليم كان صديقي وحبيبي، ولولا ما كان بيننا لما بحت له بما بحت من اسرار. وأرحموني من محبتكم الزائدة، أو سقطاتكم وبغضكم غير المبرر، وإشعلوا شمعة في ظلام اللحظة، وإكملوا مشوار الحياة، وتوحدوا لمواجهة الكورونا والأوبئة والحروب الأميركية الإسرائيلية القذرة ضد العرب والعالم عموما وضد شعبكم شعبي الفلسطيني خصوصا، وإنثروا ورود المعرفة والتنوير والنهضة في كل زوايا الوطن الصغير والكبير، وحطموا اصنام التكفير والتخوين، وحاربوا وباء الإستعمار الصهيو أميركي وإصنعوا حلم الأجيال القادمة على أرض سيدة الأرض، فلسطين.