النكسة.. حلت بنا أم أحيلت لنا
تاريخ النشر : 2020-06-06 11:17

الخطاب الاعلامي الرسمي العربي الذي كان سائداً إبان نكسة حزيران 1967م يدل على ان النكسة احيلت لنا في فلسطين بسبب حالة الترهل والضعف التي كانت تسود العالم العربي آنذاك, الاعلام العربي كان يردد ان «العرب سيرمون اليهود في البحر فهنيئا لك يا سمك القرش», في الوقت نفسه لم تكن الجيوش العربية متأهبة او على استعداد للقتال ضد «اسرائيل» ولم تتنبه الزعامات العربية آنذاك الى مستوى الدعم العسكري الكبير الذي تلقته «اسرائيل» من دول العالم وتحديدا الدول الاوروبية, وراهنت الدول العربية على تحالفات هزيلة مع دول كانت تحكمها علاقات قوية ومباشرة مع «اسرائيل» , كما ان العديد من الدول العربية كانت قد تخلصت للتو من الاستعمار الاجنبي الذي كان يستوطن بلدانها, لكنها لم تتخلص من التبعية لهذا الاستعمار, وبقيت تعيش رهينة التغريب الذي مورس عليها, والتجزئة التي نجح الاستعمار في زرعها بين الدول العربية لإضعافهم وتفتيت وحدتهم, يقول الناشط اليمني عبد الملك الشمري «لقد نجحت الشعوب العربية من تحرير أوطانها من المستعمر الأجنبي, لكنها فشلت في حمايتها من غدر والتفاف المستعمر الخارجي وعودته للبلدان التي نالت استقلالها عبر ابناء جلدتهم ممن تربوا وترعرعوا واكلوا وشربوا من خيرات هذه الاوطان, لكن لم يتعلموا الوفاء والاخلاص والولاء لها فقد أتى بهم المستعمر كأدوات خفية تعمل لصالحه ومشاريعه سراً فيما في العلن يتحدثون عن الاوطان وخدمة الشعوب التواقة للتقدم والازهار !! .

في هذه الحقبة كان المجاهدون الاسلاميون, والثوريون اليساريون والاشتراكيون العرب يقبعون في السجون, ويحرمون من مجابهة الاستعمار, ويدفعون ثمن فكرهم ووطنيتهم, وكان الاستعمار يعمل على زرع افكاره ومبادئه القائمة على تقاليد وعادات الغرب المنافية لمبادئنا وقيمنا, فانتشرت الاحزاب القومية والبعثية العربية بأفكار ومبادئ متباينة ومختلفة, فتعددت الافكار واختلفت المسلكيات واصبح العربي اسير افكاره وقناعاته وكأنها صنم يعبد من دون الله عز وجل, فاختلطت الاولويات وتباعدت المسافات وتنافرت الجماعات واصبح «الكل يغني على ليلاه» وكان ذلك أحد اهم عوامل الضعف التي حلت بالأمة العربية, التي تخلت عن دينها ومبادئها وعاداتها وتقاليدها وقيمها وأصالتها, مما ادى الى ضعفها وانكسار هيبتها امام اعداء الامة, وبدأ يتردد سؤال خطير في جنبات الساحة الثقافية العربية, ما سبب هذه السلبية التي تعيشها شعوب المنطقة؟ وما هذه الروح الممسوخة التي تعيق شعوبها عن الحراك لمواجهة الاخطار التي تحدق بالأمة وتعصف بها عصفا؟ لقد ساد نهج التفرد في الحكم, واصبحت الشعوب لديها قابلية للخضوع والاستبداد والتسلط, وسيطرت الافكار المستوردة من الغرب على عقول الكثير من المثقفين والسياسيين والكتاب والقادة, وانشغلت بعض الدول العربية بثرواتها الاقتصادية وخاصة دول الخليج التي كانت غارقة في حقول النفط التي تدر عليها كنوزاً من المال لا حصر لها, فترسخت لديها حالة الركون والتبلد الذي انعكس سلبا على سلوكها الوطني تجاه الاخرين.

فلسطين كانت الضحية, فعندما ضاعت الامة وتخلت عن مجدها ضاعت فلسطين, فاليهود عندما جاؤوا كغزاة الى فلسطين كانوا يحملون التوراة في عقولهم ومعتقداتهم, فتجمع اليهود على مقولة «الدولة اليهودية ويهودية الدولة» في محاولة مكشوفة لتكريس يهودية الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 وشطب حقوق الشعب الفلسطيني, لذلك كانت حربهم ضد العرب نابعة من معتقد ديني راسخ تماما في اذهانهم, رغم ذلك صمد الفلسطينيون صموداً اسطورياً في القتال ضد اليهود, ودافعوا عن ارضهم ووطنهم ببسالة, وقاتلوا تحت الرايات العربية الخادعة آنذاك, واخلصوا في الدفاع عن ارضهم والذود عنها ببسالة منقطعة النظير, رغم المذابح والمجازر الصهيونية, ورغم السلاح العربي الفاسد, ورغم انكشاف ظهرهم من غدر الانظمة العربية, فقد سقطت الجيوش العربية في مواجهتها مع «اسرائيل» في ستة ايام, فسقطت شبه جزيرة سيناء المصرية, وهضبة الجولان السورية, والقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة, لقد كانت الهزيمة مدوية لأنها جاءتنا من تخاذل اشقائنا العرب, ورغم انتصار اكتوبر 1973م المحدود’ لكنه لم يستطع ان يمحو اثار هزيمة 67م وتداعياته التي لا زال العرب يعيشون توابعها الى وقتنا هذا, ولا زالت الشعارات النفسية الزائفة التي اطلقها الصهاينة, «كالجيش الذي لا يقهر» تسيطر على العقول العربية التي تعشش في دواخلها الهزيمة, لكن غزة التي صمدت بمقاومتها الباسلة وامكاناتها العسكرية المحدودة لمدة 51 يوما في وجه اقوى عدوان شنته اسرائيل منذ نشأتها, وصمدت في حربين أخريين, غيرت المفاهيم وازالت الغشاوة عن العيون, واثبتت ان «اسرائيل» اوهن من بيت العنكبوت, ونحن على يقين ان الامة ستنبعث من جديد وتصنع انتصارها.