فلسطين: المفاوظات، بين غل الأسر وثقل الإستيطان..!؟
تاريخ النشر : 2013-11-03 15:27

 تظل القضية الفلسطينية في مقدمة القضايا العقدية في الشرق الأوسط، إذا ما أراد المرء أن لا يقول في العالم؛ ومن هنا فإن نجاح المجتمع الدولي في بلورة الحل الناجع والصحيح، لهذه القضية والتوصل الى الوسائل والآليات الصحيحة لوضعه في التنفيذ، فإنه سيكون بمثابة المفتاح الرئيس، لحل الكثير من المسائل العقدية الأخرى في المنطقة ؛ كما وليس من باب التفاؤل القول؛ بأن القضية الفلسطينية لا زالت تحتل مكانها المتميز، على قائمة الصراعات التي تجابه المجتمع الدولي، والتي تتطلب موقفاً إستثنائياً من قبل المجتمع المذكور، للعب دوره في الوصول الى الحل العادل والمطلوب؛ فهي ليست "قضية ثانوية هامشية على سلم اولويات العالم " كما يراها البعض؛ ولكن ومما لا ريب فيه، يظل للشعب الفلسطيني ممثلاً بسلطته الوطنية، الدور الأول والرئيس، في تحديد المسار الإستراتيجي من أجل ولوج الطريق الصحيح لهذا الوصول..!

ومع كل تعقيد وضبابية أوضاع الشرق الأوسط، وبالخصوص ضبابية المشهد السياسي في عدد من دول المنطقة، ومنها سوريا والعراق وتونس ومناطق أخرى، فإن إشكالية القضية الفلسطينية، وحدها تمثل العقدة المستعصية على الحل، رغم كل القرارات الدولية والجهود الكثيرة التي يجري بذلها بهذا الإتجاه؛ وما تعثر تنفيذ القرار الأممي ل (حل الدولتين)، إلا مثال صارخ على حقيقة فشل المجتمع الدولي في وضع القرار الدولي المذكور حيز التطبيق..!؟

(1) فآلية (المفاوظات) التي تقف منها السلطة الوطنية الفلسطينية موقفاً إيجابياً، لإدراكها الواعي بمدى إهميتها في التأثير على الرأي العام الدولي ودفعه بإتجاه الوقوف مع حق الشعب الفلسطيني من جهة، ووضعها الطرف الإسرائيلي أمام مسؤوليته في تنفيذ القرارات الأممية، وكشف مناوراته في التهرب من ذلك الإلتزام من جهة أخرى؛ فإن تلك الألية لم تك يوماً مجرد وسيلة تسعى لها السلطة الفلسطينية لمجرد أن تشارك الطرف الإسرائيلي الجلوس الى المائدة حسب، بقدر ما هي تعبير واقعي عن إلتزام مبدأي بموقف دولي مشبع بالحكمة والعقلانية، يصب في مصلحة القضية الفلسطينية، وكأحد آليات النضال السلمي، التي دأبت تلك السلطة على التمسك بها، دون التفريط بالآليات الأخرى للنضال الوطني، وبالتالي فليس هناك من ظن، كما يشيع البعض، من أن السلطة الوطنية الفلسطينية في موقف الضعف كي تندفع كسلطة أو بشخص رئيسها، الى مبادلة قبولها الدعوة للمفاوظات، بمجرد الوعد بإطلاق إسرائيل لعدد من الأسرى الفلسطينيين الأبطال من السجون الإسرائيلة، ك " ثمن" مقابل تلك الموافقة على دخول ما أسماه نفس البعض الى " قفص المفاوظات"، بالرغم ما للحدث من أهمية سياسية وإنسانية بالنسبة للشعب الفلسطيني؛ ومن هنا جاءت كلمات الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس خلال إستقباله للأسرى المفرج عنهم، أكثر مصداقية في التعبير عن مسؤولية السلطة الوطنية الفلسطية في مواصلة النضال من أجل إطلاق كل الأسرى، وهي مسؤولية نضالية وطنية، ومن ثوابت السلطة الفلسطينية، وقد عبر الرئيس الفلسطيني عن هذا الإلتزام النضالي الوطني بالقول: [[' نحن تعهدنا أننا سنستمر في جهودنا لإطلاق كل الأسرى مهما كانت مدتهم أو أطيافهم أو أماكنهم، شرط أن يعودوا إلى بيوتهم وليس إلى مكان آخر'.]]

(2)وبالتالي فلم يؤشر يوماً الى اي موقف سلبي للسلطة الفلسطينية من تلك المفاوظات، ولم يسجل أنها كانت يوماً سبباً في تعطيلها أو إفشالها، في وقت دأبت فيه كل الحكومات الإسرائيلية السابقة والحالية على وضع العراقيل والعثرات في مسيرة أي مفاوظات دخلت طرفاً فيها، لأنها مدركة سلفاً بأن مآل تلك المفاوظات لا بد وأن يكون يوما، تسليمها بكافة الحقوق الفلسطينية المسلوبة من قبلها، خاصة وإنها حتى اليوم لم تسلم بضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، فتراها دائبة بوضع العصي في عجلة عربة المفاوظات لعرقلة مسيرتها، بل وحتى تتفنن في إبتكار الحجج والذرائع، لغرض التملص من إستحقاقات آلية التفاوض في الوصول الى نهاية ناجحة لها؛ فشروطها على الفلسطينيين لم تنته في كل دورة من دورات تلك المفاوظات، بدءً بمطالبة الفلسطينيين بالإعتراف ب "يهودية" دولة إسرائيل، وإنتهاء بإيغالها المستمر في النشاط الإستيطاني المدان دوليا..!؟

خلاصة القول؛ فأن ما يجري على صعيد التصريحات والإعلام العربي من عملية لخلط أوراق القضية الفلسطينية، وإختزالها في مفردات محددة وجعل الواحدة منها سبباً لوجود الأخرى رغم التباين الكبير بين المدلولات والمضامين، في محاولة إيحائية القصد منها، إظهار موقف السلطة الفلسطينية إتجاه ثوابتها من (حل الدولتين) وكأنما قد إنتابه الضعف، وبأنها سارت مدفوعة الى طاولة المفاوظات، تحت تأثير ضغوط عروض "المغريات" التي منها إطلاق سراح عدد من الأسرى، مقابل غض الطرف عن التمدد الإسرائيلي الإستيطاني في القدس الشرقية والضفة، لدرجة بات معها توجيه الإتهامات الى السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة الحرجة، التي يعاني فيها الشعب الفلسطيني، من ويلات كارثة الإتقسام الداخلي، أمراً محسوباً ومقصوداً لتحويل ذلك الإيحاء في عقول الناس، وكأنه حقيقة لا مراء فيها، حينما يجري توصيف (مواقفها )من قبل نفس ذلك البعض، في مجال التنسيق حول ملف المفاوظات بأنها : " اسوأ انواع التواطؤ مع الاحتلال وسياساته التوسعية." !؟؟

 في عين الوقت، لا يخفى على القاريء اللبيب ما لمفردات مثل المفاوظات والأسرى والإستيطان، من تباين كبير في المدلول والمعنى، وأن لكل منها أحكامها الخاصة، فإن أي محاولة للخلط فيما بينها بشكل تضليلي، وفي هذا الظرف الحرج، وإغفال ثوابت السلطة التنفيذية الفلسطينية في هذا الشأن، وهي وكما هو معروف للجميع، لها ثوابتها في كل أمر من هذه الأمور، إنما يصب في خدمة المصالح الإسرائيلية، الهادفة الى تقويض وإفشال تلك المفاوطات، رغم التظاهر بالتمسك بشكلياتها..!؟

(3) فإن كانت (المفاوظات) بالنسبة للطرف الفلسطيني، آلية نضالية لعرض المطالب الفلسطينية المشروعة، فموضوعة (الأسرى) حالة من الإلتزام الوطني، ومن الجهد الدائم والمثابرة المستديمة، لفك أسر المئات من المناضلين الفلسطينيين من قيد الأسر الإسرائيلي الغاشم، أما (الإستيطان)، فلا يعدو عن كونه أحد أشكال الإحتلال الإسرائيلي الجائر للأراضي الفلسطينية، ونشاط مدان من قبل المجتمع الدولي، "يتعارض مع القانون الدولي ويشكل عقبة في طريق السلام."

وعليه فليس أمام المرء والحال، إلا أن يضم صوته الى صوت المجلس الوطني الفلسطيني في ندائه الصادر في ذكرى وعد بلفور المشؤوم، والداعي [[ إلى تحقيق الوحدة الوطنية بأسرع وقت ممكن، ورص الصفوف وحشد الطاقات لتجاوز هذه المرحلة الحرجة والمصيرية التي تمر بها القضية الفلسطينية، داعياً للحذر والاستعداد والصمود لمواجهة التحديات الراهنة والقادمة في ظل الصلف والعجرفة الإسرائيلية التي تتحدى العالم بسياساتها.]]