لماذا نستغرب سياسة الضم وما جاءت به صفقة القرن ..؟!
تاريخ النشر : 2020-06-03 08:17

 

نعم المجتمع الدولي حقيقة لا يعترف بشرعية الضم والإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعتبره مدمرا لعملية السلام، هذا ما أكده حكم محكمة لاهاي عام 2004م بشأن عدم شرعية جدار الضم والفصل العنصري وقرار مجلس الأمن رقم 3234 لعام 2016 بشأن عدم شرعية الإستيطان، لذا من البديهي أن يواجه العالم (ما تضمنته صفقة القرن من شرعنة للإستيطان وضم للأراضي الفلسطينية والإقرار بضم القدس وما ستقدم حكومة "نتنياهو"، على تنفيذه في تموز القادم من الشروع في ضم أراضي الأغوار وغيرها) بالرفض القاطع، كما اعلنت القيادة الفلسطينية رفضها القاطع له واعلنت تحللها الكامل من الإتفاقات السابقة مع حكومة الإحتلال وحكومة الولايات المتحدة بسبب ذلك، لإن خدعت ترامب _نتنياهو لا يمكن أن تنطلي على أحد عاقل، والموقف الفلسطيني الثابت من عملية السلام، يتمثل في (إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، والقدس الشرقية عاصمتها، مع حل عادل لحق اللاجئين بالعودة وفق القرار رقم 194) ولا يمكن أن تقبل تجزئة ما يتعلق بالحل النهائي مطلقا..

إن الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، استمرت في تصاعد متواصل، سواء كان ذلك من قبل قوات الاحتلال، أو المستوطنين، وسهولة إطلاق النار على الفلسطينيين أصبحت سياسة عادية، وسياسة القتل تتعامل معها سلطات الاحتلال كأنها أمر عادي وضروري في سياق إجراءاتها المتبعة دون أي رادع، واعداد المستوطنين في الضفة الغربية في تزايد مستمر، فقد بلغ ما يزيد على400 ألف مستوطن في الضفة بإستثناء المستوطنين في القدس، يتوزعون على (135) مستوطنة و (100) بؤرة استيطانية.

السؤال الذي يطرح نفسه علينا، لماذا نستغرب سياسة (إسرائيل) الاستيطانية وما جاء في صفقة القرن، وما يقوم به المستوطنون من اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، لحملهم على الرحيل، ففي شهر تموز من عام 1967 طرح وزير الخارجية آنذاك "يغئال الون" وأعلن مشروعه للتوسع والضم وتصوره الكامل لمصير الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي أكد فيه (أن تتمسك إسرائيل بأن تكون حدودها الشرقية من النهر إلى البحر، وخط يقطع البحر الميت من منتصفه وبكل طوله، وإنشاء نظام دفاعي متين لتحقيق ما أطلق عليه بوحدة البلاد، من الناحية الجغرافية الإستراتيجية كجزء لا يتجزأ من السيادة الإسرائيلية)، أما الأطماع الأخرى لإسرائيل في الضفة الغربية حسب مشروع "ألون" فهي كما يأتي:

*1. شريط يتراوح عرضه ما بين 10-15 كم على امتداد غور الأردن من غور بيسان وحتى شمالي البحر الميت، على أن يكون في هذه المنطقة حد أدنى من المواطنين العرب.

2. ضم شريط عرضه بضعة كيلومترات، من شمال طريق المواصلات بين القدس والبحر الميت، يتصل مع المنطقة الواقعة شمال طريق عطروت، بما في ذلك منطقة اللطرون.

3.  بالنسبة لجبل الخليل و(صحراء يهودا)، يقترح "ألون" ما بين ضم جبل الخليل بسكانه لإسرائيل، وضم (صحراء يهودا) من مشارف الخليل الشرقية وحتى البحر الميت والنقب.

4. يجب أن تقام في تلك المناطق المذكورة وبأسرع ما يمكن مستوطنات ريفية ومدنية وقواعد عسكرية، وفق متطلبات الأمن.

5. إقامة ضواحٍ وأحياء في شرقي مدينة القدس مأهولة بالسكان اليهود، إضافة إلى تعمير الحي اليهودي، دون أي ذكر لا من قريب أو بعيد لإقامة دولة فلسطينية، بل إقامة روابط من زعماء وشخصيات الضفة الغربية، لتشجيعهم على إقامة حكم ذاتي مرتبط بإسرائيل. *

هكذا هي إذا استراتيجية التوسع والإستيطان والضم الصهيونية في الضفة الغربية والتي التزمت حكومات المستعمرة الإسرائيلية بتنفيذها على مدى سنوات الإحتلال، اليوم تأتي (صفقة القرن الأمريكية الصهيونية) ترجمة حرفية أمينة لها والتي سبق أن اعلنها إيغال الون بعد شهر واحد فقط من حرب حزيران وهي السياسة المنتهجة والمتبعة، وما تسعى وتهدف إليه صفقة القرن اليوم هو إضفاء الشرعية عليها من خلال سياسة فرض الأمر الواقع وانتزاع القبول والتسليم العربي الفلسطيني بها ..!

هذا يؤكد أن الأيديولوجية التي تؤمن بها الحركة الصهيونية وكيانها ثابتة وإن تعددت الأساليب، وتعمل على تطبيقها وتنفيذها خطوة تلوَ خطوة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بأقل قدر من السكان والتي بدأتها في منطقة 1948، وتواصلها اليوم بضراوة في القدس والضفة الغربية.

إن اللجوء إلى العمل السياسي والدبلوماسي والمقاومة السلمية فقط (رغم أهمية ذلك وضرورته) إلا أنه غير كافٍ لكسر هذه السياسة، رغم  أن هناك بعض النجاحات قد تحققت من خلالها، فإن اللجوء إلى القنوات الدولية فقط، ومنها محكمة جرائم الحرب ولابد منها، لكن هذه الإجراءات ستأخذ زمناً طويلاً، وحتى إذا حكمت محكمة "لاهاي" لصالح الفلسطينيين - وقد سبق أن حكمت لصالحهم في موضوع جدار الضم والفصل العنصري- لكن القرار لم ينفذ لأسباب معروفة حيث يواجه بالفيتو الأمريكي، فكيف علينا إذا البناء على تنفيذ قرارات لاحقة من محكمة "لاهاي" ضد إسرائيل ونضمن تنفيذها طالما ينتظرها "الفيتو" الأميركي ...؟!

من هنا المطلوب دراسة وسائل وتوجهات ومقاربات إضافية جديدة لإستخدامها في إدارة الصراع، تكون قادرة على حمل (إسرائيل) للتراجع عن مواصلة سياسة التوسع والضم والإستيطان وصولا إلى إنهاء احتلالها، حتى ولو أدى الأمر إلى تضحيات جديدة وجسيمة، يكون منها العمل على تحميل سلطات الإحتلال أعباء احتلالها وتكاليفه الباهظة، بغير ذلك لن تتراجع المستعمرة الإسرائيلية عن مواصلة سياسة التوسع والضم والإستيطان، ولن تلتزم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية واحكامها، إلا إذا واجهت ضغطا ومقاومة فعلية حقيقية على الأرض تدعم تنفيذ تلك القرارات الدولية.

لابد من التفكير مليا وجديا في البحث عن مقاربات جديدة في إدارة الصراع مع المستعمرة وحلفائها لإنتزاع الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وعدم الركون للآليات والأدوات التي استعملت ولم تستطيع لوحدها لغاية الآن كسر الايديولوجيا الصهيونية القائمة على فكرة التوسع والضم وإنكار الحقوق الفلسطينية.