مبادرة الحوثي كشفت عمق التضامن مع فلسطين
تاريخ النشر : 2020-04-03 08:04

عملت المملكة العربية السعودية على بناء تحالف كبير ضد اليمن، شاركت به كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وغالبية الدول العربية، وبدأت الحرب في سنة 2015، تحت مسميات عديدة كان أولها عاصفة الحسم، ومن ثم إعادة الأمل، وقام التحالف بتدمير اليمن وقتل اليمنيين بلا رحمة. ومنذ بداية الحرب أيد الفلسطينيون قرار السعودية بحربها على اليمن والحوثيين، فقد أعلنت السلطة الفلسطينية موقفها الداعم للسعودية وتقاطع تقريبًا موقف حركة حماس مع موقف السلطة الفلسطينية، وهذا يسجل على السلطة وحركة حماس، فاليمن من الدول العربية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وتخرج الجماهير اليمنية نصرة لفلسطين أكثر من أهل فلسطين، وهذا غير مخفي فقد شاهدنا العشرات من المسيرات اليمنية الحاشدة تضامنًا مع فلسطين؛ فكان الأجدر بالفلسطينيين بالشقين الرسمي وغير الرسمي أن يقفوا مع من يناصرهم وليس مع من يتآمر عليهم.
فقد أعلنت حماس موقفها من العدوان السعودي على اليمن بعد تردد طويل، حيث اعلنت وقوفها مع الشرعية السياسية ومع خيار الشعب اليمني، موقف متماهي وكأن حماس تريد أن تمسك عصا المواقف السياسية من المنتصف، لكن هذا الموقف ينم عن خلاف حاد مابين القيادة السياسية التابعة للإخوان المسلمين بقيادة خالد مشعل الذي سعى لتوطيد العلاقة مع السعودية، وكتائب القسام التي تعتمد على الدعم الإيراني بالسلاح والمال والخبرة والتدريب، وهو ما رفضت كل الدول العربية تقديمه ولو حتى رصاصة واحدة باستثناء سوريا، ومن هنا جاء موقف اللاموقف لحماس أو كما تقول حماس موقف الحياد.
لكن في السياسية والتحالف لاحياد في القضايا القومية والوطنية وقتل واحتلال دولة لدولة، وحماس تعاني من احتلال وحصار إسرائيل فكيف تقف محايدة تجاه احتلال السعودية لليمن وتجاه الاعتداء السعودي على حلف المقاومة الذي لم ولن يتخلى عن حماس في ظل تخلي كل الدول عنها، وملاحقتها وطردها حتى من قطر وتركيا، فلم يجد نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري مكانًا للإقامة غير الضاحية الجنوبية اللبنانية وبحماية حزب الله بعد طرده من قطر وتركيا.
كما هو معروف خرجت حركة حماس من مثلث الممانعة (ايران وسوريا وحزب الله) إلى مثلث (قطر تركيا والسعودية) الذي لم يقدم لها أي شيء يذكر، وإنما عمل ضدها ووقف في وجهها كما شارك في حصارها والتحريض عليها بعد استهلاك مواقفها. ولعل تصريح وزير خارجية السعودية عادل الجبير في 6حزيران/يونيو2017 دليل على التحريض على المقاومة وعلى غزة وسلاحها، حيث طالب الجبير إمارة قطر بوقف دعمها لحركة حماس والإخوان المسلمين بصفتهما "ارهابيتين". فأصبحت خيارات الحركة صعبة، وهذه التصريحات فتحت شهية إسرائيل لاستهداف القطاع، وتعتبر مؤشرًا خطيرًا وضوءًا أخضرًا من السعودية وكل من يتحالف معها لإسرائيل للقيام بضربات وحروب صغيرة وكبيرة على حركة حماس في غزة.
فمالت حماس لتأييد السعودية في حينه خاصة في ظل تشكيل محور سني، في الوقت الذي كانت فيه إيران تأخذ موقفًا ضد حماس بسبب موقفها من الحرب على سوريا وتأييدها المعارضة الإرهابية السورية مما شكل فاجعة سياسية لمحور المقاومة الذي منح حماس كل الثقة والدعم والاحتضان لها في سوريا وإيران وقدم لها كل الوسائل اللازمة لعمل حماس العسكري والسياسي بكل حرية، فحاولت حماس الخروج من مأزقها بتأييد المحور السني على أمل خروجها من الحصار المفروض عليها آنذاك من قبل مصر لقدرة السعودية على تحسين العلاقات الحمساوية المصرية مما سيؤدي إلى فتح معبر رفح، فقد صرح في ذات الوقت القيادي الحمساوي محمود الزهار، بأن "الحركة معنية بعلاقات جيدة ومستقرة مع السعودية".
ولو تم مقارنة الموقف الحمساوي غير الواضح بموقف أنصار الله الذين أعلنوا بكل وضوح تبادل أسرى سعوديين مقابل معتقلي حركة حماس في السعودية، فالموقف الأول انتهازي حاولت حماس من خلاله خلق فرص سياسية، والثاني ينم عن موقف مبدئي وإنساني وقومي داعم للمقاومة؛ فلو كان موقف أنصار الله مصلحي مثل موقف حماس لطرحت التبادل مقابل طلب هدنة، أو حتى استبدالهم بملايين الدولارات والسعودية عندها استعداد لدفع المال مباشرة، إلا أن أنصار الله اتخذت موقفًا يلقن الجميع درسًا بأن فلسطين وبعدها القومي أهم من كل المصالح فكان موقف بمليون موقف.
فقد أعلن الزعيم عبد الملك الحوثي عن مبادرة قدمها في 26آذار/مارس2020، للإفراج عن سعوديين مقابل إطلاق السلطات السعودية سراح قيادات حماس المعتقلين في المملكة، وإن المبادرة تتضمن إطلاق سراح طيارين طائرة التورنيدوا التي أسقطتها الدفاعات اليمنية مع أربعة ضباط وجنود سعوديين، مقابل الإفراج عن كوادر حماس الذين يحاكمون في السعودية والبالغ عددهم 68 معتقلًا فلسطينيًا بتهم تمويل الإرهاب، من بينهم مرضى وكبار في السن.
الدرس الأول للسعودية، فقد عقرت السعودية بالفلسطينيين الذين وقفوا معها ضد الحوثيين، وأقدمت السعودية على عمل مدان كما تفعل إسرائيل وتحاكم قادة ورجال المقاومة، فقد حاكمت قادة حماس المعتقلين نيابة عن إسرائيل، وهذه مبادرة مهمة جدًا تمثل قمة الإحراج للسعودية كونها تعتقل مقاومين من أجل حرية فلسطين.
لقد فشلت السعودية بحربها على اليمن وكذلك خسرت في إبعاد حركة حماس وبالتحديد جناحها العسكري عن التحالف مع إيران، فهذه المبادرة أغرقت السعودية بمستنقع وأزمات كبيرة، فإذا رفضت المبادرة ستحصل أزمة داخلية وإحباط للجيش السعودي بان الدولة لاتريد إعادة ضباطها إلى أهاليهم، وإذا قبلت المبادرة سرعت بعودة حماس إلى محور المقاومة، وأعطت الحوثيين زخمًا إعلاميا وتأيدًا شعبيًا منقطع النظير، فالخاسر الوحيد من هذه المبادرة هم السعوديين حتى لو حرروا أسراهم عن طريق التبادل والرابح الوحيد البعد القومي والانساني للقضية الفلسطينية ومقاومتها.
أما الدرس الثاني، فهو لحركة حماس على الرغم من موقف حركة حماس من العدوان السعودي على اليمن اتخذ الحوثيون المواقف السليمة والوطنية والمشرفة، ولم يردوا على نزوة حماس بنزوة وإنما عرضوا على السعودية إطلاق سراح أسرى سعوديين مقابل إفراج السعودية عن معتقلي حماس في السعودية.
فعلى مايبدو أن حركة حماس التي لم تحصل من تحالف الإخوان العالمي على أي دعم حقيقي كما حصلت من محور المقاومة وبالتحديد الدعم الإيراني غير المحدود للمقاومة الفلسطينية وبالأخص في الجانب العسكري، الذي مكن حركة حماس والجهاد الإسلامي من قصف أي موقع ومكان في دولة الاحتلال، وهذا يدلل على أن السعودية فشلت في تطويع حركة حماس وإجبارها عن التنازل عن سلاحها مقابل التقارب الحمساوي السعودي الحقيقي، فعملت المبادرة الحوثية على تدعيم موقف حركة حماس الجديد الداعي للعودة بكل قوة لمحور المقاومة الذي لم ولن يتخلى عن حركة حماس، وهذا يتضح بشكل جلي من مبادرة أنصار الله التي جاءت بمباركة إيرانية من أجل تنبيه حركة حماس بأن محور المقاومة هو الحامي والوفي للمقاومة الفلسطينية. أما السعودية التي اعتقلت الفلسطينيين منذ ما يقارب السنة وحاكمتهم رفضت كل المبادرات والدعوات والمناشدات الحمساوية للإفراج عنهم ورفضت حتى كل الوساطات لتأتي هذه المبادرة فجأة لتعيد ملف المعتقلين على الطاولة ولتحرج السعودية وتضعها في الزاوية وتكشف دورها المتآمر على المقاومة مع إسرائيل.
وهنا تبرز المواقف والمفارقات بين موقف السعودية الذي يجب أن يكرم حماس وليس أن يعتقل قيادتها وأعضاءها في السعودية، ولكن الحوثيين الذين يحبون فلسطين ويدعمون مقاومة فلسطين وقفوا مع من مسك العصا من المنتصف، هذا درس قاسي لحركة حماس، وعلى مايبدو أن الحوثيين يقدمون دليلًا على عمق ارتباط أنصار الله بالقضية الفلسطينية، وأن المبادرة تعد رسالة لحماس بأن حلف المقاومة هو الحضن الدافئ لحماس ويجب التحالف بين المقاومين في مواجهة العدوان السعودي الإسرائيلي الأمريكي على اليمن وفلسطين وسوريا.
فقد أعلنت حركة حماس موقفها السريع من المبادرة أكدت من خلاله بأنها تابعت باهتمام المبادرة المقدرة التي أطلقها عبد الملك الحوثي، وجاء في بيانها الرسمي" إننا إزاء هذه المبادرة الذاتية نقدر عاليًا روح التآخي والتعاطف مع الشعب الفلسطيني، ودعم صموده ومقاومته، ونعبر عن شكرنا على هذا الاهتمام والمبادرة".
ففي تعليق على المبادرة لمنذر مشاقي الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية بين فيه "أن عرض الحوثي عرض مهم يجب أن ينظر إليه بالاهتمام والتقدير الذي يستحق، فالحوثي يريد أن يثبت أن تأثيره يتجاوز اليمن الى الاقليم وأنه جزء من محور المقاومة ويريد أن يحرج النظام السعودي، وهذه الأهداف أهم عنده من موافقة السعودية على عرضه".
لقد لقيت هذه المبادرة الترحيب من قبل الشعب الفلسطيني بكل أطيافه السياسية، وأن المبادرة تأتي تأكيدًا على الموقف اليمني الأصيل، والمتواصل في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله، فقد أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأن مبادرة الحوثي نبيلة وشجاعة، وفي النهاية أختم بقول للدكتور الفلسطيني وائل محيي الدين "الحوثيون بشكل خاص، واليمنيون بشكل عام، أثبتوا أنهم يستحقون كل الحب والاحترام".
*كاتب فلسطيني وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية