الأسرة العربية المكلومة في زمن كورونا
تاريخ النشر : 2020-03-31 23:13

أصبح فيروس كورونا المميت حديث الصباح والمساء في المجتمعات العربية، فهيمن طوعاً أو كرهاً على الحوارات الأسرية داخل بيوت باتت تضج بالنشاط بعد أن أجبرنا الفيروس القاتل على المكوث فيها لساعات طوال، وأصبحت متابعة تطورات خريطة الفيروس الغامض وانتشاره أولوية يومية، ومقرراً كمقررات الثانوية العامة في بلادنا، فبمجرد أن تستيقظ صباحاً يبادرك الهاتف بالوجبة اليومية: عدد الإصابات والوفيات.. وهكذا سرق كورونا الأضواء من كل ما عداه بما في ذلك الرؤساء الذين يتلاعبون بالدساتير لتمديد إقامتهم أو تأبيدها، وبات حليفاً لحكومات في وأد احتجاجات صمدت لشهور في وجه أقسى الظروف، ثم سقطت مؤقتاً بفعل سطوة الفيروس الخبيث، الذي أنجز ما فشلت فيه أجهزة القمع والاستبداد.

في خضم زلزال غير مسبوق، وإجازة رعب إلزامية، تحول الآذان، للأسف الشديد، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأجزاء كثيرة من العالم، من "حي على الصلاة" إلى "صلوا في رحالكم"، ومعه تحول الكثير من الناس إلى منظرين وخبراء في الصحة والطب والاقتصاد، لكن تلك الأزمة الراهنة التي يبدو أنها ستطول، تذكرنا بتخلف مدارسنا وجامعاتنا العربية وضآلة ما ينفقه العرب على البحث العلمي والمختبرات وتطوير الصناعات الدوائية.

من المستحسن هنا، أن نحاول فهم سلوك المجتمعات العربية  إزاء قضية الصحة والمرض في عصر كورونا، باستخدام نظرية القواعد المتضاربة، إذ يخلط العربي عادة بين الحقائق الصحية والأساطير، ولا يكترث بالتدابير الصحية لمقاومة الأوبئة، إضافة إلى القصور في فهم بعض النصوص الدينية، حيث يجري الخلط بين التوكل والتواكل عبر التلويح بالمثل الشعبي "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"، كدليل دامغ على الإيمان بالقضاء والقدر، إلا أن هذا ينافي المنطق الصحيح، لأن المرض قدر من أقدار الله، وهو يدفع بالعلاج، ويناقض ما هو ثابت من أنه "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً"، وفي بعض الأحيان يسخر الأفراد من السلوكيات الخاطئة التي تحذر منها المؤسسات الطبية، بل إن البعض يتباهى باختراقها كنوع من التحدي، وفقاً للفلكلور الشعبي المتوارث "الإنسان طبيب نفسه"، وبالتالي فإنه لا داعي للانصياع للقيود الطبية المرهقة.

يمكننا القول، بأنه كلما ارتفع معدل الأمية أو تدهور مستوى التعليم، فإنه من المستبعد أن يواكب المجتمع القواعد الصحية السليمة، لأن الأميون أو المسطحون تعليمياً وثقافياً لا يدركون في الغالب القيمة النفعية للقواعد الصحية، والأدهى من ذلك، أن بعض المسؤولين عن تطبيق هذه القواعد أصبحوا معنيين بشيء واحد، وهو أن يثبتوا لمديريهم أن الأمور تسير على

ما يرام، وأن المواطنون يتبعون التعليمات والقواعد الصحية بصرامة ولا ينتهكونها، وهذا ما يطلق عليه، طبقاً لنظرية القواعد المتضاربة، علاقة التعايش بين قواعد الحس الفطري والهياكل المؤسسية، ولا شك أن هذه العلاقة الضارة بالضمان الصحي الاجتماعي لأقصى حد، تكرس نمطاً من القواعد المشوهة، مما يؤدي بقضية الصحة العامة إلى أن تصبح في العراء تماماً، أي بدون قوانين تحميها، مما يجعلها عرضة للخلل عند تعرضها لصدمة وباء قاتل، أو حتى عوارض صحية محدودة.

في المجمل، يتعين على المجتمعات العربية التي يرزح أغلبها تحت نير الأمية، النهوض بالتوعية الصحية ودعم مؤسسات التثقيف الطبي من أجل تفعيل القواعد الصحية العقلانية، ليتم ترسيخ هذه القواعد في العقل الجمعي، من خلال إعادة التكوين أو التأهيل السريع، بحيث يتم تدمير القواعد الطبية المتوهمة،  واستبدالها بقواعد طبية عقلانية في وقت سريع، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل القانون بصرامة على الجميع لمعاقبة أولئك الذين ينتهكون القواعد الطبية، لأن الإهمال في مقاومة الأوبئة المميتة، والتساهل في انتشارها لن يضر بحياة الأفراد ومخالطيهم فقط، بل سيضر بالمجتمع والعالم ككل.