هاشتاغ: يا عندي يا عند (المُنَسِق)
تاريخ النشر : 2020-05-31 15:46

حاول العديد من الشباب الفلسطيني المُهتم بالأساليب المُتّبعة من قِبل وحدات متخصصة لدى سلطة الاحتلال المُستهدِفَة لأبناء شعبنا من خلال شبكة المعلومات العالمية ومنذ فترة التحذير من الوقوع في فخ الاستخدام الخاطئ لكافة وسائل الاتصال والتواصل المتاحة عبر الشبكة التي تشهد تطور هائل بحيث غدت إلى جانب كونها ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها وسيلة تُستخدم في كافة الصراعات بين الأطراف المتنازعة، وبِظل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي القائم يسعى الاحتلال دائماً وبكل ما أمكنه أن يسلبنا مقومات ثباتنا وأن يُفكك نسيجنا الإجتماعي بهدف إضعاف إرادتنا النضالية.  أما نهارَ الأمس فقد انطلقت حملة من قِبل مجموعة من النشطاء الفلسطينيين على مواقع التواصل الإجتماعي تحذر من متابعة  صفحات وتطبيقات تديرها أجهزة مخابرات الإحتلال لتكلل بذلك مجموع المحاولات السابقة التي بُذلت بهذا الصدد.

 ولم تنقضِ الأربعة وعشرون ساعة على بدء الحملة حتى أُلغِيَت عشرات الآلاف من المتابعات لتلك الصفحات في إشارةٍ واضحة لأمرين أولهما هو امتلاك الشباب الفلسطيني للإرادة الوطنية الصلبة والإيمان الراسخ بوجوب التصدي لسياسات وأساليب الإحتلال القذرة التي يمارسها ضد شعبنا مهما اختلف مجالها وميدانها، وثانيهما هو الاستعداد الجماهيري رغم مجموع التحديات الداخلية لتبني كل فكرة تقوم على صون كرامة وثبات شعبنا، هنا وأمام هذا الموقف اللافت تحضرنا العديد من المسائل الهامة التي يجب أن نقف أمامها:

أولها: حرص الاحتلال على اتّباع كافة الأساليب والوسائل التي تكفل له تحقيق أهدافه بأقل التكاليف، فها هو وعبر أجهزته ووحداته المتخصصة يستثمر التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات للحصول على المعلومات التي يحتاجها في تنفيذ سياساته ضد شعبنا مستغلاً امتلاكه لأحدث التقنيات التي تتيح له الوصول لأية معلومة دونما أدنى جهد، وبذلك لم يعد هذا الاحتلال مضطراً لتخصيص الموازنات الضخمة لتحقيق أهدافه ضدنا بل إننا وبكامل إرادتنا وعبر متابعة كافة الصفحات والتطبيقات التي يديرها نمنحه الموافقة على استباحة مجريات يومنا وبتفاصيله، وأصبح غير مضطر لتجنيد الموارد لمراقبة ذلك الناشط الميداني ومتى سيقترب من منزله بعد مطاردته لأسابيع بحيث يحصل على معلومة لا قيمة لها بالنسبة لنا فما الذي يعنيه ملاحظة أعواد الملوخية في القمامة الملقاة أمام منزله، لكنها المعلومة التي تستحق تجنيد البشر والمال بالنسبة لأجهزة الاحتلال الاستخباراتية. أمّا اليوم فإن سيل المعلومات يتدفق وبغزارة بِفعل سذاجتنا باستخدامنا لكافة وسائل الاتصال والتواصل وبهذا لم نعد مُكلِفين بالنسبة لهذا الإحتلال، الحال الذي يخالف ما حذّر منه الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) مراراً وبأن على هذا الإحتلال أن يدفع ثمن جرائمه فها نحن نمنحه وبشكل قانوني الحق باستهدافنا.

ثانيها: ضرورة التنبه لكيفية صنع الاحتلال سياساته وماهية العوامل والإمكانات التي يمتلكها في إدارة معاركه ضدنا، إذ أنه ولتنفيذ خططه المُستهدِفة لأرضنا وحقوقنا ووجودنا يعمل على إنهاك إنساننا عبر استغلال احتياجاتنا التي هي حقوقنا المسلوبة أساساً، وبالتالي ضرب ثباتنا وثقتنا بإرادتنا الوطنية التي يخشاها. والتيقن بأنه مهما عَظُمت حجم الخدمة المقدَمَة لهذا الإحتلال فإنها لن تمنح مُقدِمها شأناً، وإلا فكيف لهذا الإحتلال الذي يهوّد القدس العربية عبر سحب الهويات من أهلنا في المدينة ويسلبنا أرضنا ومنازلنا ويقطع شجرنا ويأسر ويقتل إنساننا بل يمارس عنصريته ضد شعبنا في الداخل المُحتل أن يمنح خُدَّامَه الهوية والحقوق! ولنتعظ من حال أولئك الذي وقعوا في براثن الخيانة وواقع معاشهم وفقدانهم للهوية وأدنى مقومات العيش في الكيان الذي لا يرى فيهم ما بإمكانه أن يمنحهم أدنى معايير المواطنة.

ثالثها: أهمية إدراكنا لمناحي وطبيعة معاركنا مع هذا الإحتلال وأن نعي بأننا كشعب وبحكم ظروف ميداننا المعقدة حيث التداخل المباشر بيننا وبينه كقوة إحتلالية مستهدفون بلا استثناء وبأن كل فلسطيني هو هدف مشروع لها، وعليه فإنه لزاماً علينا التخلص من عقيدة الخوف التي تؤدي للوقوع في مستنقع الخيانة فأحكام أهلنا ومجتمعنا وشعبنا ووطننا أهون بالمطلق من تهمة الخيانة، وهنا نستذكر مثالاً لطالما ردده المفكر الراحل (هاني الحسن) حول العصفور والأفعى وكيف أن الخوف تسبب بشلل جناحي العصفور المتواجد على غصن الشجرة العالي الذي كان بإمكانه الطيران والهرب لكن وبِفِعلِ خوفه تسللت له الأفعى والتهمته. إننا وبكل الأحوال بشر ومن الطبيعي أن نخطئ ونصيب كما أنه لِزاماً علينا جميعاً أن نحتضن الخاطئ لا أن نضحي به فريسةً لهذا الإحتلال البشع. بالمقابل يجب على كافة مؤسسات ومكونات الدولة المعنية والقادرة على حماية أبناء شعبنا أن تباشر في حملات توعوية تحفظ وتصون إنساننا وشبابنا وبالتحديد تلك المختصة بالمجال الإعلامي والجماهيري، بالتلازم مع دعم أجهزتنا الوطنية لثقة المواطن بها وبأنها حاضنته مهما نال منه التعثر إذ أننا بتنا في مواجهة صعبة مع هذا الإحتلال الذي سيمارس ضدنا أصنافاً من الجُرم. 

أمام ما تقدم فإن الحقيقة التي لا مجال لنقاشها هو أن شبابنا الفلسطيني الذي فقد مقومات الحياة الممنوحة لأقرانه على امتداد هذا العالم يصنع بانتمائه ووعيه المواقف المتصدية لكل ما من شأنه المساس بكرامة شعبنا وحقوقه، وها هو شعبنا يؤكد على أن التناقض الرئيسي هو مع هذا الإحتلال وبأنه لا (المنسق) ولا غيره من محاولات يمكن لها أن تمر على شعبنا الأصيل. ما يتطلب من صنّاع قرارنا أن نطور من  سياساتنا ونجدد من أدواتنا وأن نستثمر شبابنا حُسن استثمار ونوفر لشعبنا ما أمكننا البديل القادر على تعزيز ثباته ودعم صموده بظل استهدافه الدائم من قبل قوة الاحتلال الغاشمة التي تُمارس ضده شتى  الجرائم بهدف إنهاء الوجود الفلسطيني وتصفية قضيتنا العادلة.