حسّان دياب ليسَ سعد الحريري
تاريخ النشر : 2020-04-27 18:14

لا خلاف حول أنّ الوزراء الحاليين هم أيتامٌ بالمعنى السياسي. معظمهم متروك إلى قدره. آخرون نعموا بغطاءٍ سياسيٍّ إنما أتى على ظهر مستشارين "مزروعين" في الادارة أو ببركة أحزابٍ جعلت استقدامهم مشروطًا بـ"تكنوسياسيين".

تركيبةٌ من هذا الطراز يجدها كثيرون "غير متآلفةٍ سياسيًّا، أو سهلة السقوطِ في لحظةٍ معينة، لحظة اتخاذ قرارٍ إقليميٍّ بتصعيدٍ ما، او لحظة مقاطعة أي جوٍّ إقليميٍّ مع آخر داخلي أو تمظهر حالة سياسيّة داخليّة تأتي عقب إجراءٍ ما من النوع المزعج للبعضِ قد يتخذه مجلس الوزراء شبيهٌ بحركةِ الايحاءِ بإطاحةِ حاكم مصرف لبنان مثلًا، له أن يزيلَ "طبقة الوسطية" ويعيد التصعيد إلى الطاولة.

أوحَى "تبادل الرسائل" الذي ظهرَ منتصف الأسبوع الماضي على خشبة "الاونيسكو" ولاحقًا تطاير الرسائل تحت اسم رياض سلامة بوجودِ جوٍّ ما قابلٌ لنسفِ أو تغيير الحكومة أو أنه أقرب إلى إخضاعها للحجر الصحي تمهيدًا لإدخالها في جو تصريف الاعمال لاحقًا، أي حين يختمر الجو السياسي المطلوب تحديدًا، رغم أنّ حزب الله بصفته "القائم" على الوضع الحكومي يسعى لاحتواء أي ردات فعل.

لم يعد سرًّا تبلّغ مراجع رسمية مؤخرًا مضمون تقريرٍ أوروبيٍّ تناول المسألة الحكومة من ألفها إلى يائها ومن ضمنه مدى وحجة تغلغل حزب الله في التركيبة، ورغم أنّ التقرير اثبت خلو التركيبة من القدرة نفسها التي تمتع بها الحزب في الحكومة المستقيلة، لم يسقط فرضية غياب تأثيره عنها، ما فُهِمَ على أنّه "تقبلٌ مرحليٌّ للحكومة إمرارًا للوقتِ" وهذا ليس دائمًا بل أنها ستخضع لترتيبٍ فور توافر الظروفِ.

ثمة من يقول أنّ القبولَ بالحكومة الحالية مرده للضرورة والحاجة والاقتناع أن ليس في امكان اللبنانيين في ظلِّ الظروفِ الحالية انتاج حكومةٍ أخرى، وأنّ أيّ تضعضعٍ في المسار الحكومي أو نسفه قد يترتب عنه عواقب قد تكون أشدّ خطورة من وجود الحكومة ذاتها، ولدى تلك الدول الحرص على الوضع اللبناني لا يؤهّلها للقبول بمبدأ نسفِ الحكومة الآن.

لقد تعاطت جميع الجهات تقريبًا، سواء المحلية تلك التي تقف على يسار الحكومة او تلك الدولية، بأنّ الحكومة الحالية ما هي إلّا حكومة مؤقتة مهمّتها إدارة فترةٍ انتقالية ضمن توقيتٍ مُحدَّدٍ ومعيَّنٍ على أن ترحلَ فور انتفاء الضروراتِ، وكان الظنّ يذهب صوب شهر أيار كأقصى حدٍّ وهو الموعدُ الذي رُبِطَ بسقوطِ الحكومة، وهنا يذهب البعض صوب اعتقاد أنّ "فورة الغضب" الحالية على الحكومة هي انعكاسٌ لتلك الفترة.

شيءٌ من هذا القبيل يتيح الجزم لدى مصادر مطلعة على موقفِ رئيس الحكومة، أنّ ما يتردَّد في الكواليسِ عن احتمال إجراءِ تعديلٍ وزاريٍّ ما هدفه سوى زرع "صواعقٍ" الغاية منها تفجير الحكومة أو إتاحة تفجيرها عبر جرّها نحو الخوض في مسائل عميقة بخلافِ الاسباب أو الرغبة التي أتت بها، وهو "فخٌ" يؤمِّن ظروف استبدالها أكثر.

يبدو أن رئاسة الحكومة أو المقربين منها تعي بالضبط ما يجري التمهيد أو الاعداد له، وهي تأخذ في الحسبان أنّ الأدوار موزَّعَة بين "تركيبةٍ هجومية" فيما لا تجد قرائن حول دخول سعد الحريري فيها حاليًا لو أنّه غير مستثنى من أصحاب المصلحة في اسقاطِ الحكومة ربطًا برهانٍ قديمٍ يُعشعِش في بالهِ واعتقاده أنّه ضرورة لا مفرّ منها في الرئاسةِ الثالثة، وما مسألة عودته إليها سوى وقتٍ قبل أن تتبلورَ ظروفها بمعيّةِ "الثنائي الشيعي"!

رأيٌ آخر للعليمين برئاسةِ الحكومة لا يشاطر أصحاب النيّة في إسقاطِ الحكومة تمهيدًا لاخراج دياب من اللعبة، ومن وجهةِ نظرهم لا يعني إسقاط الحكومة أي ممر لخروج دياب كنتيجةٍ للتوازنات التي تمخضت عنها عملية التشكيل وضرورتها.

التقدير الحالي بالنسبة إليهم، أنه وفيما لو جرى اسقاط الحكومة ستذهب نحو تصريف الاعمال بمعناه العريض وليس الضيّق، بحكم أنّ تركيبة دياب مختلفة عن الحريري الذي رفض فتح السراي لجلساتِ الضرورة القصوى حين كان رئيسًا للحكومة المستقيلة. وبحيث أن لا مجال لتأليف حكومةٍ جديدة على فرض أنّ الاسقاط سيأتي من خارج إرادة حزب الله الذي سيتيح للحكومة تأمين الغطاءِ لتصريفِ أعمال إداري طويل الأمد قد ينتهي مع إنتهاءِ العهدِ وربما يتمدَّد على فرضِ أن ظروف الانتخابات الرئاسية خريف العام 2021 غير واضحةٍ بعد.

إذًا حسان دياب ليس سعد الحريري عبارة سمعها مؤخرًا أكثر من طرفٍ دخلَ على خطِّ تبادل الرسائل مع رئاسةِ مجلس الوزراء.

بهذا المعنى، لا مصلحة لأحدٍ الآن بإسقاطِ دياب بدافعِ الحرصِ على بقاءِ نظريةِ "التكنوقراط"، فيما لو سقطت الحكومة الحالية سيكون سقوطها عنوانًا لسقوطِ حكومات "التكنوقراط" إلى غير رجعةٍ.

عليه، سيبقى الدافع في إبقاءِ دياب رئيسًا إلى ما شاءَت انتخابات رئاسية أن تقع، وإذا كانت النية تكمن في إخراج الرجل، فعلى الاكيد أن الطريق لا يمر من إسقاط الحكومة نظرًا للظروفِ الحالية بصرفِ النظر عن مدى تغيّرها في الفترة المقبلة.

عن "ليبانون ديبايت"