مسارات يصدر ورقة عمل حول سياسات فعالة لبناء نظام وطني لإدارة المخاطر في فلسطين
تاريخ النشر : 2020-05-24 10:04

رام الله: هذه الورقة من إعداد: بلال ستيتي، تهاني قاسم، محمود هنية، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" الذي يشرف عليه مركز مسارات - الدورة السادسة 2019-2020.

مقدمة

تتوالى الأزمات والكوارث على الأراضي الفلسطينية، بفعل ظروف البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها، ما يترك آثارًا جمّة تحتاج إلى تدخلات وخطط وبرامج سريعة وعاجلة لإدارتها ومعالجتها، عبر فريق متخصص لإدارة مخاطر الأزمات والكوارث.

تعددت الأجسام والجهات ذات الصلة بالاستجابة للطوارئ، إلا أنها لم تتكامل لهذه اللحظة في إطار تنسيقي يمثّل المرجعية القيادية للنظام التكاملي لإدارة المخاطر والكوارث، مع محاولات ظهرت مؤخرًا لتأسيس مركز وطني وفق قرار صدر عن مجلس الوزراء في آذار/مارس 2017.

و كشفت أزمة وباء كورونا عن الفجوة القائمة في أداء هذه الأجسام، وحاجة الحالة الفلسطينية إلى إطلاق نظام تكاملي قادر على التعامل مع مراحل النظام الشاملة لمواجهة الكوارث والأزمات، لا سيما في ظل الاضطراب المصاحب لنشوء الأزمة مع بدء تشكيل لجان طوارئ للتعامل مع الحدث بعيدًا عن مرتكزات النظام وأهدافه.

ووفق ورقة تحليل سياسات صادرة عن مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي، فإن من أبرز الأجسام العاملة في مجال الاستجابة للطوارئ: المجلس الأعلى للدفاع المدني، والمركز الوطني لإدارة المخاطر، إضافة إلى أجسام ممثلة للمجتمع المدني.

في ذات السياق، كان واضحًا غياب سياسات وخطط موحدة في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية للتعامل مع الأزمة من جانب، وغيابها في التجمعات الفلسطينية المختلفة من جانب آخر، مما يستدعي وضع سياسات وبدائل لتحسين عمل آليات تعزيز النظام التكاملي لإدارة الأزمات في فلسطين، بما يضمن شموليته، وفاعلية أدائه على المستوى الوطني.

المشكلة السياساتية

تتدافع الأزمات والكوارث في الأراضي الفلسطينية، في ظل افتقارها إلى البيئة المساعدة لمعالجتها، ما يظهر الحاجة إلى تفعيل النظام التكاملي لإدارة الأزمات. وتجدر الإشارة إلى أن المخاطر نوعان: الأول، من صنع الطبيعة كالوباء، والتلوث البيئي، والزلازل، والآخر من صنع الإنسان كالاستيطان. ويشكل العامل الأخير خصوصية في الوضع الفلسطيني في ظل الاحتلال الذي يستهدف بشكل مستمر إلحاق الأذى بالمجتمع.

يدفع ما سبق إلى طرح تساؤلات حول قدرة الاستجابة الفلسطينية للتعامل مع هذه الأزمات، في ظل المعيقات الداخلية والخارجية والولاية الجغرافية للسلطة الفلسطينية، وإمكانية تفعيل الإنذار المبكر للأزمات في فلسطين؛ لتحقيق أعلى مدى للاستجابة وقت الطوارئ والكوارث؟

تبرز الحاجة إلى تعزيز دور المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، بما يمكنه من إدارة مراحل النظام الشامل، بما يتسق مع الأنظمة الدولية، مثل إطار "سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015- 2030"، الذي يتألف من ست عمليات، وهي: التوقع، والتقييم، والوقاية، والتحضير والاستعداد، والاستجابة، والتعافي؛ كونه قادرًا على إدارة كافة المؤسسات والقطاعات الحكومية والأهلية إذا ما تم إطلاقه وتحديثه.

أظهرت أزمة كورونا وجود فجوة في تطبيق مراحل النظام التكاملي للأزمة، والحاجة إلى تفعيل واجهة تنسيقية عليا لإدارته، إذ أظهرت محدودية دور المركز في التعامل مع مراحل النظام، لأسباب مرتبطة بعوامل تشكيله، والبيئة المحيطة به.

شكلّ غياب الإطار الحقيقي للنظام الشامل لإدارة المخاطر والكوارث، الذي من المفترض أن يتجسد في "المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث" إشكالية في فهم الأدوار المناطة بالأجسام القائمة، أبرزها "المجلس الأعلى للدفاع المدني"، ما وجد حالة من التدافع في المهمات والصلاحيات، بل شكل ذلك سببًا رئيسيًا في إطار عدم تفعيل وتعزيز دور المركز الوطني لإدارة الكوارث، والتباطؤ في إقرار قانون نهائي بشأنه، أو اعتماده كمرجعية لإدارة الأزمات[1]، لذا يستوجب تفعيل النظام التكاملي لإدارة المخاطر، بما يضمن استجابته لكل مراحل إدارة الكوارث ومعالجتها.

أسباب المشكلة

أسباب داخلية:

قلة الإمكانيات المتاحة، وتعاظم التحديات والمعيقات، وعدم التمكن والوصول إلى تشكيل بنية مركزية لقيادة النظام الشامل؛ لوجود معيقات قانونية وإدارية في ظل معطيات البيئة السياسية الراهنة. ويمكن القول بأن تبعية المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث لرئاسة الوزراء المنشئة له، جعلت منه مركزًا تابعًا لـلحكومة الفلسطينية والمناطق الخاضعة لها بسبب الانقسام الفلسطيني، في حين لا تزال فاعلية القطاعات الفلسطينية المختلفة وتعاملها مع متطلبات النظام الشامل محدودة، في ضوء المعيقات والتحديات التي تجابهها على المستوى السياسي، وحداثة النظام الشامل في الاستجابة للأزمات والطوارئ.

تعدد القطاعات والأجسام المتخصصة في الاستجابة، دون إطار ناظم يتسق مع مقومات النظام الشامل، التي أقرتها الأنظمة العالمية كإطار "سنداي".

افتقار فلسطين إلى تطبيق النظام الشامل لإدارة المخاطر نظرًا لعدم فاعلية البنية الأساسية التي تؤهلها لقيادة مراحله الشاملة المتسقة مع مبادئ إطار "سنداي".

 غياب الإستراتيجية الوطنية الشاملة التي تضمن فاعلية أداء المؤسسات والهيئات والقوى الوطنية على مستوى محافظات الوطن، ومحدودية تحليل مخاطر الكوارث وفهمها، إضافة إلى الاستعداد للاستجابة للكوارث والتعافي منها غير منسق، ويستند إلى ردات الفعل، مما يستوجب بناء المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، بما يضمن تعزيز قيادته لكافة القطاعات المساهمة في مكونات النظام الشامل عبر مراحله المختلفة.

أسباب خارجية:

يُشكل الاحتلال التحدي الأبرز أمام النظام الشامل لإدارة الكوارث والأزمات، فهو المتسبب الرئيس في صناعة الأزمات (الكوارث من صنع الإنسان)، كالاستيطان والنفايات النووية، والكوارث التي يسببها بعد كل اعتداء على الأراضي الفلسطينية. كما أن السياسات الإسرائيلية تستهدف تقويض البنية المؤسسية للسلطة الوطنية المناط بها تفعيل "النظام الشامل"، وإلحاق الضرر في قدرة الاستجابة لحالات الطوارئ والكوارث، عبر الإجراءات التي يتخذها الاحتلال لإضعاف سيطرة السلطة على المناطق وتعمده تجزئتها.

أوجد افتقار البيئة الإقليمية لنموذج فاعل في تطبيق النظام الشامل فجوة في قدرة استعانة المركز الوطني لإدارة مخاطر الأزمات، بالخبرات الإقليمية والإمكانيات والدعم اللوجستي والمالي، لا سيما أن التأثير الجيوسياسي لأي طارئ أو كارثة يشمل المنطقة بشكل أو بآخر متجاوزًا الجغرافيا، كالأوبئة مثلًا.

أضعفت محدودية الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية في بناء نظام شامل من فاعلية قطاعات السلطة المختلفة في التفاعل مع هذه الأنظمة ومتطلباتها. كما أضغف الضغط الأميركي على بعض المؤسسات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية، مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، من قدرة استجابة هذه المؤسسات لمساعدة السلطة على تفعيل هذه الأنظمة.

أهداف الورقة

الهدف العام:

تقديم سياسات تطوير نظام شامل قادر وفاعل على إدارة الأزمات والكوارث في فلسطين.

الأهداف الفرعية:

رفع قدرة القطاعات الفلسطينية وتمكينها من مواجهة الكوارث والأزمات، والحدّ من مخاطرها وتداعياتها.

تفعيل نظام شامل لإدارة الأزمات والكوارث في فلسطين، عبر بناء قدرات القطاعات المختلفة "حكومي – خاص- أهلي" ليتسنى لها امتلاك القدرات الفنية والمهنية والعلمية التي تأهلها لتطبيق النظام الشامل.

إدارة الأزمات والكوارث

بنت الدول إطار عمل "هيوغو" لمساعدتها في مواجهة الكوارث للفترة (2005-2015)، ما أعطى مزيدًا من الزخم للعمل العالمي في نطاق إطار الحد من الكوارث الطبيعية. وطوّرت الدول من خلال مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الثالث، الذي عُقد في سنداي باليابان، في آذار/مارس 2015، بين الحكومات بدعم من مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (2015-2030) بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، إطارًا بديلًا لـ "هيوغو".

أقر إطار "سنداي"، في الأولوية الثانية من إستراتيجيته "تعزيز سبل إدارة مخاطر الكوارث من أجل تحسين التصدي لها"، على الصعيد الوطني الذي يستلزم وجود رؤية واضحة وخطط واختصاصات وإرشادات وتنسيق داخل القطاعات وما بينها. لذلك، فإن تعزيز إدارة مخاطر الكوارث بغرض الوقاية والتخفيف والتأهب والاستجابة والتعافي وإعادة التأهيل أمر ضروري من شأنه تعزيز التعاون والشراكة ما بين الآليات والمؤسسات التي تتولى تنفيذ الصكوك ذات الصلة بالحد من مخاطر الكوارث والتنمية المستدامة، ولتحقيق ذلك حدد "سنداي" المهام الواجب تحقيقها على المستويَيْن الوطني والمحلي، وهي:

تعميم وإدماج الحد من مخاطر الكوارث داخل جميع القطاعات، واستعراض وتعزيز تطوير الأطر الوطنية والمحلية للقوانين والأنظمة والسياسات العامة، حسب الاقتضاء، التي توجّه القطاعين العام والخاص، من خلال تحديد الأدوار والمسؤوليات.

اعتماد وتنفيذ إستراتيجيات وخطط وطنية ومحلية للحدّ من مخاطر الكوارث، تغطي فترات زمنية مختلفة، وتستهدف منع نشوء مخاطر جديدة، والحدّ من المخاطر القائمة، وتعزيز المنعة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية.

إجراء تقييم للقدرات الفنية والمالية والإدارية على إدارة مخاطر الكوارث للوقوف على قدرتها على التعامل مع المخاطر التي تُحدد على الصعيدين المحلي والوطني.

تشجيع إنشاء الآليات والحوافز اللازمة لضمان ارتفاع مستوى الامتثال للأحكام المعززة للسلامة في القوانين والأنظمة القطاعية القائمة.

إنشاء آليات لمتابعة التقدم في تنفيذ الخطط الوطنية والمحلية، وتقييمه دوريًا، والإبلاغ عنه علنًا، وتعزيز تلك الآليات حسب الاقتضاء.

إناطة أدوار ومهام واضحة، حسب الاقتضاء بممثلي المجتمع المحلي في مؤسسات وعمليات إدارة مخاطر الكوارث، وصنع القرارات المتعلقة بإدارة هذه المخاطر.

إنشاء وتعزيز منتديات تنسيق حكومية تضم أصحاب المصلحة المعنيين على الصعيدين الوطني والمحلي.

تمكين السلطات المحلية، حسب الاقتضاء، عبر الوسائل التنظيمية والمالية.

تشجيع البرلمانيين على دعم تنفيذ تدابير الحدّ من مخاطر الكوارث، من خلال سن تشريعات جديدة، أو تعديل التشريعات القائمة ذات الصلة.

تشجيع إعداد معايير للجودة في مجال إدارة مخاطر الكوارث.

صياغة سياسات عامة، حيثما اقتضى الأمر، بهدف معالجة قضايا وقاية أو إعادة توطين سكان المستوطنات البشرية في المناطق المعرضة لمخاطر الكوارث. [2]

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن "الحد من مخاطر الكوارث وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الكوارث سيتم معالجتها بتجديد الشعور بالإلحاح في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، وكذلك دمجها في السياسات والخطط والبرامج والميزانيات على جميع المستويات وبحثها ضمن الأطر المستقبلية ذات الصلة". وقد حددت أولويات سنداي بفهم مخاطر الكوارث، وتعزيز حوكمة مخاطر الكوارث، والاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث من أجل الصمود، إضافة إلى تعزيز التأهب للكوارث من أجل الاستجابة الفعالة، وإعادة البناء على نحو أفضل في التعافي وإعادة التأهيل والإعمار.

نظام وطني لإدارة المخاطر في فلسطين

عند مقارنة إطار سنداي على الصعيد الوطني الفلسطيني، بما هو مطبق، وكيفية الوصول إلى النظام الشامل؛ نجد أن فلسطين بدأت خطوات عملية للوصول إلى النظام الشامل، لكنها لم تصل إليه بعد، ويمكن تتبع ذلك من إرهاصات تكوين وإنشاء النظام الشامل لإدارة المخاطر والكوارث على النحو الآتي:

نمت فكرة إنشاء نظام خاص بإدارة الكوارث فلسطينيًا في العام 1998، عبر مراسلات تقدمت بها مؤسسات علمية ومختصون، وتحديدًا من مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل بجامعة النجاح، حينئذ، إلى الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي. وإثر الهزة الأرضية التي ضربت فلسطين في العام 2004، عُقِدِت لقاءات مع ممثلي عدد من الوزارات بناء على اجتماع عقد في وزارة التخطيط والخارجية آنذاك، عُرِضت خلاله منظومة الحد والتخفيف من مخاطر الكوارث تحت مسمى "هيئة وطنية للتخفيف من أخطار الكوارث".

وفي العام 2007، أُنشئت الهيئة الوطنية للتخفيف من أخطار الكوارث، كجمعية غير حكومية عملت مع عدد من المؤسسات في مجال التوعية فقط.[3]

وفي العام 2013، زارت مارجريتا والستورم، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، جامعة النجاح؛ بهدف تشجيع فلسطين على الانخراط في تطبيق إطار هيوغو للحد من المخاطر الدولية. وعقب هذه الزيارة توافدت لجان دولية وأممية عديدة، أوصت بأهمية تشكيل جسم فلسطيني يتولى إدارة مخاطر الكوارث الشاملة، وأن يكون ضمن إدارة المخاطر.

المجلس الأعلى للدفاع المدني

أُنشئ المجلس بقرار قانون رقم (3) لعام 1998، وقد عُقد أول اجتماع له في العام 2005، أي بعد سبع سنوات على قرار تشكيله، وممثلوه مؤسسات حكومية، ويترأسه وزير الداخلية.

يقتصر عمل المجلس على ردة الفعل والاستجابة، وليس جميع مراحل النظام التكاملي لإدارة المخاطر. وبرزت آراء مختلفة حول إصرار عدد من المؤسسات على دور المجلس، مع أن المنظومة الجديدة لا تلغي عمل المجلس، بل هي رافعة له، ويتركز دورها كمنظومة تنسيقية وقائية تخطيطية.

تجدر الإشارة إلى أن منظومة إدارة الكوارث التي يُعمل بها معظم دول العالم، تجعل رئاسة هذا النوع من الهيئات واللجان والمراكز تحت أعلى إدارة في البلد، إما رئيس الدولة أو رئيس الوزراء.

المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث

أُنشئ المركز بقرار من مجلس الوزراء في العام 2017، وأنجز بعض البرامج التطويرية لبناء نظام إدارة مخاطر الكوارث، إذ استطاع دراسة وتقييم القوانين ذات العلاقة، وجرت عمليات تشاور على المستوى الوطني والمحلي، وناقش آليات الاعتماد، وقد صيغت مسودة قانون المركز "مشروع قانون بشأن إدارة مخاطر الكوارث في دولة فلسطين"، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في العام 2016.

يسلط مشروع القانون – الذي لم يقرّ حتى الآن - الضوء على المسائل التي تتطلب تطويرًا إضافيًا لتصميم وتنفيذ نظام مكتمل الفعالية لإدارة المخاطر. ويدار النظام المقترح من خلال إجراءات عمل يتم تطويرها لتحقيق الأهداف المحددة لإدارة مخاطر الكوارث، تشمل قواعد فهم مخاطر حدوث الكوارث، والحد منها، وإعداد وتنفيذ العمليات اللازمة للتعامل مع الكوارث، والتعلم من الخبرات. وتُعد إدارة مخاطر الكوارث مسألة مجتمعية ووطنية تعنى بها كافة المؤسسات والهيئات الممكن تكليفها بواسطة التشريع الفلسطيني.[4] كما أنجز المركز الإطار المؤسسي لنظام إدارة مخاطر الكوارث، وتقييم القدرات الوطنية وتحديد الاحتياجات.[5]

اللجنة الوطنية العليا للطوارئ

قررت الحكومة الفلسطينية تشكيل اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لتعزيز قدرة الاستجابة الفلسطينية للتحديات القائمة عقب انتشار وباء كورونا. وتتشكل اللجنة من 22 وزير و6 مؤسسات حكومية غير وزارية، كسلطة النقد والطاقة والمياه ... إلخ، إضافة إلى 39 شريكًا[6]، مثل المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، ومركز الحد من الكوارث والزلازل في جامعة النجاح، والمجلس التنسيقي الأعلى للقطاع الخاص ... إلخ.

أفرزت اللجنة فريقًا فنيًا وطنيًا لإدارة المخاطر، يضم ممثلين عن هذه الجهات الممثلة، لكنّ بجهات تمثيلية اختصاصية، على سبيل المثال، يمثل في اللجنة الوطنية العليا مدير عام الدفاع المدني، بينما يمثل في الفريق الفني رئيس وحدة إدارة المخاطر بالجهاز".[7]

المجتمع المدني والاستجابة للطوارئ

بالتوازي مع عمل الأجسام الحكومية، نشط المجتمع المدني في التفاعل مع منظومة الاستجابة، عبر مؤسسات أكاديمية ومهنية ومجتمعية، لكن التفاعل كان ضعيفًا.[8]

بناء نظام وطني لإدارة المخاطر .. المعيقات والتحديات

تعدد الأجسام ذات الصلة

كشف وباء كورونا عن عمق التداخل الحكومي والحزبي في إدارة اللجان المساندة للطوارئ، وذلك باعتراف مجدي الصالح، وزير الحكم المحلي، إذ تبين أن غالبية المنتسبين إلى هذه اللجان من حركة فتح، وذلك لسيطرة الحركة على غالبية المجالس القروية والبلدية.[9]

خَلَقَ تعددُ الأجسام تبايناتٍ أثّرت على إصدار النظام الخاص بالفريق الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، ومن تلك الأجسام "المجلس الأعلى للدفاع المدني"، التي تعمل بالتوازي مع مطالب وجهود لتفعيل منظومة الحد من الكوارث.

رأس الهرم: إدارة نظام وطني للمخاطر

تركزت الجهود الحكومية على تشكيل مركز وطني يشكل واجهة لقيادة النظام ممثلًا بالمركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، إلا أن هناك معيقات قانونية وإدارية تواجه تفعيله، إذ بعد مضي ثلاث سنوات على قرار إنشائه، وإعداد مسودة قانون يحدد طبيعة عمله ومهامه وهيكلته، وورود مشاريع لتعزيز دوره، إلا أنه محاط بأزمات وإشكاليات عدة، أبرزها عدم إقرار مسودة نهائية لقانون نظام المركز، وعدم جهوزيته للتعامل مع متطلبات النظام الشامل لإدارة الكوارث والأزمات، إضافة إلى قلة وضعف الكوادر المتخصصة وغياب المخصصات المالية.

العمل المناطقي والتبعية

تسببت الظروف الجغرافية والسياسية في وجود تباين في أداء الاستجابة بالتجمعات الفلسطينية، نظرًا لارتباط أجزاء منها بأنظمة مختلفة، وهي تُشكل تحديًا حقيقيًا أمام إمكانية تطبيق نظام موحد لإدارة الأزمات، خاصةً إذا ما أُضيفت التجمعات الفلسطينية في الشتات، والسيطرة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية والقدس.

ويدفع هذا الأمر باتجاه إيجاد مرجعية قانونية وإدارية تُمكن النظام من إدارة مهامه داخل نطاق صلاحيات الدولة الفلسطينية، وتطبيقه في المناطق الفلسطينية التي يسيطر عليها الاحتلال الاسرائيلي مدنيًا وعسكريًا، إضافة إلى إمكانية تطبيقه في الشتات، بما يخضع جميع الأدوات تحت صلاحية النظام ليؤهله للقيام بمهامه.

العمل والتنسيق في القدس

أوجد عدم وجود خطة وطنية شاملة لإدارة الوضع الفلسطيني في المناطق الشرقية للقدس، اضطرابًا عميقًا في الأداء بين الجهات المرجعية بالمدينة، وخاصة الرسمية منها، كالمحافظة، ووزارة القدس، ومكتب القدس بالرئاسة، التي تعمل في مناطق خارج الجدار بالقدس، وخلق أجسام موازية في المناطق داخل الجدار.[10]

أدّى التقسيم الجغرافي لقرى المدينة وتباين الإجراءات والقوانين التي تخضع لها كل منطقة، إلى ضعف السيطرة والفاعلية في الاستجابة للأزمة، وتعزيز نفوذ العائلات في بعض القرى والمناطق، ما دفع بالرئاسة إلى حل لجان الطوارئ. وكما أدت الفئوية الحزبية وسيطرة الحزب الواحد على لجان الطوارئ وعدم شموليتها لكل الفعاليات الوطنية، إلى خلل في التوزيع العادل للمساعدات، وأثر على الاستجابة الفاعلة للتعامل مع الأزمة.[11]

تعمل الأطر واللجان المساندة لتكون على تأهب واستعداد للاستجابة في التعامل مع أي طارئ، ومن شأنها المساعدة على تقليل الاعتماد فلسطينيًا على الاحتلال، والارتباط بشكل أعمق وأكثر صلة بالسلطة الفلسطينية.[12] إلا أن تعددّ المرجعيات الرسمية والتخوف من دور المؤسسات والفعاليات كبديل تمثيلي لفلسطينيي الداخل، يشكل تحديًا أمام تطبيق النظام، ما يستدعي تشكيل إطار تنسيقي شامل في المناطق الفلسطينية داخل الجدار وخارجه، بإشراك جميع الجهات الوطنية الفاعلة، تنتج عنه هيئة إدارية تنفيذية تشارك في المركز.

البدائل السياساتية

البديل الأول: بناء إستراتيجية وطنية للحد من مخاطر الكوارث

يتطلب تحقيق الغاية الإستراتيجية والوطنية اتباع نهج منظم متكامل لإدارة الطوارئ، يبدأ من الرئاسة وينتهي عند المواطن، من خلال توقع جميع المخاطر والأزمات التي يمكن أن تتعرض لها فلسطين، سواء الطبيعية أو تلك التي من صنع الإنسان، وانتهاء بعملية التعافي من آثار تلك المخاطر والكوارث بعد وقوعها.

إن أهمية النظام المتكامل بما يوفره من مرونة واستعداد يضمن اتخاذ الإجراءات المناسبة لأي خطر أو كارثة قد تقع، لا سيما أن فلسطين بيئة خصبة للأزمات في ضوء الكوارث الناشئة عن الفعل الإسرائيلي من جهة، وضعف مناعة البنية التحتية المؤسسية بالتعامل مع الأزمات الطبيعية وكوارثها من جهة أخرى. ويعدّ الناظم المتكامل أحد المكونات الرئيسية للإستراتيجية الفلسطينية وقدرتها على التعافي.

أكد المنتدى الدولي الرابع حول فعالية المساعدات، الذي عقد في مدينة بوسان الكورية في العام 2011، أن إستراتيجيات التنمية وبرامجها تعطي الأولوية لبناء الصمود بين الناس والمجتمعات المعرضة لخطر الصدمات.

وخلصت توصيات مكتب إدارة مخاطر الكوارث بالأمم المتحدة، ومقره في جنيف، في تقرير صدر عنه بعد زيارة وفد له إلى الأراضي الفلسطينية، إلى أنه بإمكان فلسطين امتلاك نظام لإدارة المخاطر والكوارث، لكنها بحاجة إلى وجود بيئة تشريعية ناظمة، وإطار مؤسسي لإدارة مراحل الكوارث.[13]

يُشكّلُ تعدد المؤسسات والأجسام ذات الصلة في التعامل مع الاستجابة تحديًا من نوع آخر، خاصة في ظل عدم تفهم بعضها لطبيعة الدور المناط بالمركز الوطني. لذا، لا بد من العمل  على تشكيل إطار جامع ضمن رؤية إستراتيجية، يضمن العمل التكاملي والتعاوني بين القطاعات المختلفة الرسمية والأهلية، للحد من الكوارث والأزمات، على غرار تجارب دول عدة، حيث تناط إدارة الكوارث بمجلس خبراء تكنوقراط، تكون الحكومة جزءًا رئيسيًا فيه، وتشارك في عمله مجموعة مهمة من العناصر الفاعلة ذات الاختصاص من الخبراء والاختصاصيين والمهنيين والشركاء الممثلين عن القطاعات المختلفة.[14]

أوضح رئيس المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، عن أهمية وجود إستراتيجية وطنية لإدارة المخاطر والكوارث في فلسطين.[15] ورغم قبول الفكرة وأهمية وجود إستراتيجية وطنية من قبل المؤسسة السياسية الرسمية، إلا أن ظروف البيئة السياسية الداخلية المتعلقة بالانقسام الفلسطيني، والخارجية المتعلقة بالاحتلال، والتجمعات الفلسطينية في الخارج، تعدّ عائقًا أمام بناء تلك الإستراتيجية. غير أن الإرادة السياسية الفلسطينية إذا ما سعت وبدأت بالعمل على تحقيق الإستراتيجية على المستوى الداخلي، فستستطيع ذلك، ويبقى التحدي الأبرز لها على المستوى الخارجي، الذي يمكن البحث عن تذليل العقبات لبناء الإستراتيجية الوطنية.

 إن ضعف البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، وعدم المقدرة على تجديدها بفعل الأزمات المالية التي تعصف بالسلطة، واستهداف الاحتلال المتكرر لبنية المؤسسات الفلسطينية وإلحاق الأذى بها؛ يشكل عاملًا حافزًا لتشكيل جسم قوي يتعامل مع إدارة الأزمات. وهناك حاجة لإيجاد صيغة من التعاون بحسب الحاجة والضرورة، خاصة في ظل عدم خضوع مناطق في فلسطين لسيادة السلطة الفلسطينية، وخاصة في القدس.

المقبولية: بناء إستراتيجية وطنية مقبول لدى المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، ولدى العديد من المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني.

المعقولية: في ضوء الأزمات المتتالية التي تعصف بفلسطين، تتعاظم معقولية وحاجة المجتمع الفلسطيني إلى بناء إستراتيجية وطنية جامعة عابرة للقطاعات والحدود الجغرافية التي تفصل بين التجمعات الفلسطينية المختلفة.

إمكانية التطبيق: في ضوء تجربة المؤسسات والمنظمات العاملة في هذا الصدد، فإن إمكانية وجود إستراتيجية شاملة على المستوى الداخلي عالية. أما على المستوى الخارجي، فهناك صعوبة، خاصة في ظل الاحتلال، وضعف القدرة السياساتية والتنفيذية في الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين.

الربح والخسارة: إن وجود مثل هذه الإستراتيجية يساعد السلطة الفلسطينية ومؤسساتها على تعزيز القدرة والاستجابة للحد من مخاطر الكوارث بأقل تكلفة وخسائر، إذا ما طبقت معايير النظام الشامل. كما تضمن الأداء الفاعل والمنظم لكل مكونات النظام بما يقضي على عشوائية العمل.

البديل الثاني: تفعيل المركز الوطني لإدارة المخاطر والكوارث تنظيميًا وقانونيًا ووطنيًا

يحتاح تطبيق الإستراتيجية الوطنية إلى جسم تنسيقي فاعل، بحسب توصيات الأمم المتحدة، ما يستدعي الحاجة إلى تفعيل دور المركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، عبر إعادة هيكلته وحوكمته، وإقرار قانون خاص به بشكل نهائي، بما يضمن تمثيل كامل للمؤسسات والشركاء، والمجتمع المدني، وممثلي عن القوى الوطنية والإسلامية للمساهمة في اللجان المساندة الشعبية التي يحتاج إليها في حالة الطوارئ، بحسب الحالة الطارئة، أو الأزمة التي تحتاج إلى تدخل هذه الجهات.

تُشكل البيئة الفلسطينية تربة خصبة وحاجة ملحة لضرورة بناء المركز للقيام بدوره في قيادة النظام الشامل لإدارة الكوارث والأزمات، كما أن تدافع العديد من الأجسام القائمة يحتاج إلى ضرورة توحيد الجهود في مركز ذات صلاحيات كاملة وضمن نطاق موازنة مالية تمكنه من القيام بمهامه.

إنّ مبادرة الفلسطينيين إلى اقتراح النظام الشامل لإدارة الكوارث تضاعف لدى النظام السياسي أهمية المسارعة إلى تشكيل المركز، إلا أن هناك عقبات عدّة قد تعترض طريقه، ومنها:

حاجة إقرار القانون النهائي للمركز إلى مجلس تشريعي، وهو من معطل من الناحية الفعلية، ما يستدعي وجود بديل بصدور مرسوم رئاسي بإقرار القانون.

قد يحدث الغموض في فهم إطار النظام الشامل لإدارة الأزمة قد إشكالية لدى الأجسام القائمة، خاصة لدى المجلس الأعلى للدفاع المدني، ما يستدعي إقرار خطة كاملة تراعي تنسيق الأدوار والمهمات بين المركز والمجلس والهيئات الفاعلة على صعيد إدارة الكوارث.

الحاجة إلى موازنات مالية، قد تجدها بعض الأطراف ذريعة للتباطؤ في إقرار النظام بفعل الأزمة، ما يستدعي وجود خطة وطنية لتمويل صندوق خاص بالطوارئ والأزمات غير رسمي، على غرار صندوق "وقفة عز"، مع الأخذ بعين الاعتبار العمل على إعادة مأسسته وتنظيم أهدافه ولوائحه الداخلية، وإشراك أكبر قدر من الشرائح المجتمعية والاقتصادية، مع الحذر من التعامل بمنطق إقصائي جغرافيًا. مع التأكيد على ضرورة وجود موازنات ثابتة لصندوق خاص للتعامل مع الأزمات، والأخذ بحسبان وجود خطة عملية لجلب التمويل الخارجي له عبر المؤسسات والمنظمات الدولية ذات العلاقة.

يشكّل الانقسام السياسي اختبارًا حقيقيًا وتحديًا خطيرًا لعمل المركز، ما يستدعي الأخذ بعين الاعتبار إعادة حوكمة المركز وهيكلته، بما يضمن إشراك المؤسسات الفاعلة في إدارة الكوارث بقطاع غزة، والأجهزة المدنية كجهازي الصحة والدفاع المدني، وتشكيل لجان فنية متخصصة مشتركة مع الوزارات في غزة.

يعدّ الاحتلال الإسرائيلي أحد أكبر التحديات أمام عمل المركز في مناطق السيطرة الإسرائيلية، ما يستدعي إقرار خطة وطنية تضمن مشاركة النخب والفعاليات في تلك المنطقة، وإشراكها في عملية تحديد المخاطر المتوقعة، ووضع خططها لإشراكها في عملية الاستجابة لأي طارئ محتمل.

تبعية المركز للسلطة الفلسطينية يجعل أداءه محدودًا بمناطق سيطرتها، ما يعني أن التجمعات الفلسطينية في الشتات ستكون خارج إطار مهامها، ما لم يستدرك بلجان عمل مشتركة من مؤسسات منظمة التحرير لوضع خطة شاملة لإدارة الأزمات بالمخيمات بالتنسيق مع الدول المضيفة، وبتخطيط ومتابعة وإشراف المركز.

المقبولية: تُشكل تعدد الأزمات والكوارث الداخلية والخارجية في ضوء شبه الانهيار في البنية التحتية وضعف المناعة في مواجهتها، حاجة ملحة لدى الجهات الرسمية للتعامل مع المقترح كاستحقاق وطني واجب النفاذ.

المعقولية: تحتم الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون، التفاعل مع متطلبات النظام الشامل لإدارة المخاطر ومأسسته ضمن مركز وطني مختص، خاصة مع تدافع الأزمات وتواليها، وضعف البنية التحتية التي تُشكل مناعة لمواجهة الأخطار، ما يجعل من خيار المركز موضع إجماع، بل وتأكيد من الاختصاصيين.

إمكانية التطبيق: مع المحاولات الأولى لإقرار مسودة قانون المركز، والتقدم بخطوات متعلقة بعمله، يجعل من إمكانية تفعيله أمرًا ممكنًا مع حاجته إلى مزيد من الدعم السياسي، وتوفير الحاضنة الحكومية والمجتمعية التي تؤدي لإطلاقه.

كما أن تجربة بعض المؤسسات والجمعيات ذات العلاقة في إدارة الكوارث، تشجع الجهات الرسمية للاستمرار بشكل متقدم في تأسيس نظام متكامل وشامل يجسده المركز بالتطبيق على أرض الواقع.

الربح والخسارة:

إطلاق فعلي وحقيقي للنظام الشامل لإدارة الكوارث، ما يرفع جانبًا مهمًا من الأعباء عن الدولة في رسم السياسات والخطط للتنبؤ بالكوارث، وإعداد البنية والتدريب اللازم للطواقم، وصولًا إلى تعزيز قدرة الاستجابة.

تعزيز دور الدولة في التعامل مع الأزمات، وتعزيز حضور منظمة التحرير ومؤسساتها في التعامل مع الطوارئ في مخيمات الشتات.

توفير فرصة لتواصل المركز مع المؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية ذات العلاقة، لإشراكها في التخفيف من الأزمات على كاهل المواطنين.

قد يشكل المركز فرصة لسد الثغرات الناتجة عن الانقسام السياسي في إدارة الأزمات في المحافظات الشمالية والجنوبية، وسد الطريق عن أي محاولة سياسية لاستغلال الأزمات الإنسانية من أي طرف كان، على اعتبار أن المركز سيحظى بإجماع وطني لإدارة الأزمات.

توحيد الجهود في إيجاد التمويل الخاص لإدارة الكوارث، وبالتالي التخفيف عن الحكومة في إطار تكاليف تدخلها للاستجابة العاجلة.

البديل الثالث: نظام وطني يشمل كافة التجمعات الفلسطينية

تُشكل البيئة السياسية والأمنية والاجتماعية الفلسطينية، جملة من التحديات أمام عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية، خاصة مع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى ضم المزيد من الأراضي، وبسط السيطرة على مناطق فلسطينية في الضفة والقدس، وفي ظل حالة الانقسام الفلسطيني التي تزداد تعقيدًا.

وتأثر أداء المؤسسات الفلسطينية الرسمية بهذه التحديات وتداعياتها، إذ بات يقتصر عمل أغلبها في المحافظات الشمالية، في حين تأثر أدائها في المحافظات الجنوبية، ما يستدعي ضرورة العمل بشكل حثيث لتفعيل الأداء الوطني المشترك، الذي يتجاوز في بنيته ووظيفته البُعد السياسي والعامل الجغرافي، ويتملك القدرة على تجاوز تعقيدات الظروف السياسية في العمل تحت تأثير الاحتلال أو الانقسام.

كما أن محدودية الصلاحيات الوظيفية لدى السلطة، حدّ من قدرتها على العمل في المناطق التي لا تخضع لسيطرتها المدنية والأمنية، وعلى التعامل مع مناطق الشتات، بالتوازي مع عمل لجان منظمة التحرير، ما أوجد حالة من الازدواجية في التعامل مع خطط الطوارئ.

في ضوء ما سبق، فإن تعقيدات الوضع السياسي تفرض الحاجة إلى وجود جسم فلسطيني شامل مهني اختصاصي تكنوقراطي، تشارك فيه الجهات الحكومية وممثلو المؤسسات الأهلية والوطنية والنقابية.

ويمكن أن تتمثل صيغة الجسم الوطني بالمركز الوطني لإدارة مخاطر الكوارث، كونه هيئة فلسطينية ذات كيان مستقل، تزود الرئيس والمجلس التشريعي بتقارير دورية عن أدائها وعملها، وتخضع لحوكمة وهيكلة تضمن مشاركة جميع الجهات ذات الاختصاص. ويحقق وجود المركز فائدة على أكثر من صعيد، أبرزها ضمان مشاركة فاعلة للجهات غير الرسمية في إدارة الأزمات، ويحد من سطوة التدخل الحكومي أو الحزبي في محددات عمله، إضافة إلى أنّ وجود المركز يُشكل فرصة لتلافي تداعيات الانقسام السياسي، وفرصة مهمة لينشط في محافظات الوطن المختلفة بمعزل عن تعقيدات المشهد السياسي الداخلي، وقد يكون مدخلًا لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام.

كما يساعد وجود مركز وطني شامل سيادي من توسيع دائرة نطاق صلاحياته في العمل في المناطق التي لا تخضع للسلطة الفلسطينية، إذ يمكنه التفاعل مع الأزمات الطارئة التي تتعرض لها التجمعات الفلسطينية بالخارج، عبر التنسيق مع الدول المضيفة والمنظمات الدولية ذات العلاقة، خاصة في ظل تفاقم المعاناة التي يعيشها اللاجئون في عدد من الدول المحيطة، نظرًا لظروف الصراع السياسي والاجتماعي التي تعيشها تلك البلدان.

يُمكن رصد مجموعة من الأسباب التي قد تؤثر سلبًا على مسار تبني هذا الخيار، إلا أنها في الوقت ذاته تُشكل فرصًا حقيقية للدفع بوجوده وإنشائه، ومنها:

أولًا: الاحتلال الإسرائيلي، إذ يُشكل الاحتلال في جوهره أكبر تحدٍ في تطبيق نظام إدارة المخاطر والكوارث، خاصة في ظل محاولاته الرامية إلى طرد السكان، وفرض السيطرة على أغلب مناطق محافظة القدس، ومناطق (ج)، إلى جانب مساعيه الرامية إلى تهميش الدور الفلسطيني في تلك المناطق ومحاصرته لها.

ثانيًا: الانقسام السياسي، إذ يشكّل الصراع السياسي الداخلي تحديًا آخر لا يقلّ خطورة عن تحدي الاحتلال، خاصة في ظل تعميق حالة الشرخ القائمة، وزيادة الفجوة، وانعدام سبل الثقة بين الأطراف الفلسطينية، إضافة إلى التباعد الحقيقي القائم في الجهاز الحكومي بين المحافظات الشمالية والجنوبية.

في الجانب المقابل، تُشكل هذه الأسباب فرص حقيقية لنشوء جسم وطني موحد، خاصة في ظل الحاجة المجتمعية إلى وجود جهاز وطني فعّال يرسخ دور وفاعلية حضور مؤسسات السلطة، من ناحية، والتعامل مع الأزمات وتداعياتها من ناحية أخرى.

وبالنظر إلى تجربة "الفريق الوطني لإعادة الإعمار في غزة" الذي شكل تجربة في إدارة نتائج أزمة الإعمار عبر مجلس وطني موحد تجاوز تعقيدات الخلاف السياسي، فإنها تُشكل دافعًا مشجعًا لوجود جسم وطني موحد، يمكنه العمل بعيدًا عن تعقيدات الحالة الداخلية.

كما أن حاجة المجتمع المدني بمؤسساته وفعالياته إلى استنهاض دوره في الحالة المجتمعية، يُشكل رافعة أخرى لتضمين دوره المناط به، وتعزيزه ضمن هذه المنظومة، الأمر الذي قد يساهم في تعزيز عوامل الثقة بين الجهات المختلفة.

إضافة إلى أن وجود منظومة وطنية موحدة، تضمن إدارة وطنية قوية وقادرة للموارد المتاحة، وتعزيز معايير النزاهة والشفافية في التعامل مع إدارة الأزمة؛ يُشكل فرصة حقيقية لقبول مختلف الأطراف المشاركة في هذه المنظومة، أو على الأقل الحد من مخاطر التدخل السلبي ضدها.

المقبولية: تدعم كثير من التوجهات إنشاء منظومة عابرة للقطاعات، تُمثل فيها الجهات الحكومية؛ ليتسنى إِشراك أكبر قدر من المتخصصين والكفاءات، وهي جزء من الإستراتيجية الحكومية التي تعتمد عليها في إدارة العلاقة مع المجتمع المدني والمؤسسات الشريكة.

إن حاجة الحكومة لتعزيز العلاقة مع القطاعات المختلفة، وتعزيز دورها في المناطق التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال، وحاجتها إلى فعالية دورها في القطاع، وقطع الطريق على أي مسار سياسي يستثمر الأزمات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية؛ يعد مدخلًا لتعزيز منظومة تتجاوز حالة الانقسام السياسي في إدارة الكوارث.

المعقولية: تنطلق معقولية البديل من حاجة الحكومة إلى مساهمة فاعلة للقطاع المدني في إدارة الأزمات، خاصة أنها لجأت إلى هذه القطاعات في جانب التمويل الطوعي، وكذلك من حالة الانقسام التي طغت في إدارة الأزمة الحالية بين المحافظات الشمالية والجنوبية وانعكاسها على مسار الخدمات المقدمة.

إمكانية التطبيق: بالنظر إلى تجارب سابقة كتجربة إدارة الفريق الوطني للإعمار، وأداء الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في المحافظات الجنوبية والشمالية، والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان، كمؤسسات غير رسمية، يتضح أنها نجحت في العمل متجاوزة تعقيدات البيئة السياسية الداخلية. ويمكن القول إذا ما توفرت إرادة سياسية لمحاكاة هذه التجارب في إدارة المنظومة الشاملة لمجابهة المخاطر والكوارث، فقد يجد البديل طريقه إلى التطبيق.

الربح والخسارة: إن وجود المركز الوطني الشامل، يمكن أن يصبّ في تحقيق جملة من الأهداف المركزية، ومنها:

ضمان فاعلية الأطراف المشاركة، وخاصة المنظمات الدولية والإقليمية الشريكة في توفير الجوانب اللوجستية.

يساهم وجود المركز في إيجاد قنوات تمويل غير رسمية ومن المنظمات الدولية ذات العلاقة، ما يجعله رافعة وليس عبئًا ماليًا على الحكومة، كما يساهم في صياغة رؤية وطنية غير متأثرة بأبعاد سياسية أو حزبية، ويعطي مناعة وطنية لأي إجراء في أي محافظة.

يساعد المركز على تعزيز دور الحكومة في إدارة الكوارث، عبر إشراك أكبر قدر من القطاعات المختلفة، ويعزز الثقة لدى الجمهور المحلي والإقليمي والدولي، والمنظمات الشريكة، في التعامل مع إدارة الأزمات، بصفتها تضم متخصصين ذات علاقة فنية مباشرة بأدائهم.

يضعف المركز من قدرة أي تحرك سياسي خارج إطار الأهداف المرجوة في معالجة الأزمات الإنسانية، كما يساعد في تذويب كافة الأجسام البديلة، أو يوضح نطاق صلاحياتها ضمن منظومة عمل متكاملة تعتمد في تدخلاتها على خطط طوارئ وطنية شاملة.

المفاضلة بين البدائل

تقترح الورقة تنفيذ البدائل الثلاثة بشكل متزامن، وترجح الورقة، البديل الثاني "تفعيل المركز الوطني لإدارة المخاطر والكوارث تنظيميًا وقانونيًا"، لضمان الاستمرارية والديمومة لمجابهة أي مخاطر أو كوارث تتعرض لها دولة فلسطين، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تمثيل كافة القطاعات في مختلف مناطق السلطة الفلسطينية، والاعتماد في إدارة مخاطر الكوارث على المتخصصين.

يشكل هذا البديل ضمانة مبدئية لتفعيل منظومة إدارة المخاطر، وذات مقبولية ومعقولية وتكاليف أقل من الخيارات، لا سيما إذا ما تمكّن من الإدارة الشاملة للنظام بكامل مراحله.