جائحة كورونا ومستقبل العالم؟!
تاريخ النشر : 2020-04-05 12:13

تحت وقع تفشي جائحة كورونا انشغل العديد، خاصة في العالم العربي الذي يعنينا، بمستقبل ومآل النظام العالمي وتخيل الكثيرون، بطريقة فيها كثير من الاستعجال على ما أعتقد، شكل هذا النظام بعد انتهاء الجائحة. ان كثيرا من هذه الآراء هي رؤيا أقرب إلى الامنيات، لا تستند على حقائق وأرقام بل تستند على أمنيات وتصريحات فردية غاضبة لقادة أوروبيين، خاصة من الدول الأوروبية التي تعرضت بقسوة لهذه الجائحة، تعبر عن غضبهم من القصور الذي كان سببه الاساسي حجم وفجاءة الكارثة....

كل يريد أن يرى العالم بعينيه ووفقا لامانيه واحلامه؟. هذا يراه عالم بلا أمريكيا تقوده ولا ترامب يتربع في البيت الأبيض ...... واخر يراه عالم ما بعد انهيار الرأسمالية دون أن يحدد شكل النظام الذي سيسود، هل هو نظام العدالة والمساواة والحرية. هل يمكن أن تسود القيم الايجابية دون نضال مرير وشاق وطويل من الشعوب والفئات الواعية والمثقفة، هل ممكن تسود هذه القيم في ظل الفقر والجوع والمرض؟!

عالم سيكون أكبر الخاسرين فيه اسرائيل والحركة الصه/ يونية، بينما زنانات اسرائيل وهدير طائراتها لم ينفك يدوي من فوق راسي.

البعض ينظر صوب الصين ويرى أنها مؤهلة أن تكون قائدة العالم الجديد لأنها بعيدة عن استعمار الشعوب ونهب خيراتها.

نعم يواجه العالم أزمة لم يعهدها من قبل، سقط فيها عشرات آلاف المرضى والمصابين وتم تسجيل آلاف الوفيات، وستتواصل هذه الجائحة شهور طويلة. لكن مقارنة بين سرعة تفشي جائحة الانفلونزا الاسبانية والتي أصيب فيها حوالي ثلث سكان العالم، وتوفي ما يقدر بـ 10% إلى 20% من المصابين، وتشير التقديرات الحالية إلى أن ما بين خمسين مليونا ومئة مليون شخص قد فقدوا حياتهم في جميع أنحاء العالم بسبب الإنفلونزا الإسبانية، وهذا يعني حوالي 3 إلى 6% من سكان العالم آنذاك. هذا إضافة الى حالة الفقر والمجاعة والتشرد التي تفشت في مختلف أنحاء العالم واستمرت قرابة سنتين، وما نشاهده في هذه الجائحة، جائحة كورونا، رغم قسوتها وأنها لا تزال في اول الطريق. رغم كل ذلك نرى أن العالم يسير في خطى حثيثة في الطريق نحو الانتصار الجماعي على هذه الجائحة.

أن الأوبئة اول ما تحصد الفقراء وأبناء الشعوب الضعيفة. يرى عالم الأوبئة الألماني "رودولف فيرشو " في دراسته سنة 1948 أن الأوبئة غالبا ما تصيب الفقراء بالدرجة الأولى، الفقر هو أحد المحددات الرئيسية للأشخاص المعرضين للأوبئة. 96% من ضحايا وباء الأنفلونزا الإسبانية كان من بين الفقراء والفئات ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. فيروس الإيبولا ضرب المناطق الفقيرة جدا والتي تفتقر إلى البنية الأساسية للرعاية الصحية اللازمة لمكافحة انتشار هذا المرض. تشير تقارير الأمم المتحدة ذات الصلة أن مراقبة الأمراض هي الأضعف في البلدان الفقيرة لأن هذه البلدان تعاني من نقص في المختبرات ومن البنية التحية الصحية ومن إحصائيي الأوبئة ومن ضعف الاستثمار في البحث العلمي.

ان ملايين الناس في الدول العربية معرضون لخطر الفقر.، حيث قدرت اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا) بأن أكثر من ثمانية ملايين شخص قد ينزلقون إلى براثن الفقر مما سيرفع عدد الفقراء إلى حوالي 101 مليون. ويمكن أن يعاني ما يقرب من مليوني شخص إضافي من سوء التغذية وبذلك سوف يرتفع العدد الإجمالي إلى 52 مليون. والعواقب ستكون وخيمة خاصة على النساء والشباب والعاملين في القطاع غير الرسمي الذين لا يتمتعون بأي حماية. كما وضحت اللجنة الاقتصادية، أن هذه الدول تعتمد بشكل كبير على واردات الغذاء، ولذا فقد تعاني من نقص الغذاء بسبب الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية.

على جانب اخر، نرى مصانع السيارات الفارهة في الدول الصناعية استنفرت وبدأت تصنع أجهزة التنفس الصناعي، الجهاز الرئيس اللازم لإنقاذ المصابين، شركة واحدة ستنتج الف جهاز كل يوم. مصمم ازياء إيطالي سيزود الاطباء ببدلات واقية للاستخدام اليومي؟! خطوط انتاج هائلة لصناعة الكمامات، طائرات الهليكوبتر الايطالية تنقل المرضى من المستشفيات المكتظة في شمال ايطاليا إلى مستشفيات أقل اكتظاظا بالمصابين. مستشفيات ألمانيا تفتح أبوابها للمصابين من ايطاليا وفرنسا. المافيا الايطالية تجمع مليارات الدولارات كتبرعات، ومافيا أخرى تفرض وتراقب الحجر المنزلي للمواطنين. خطط الطوارئ لمنع نقص الغذاء والدواء وتسييل مليارات الدولارات في الأسواق ودعم الشركات والعمال، وجبات الطعام تصل الناس داخل البيوت وتنتشر على طول الشوارع الرئيسية، أشكال متعددة من التكاتف والتضامن والنشاط والعمل.

العلماء والأطباء، كل يعمل في مختبره ومشفاه على محاربة هذا الفيروس الغامض بالتعرف عليه أكثر أو في إيجاد الأدوية واللقاحات اللازمة لمقاومته.

العالم يسير قدما والى الامام في مواجهة هذه الجائحة ولن يكون مفاجأ ان ينجح في المستقبل القريب في خلق كونسورتيوم دولي يتوافق على مواجهة جماعية لهذه الجائحة ولآثارها الاجتماعية والاقتصادية.

أن ما دفع ايطاليا، في لحظة محددة، لاعتماد سياسة طب الحروب في التعامل مع المرضى وإعطاء الأولوية في العلاج للحالات الأكثر استفادة لم تكن هي سياسة التخلي عن كبار السن والأجداد، فهؤلاء هم العلماء والأطباء وأصحاب الخبرات الكبيرة والفاعلة، انهم السياسيين الذين يقودون والعلماء الذين يخططون ويبحثون عن وسائل وطرق لاطالة عمر البشرية والحياة. ان الذي دفع ايطاليا للتفكير في ذلك وتطبيق هذه السياسة مؤقتا هي لحظات ضغط الأزمة التي فاقت التخيل والامكانيات.

ان ما جرى مؤقتا لم ينبع عن قصد مسبق معد له مع سبق الإصرار، أو وفق خطة قديمة أعدتها أوروبا لكي تتخلص من عواجيزها لتصير اكثر فتوة وشبابا، كما تتخيل بعض العقول المريضة. انها لحظات صعبة لم تستعد لها جيدا، تدهورت فيها الخدمات الصحية بسبب تدفق عشرات آلاف المصابين على المستشفيات في وقت قصير، مما أدى إلى إصابة الالاف من الأطباء والتمريض، ضحية لهذه المعركة المفاحئة.

باختصار العالم يعمل بجد من أجل أن ينتصر على هذه الجائحة وليتعافى من جروحه والامه، بل قد تكون هذه الجائحة دافعا له لمزيد من التقدم والتعديل في قيمه وسلوكه ومفاهيمه، وسنبقى نحن هنا في الشرق نلعق جرحنا الميت، دون مقدرة على بث الحياة فيه من جديد.

ان من مصلحة الدول النامية وشعوبها، بدلا من أن تشغل نفسها بمستقبل النظام العالمي التي لا تملك أدوات تغييره وليس لها كلمة الفصل في هذا التغيير، دعوة دول العالم المتقدم الإسراع في تشكيل تجمع عالمي من الدول الصناعية تعمل على مقاومة هذه الجائحة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية على قاعدة الوحدة والتضامن.

إن العالم لن يتغير كما نريد ولن ينتهي الاحتلال والفقر والنهب اذا واصلنا البحث عن هوية دينية أو قومية أو مؤامرتية لهذا الفيروس، هل هو فيروس طبيعي أم مصنع في معامل المخابرات، رباني أم شيطاني، مؤمن أم كافر، جند من جنود الله أم جند من جنود الشيطان؟! أفيقوا يرحمنا ويرحمكم الله؟!