كورونا تكشف هشاشة النسق الاجتماعي والقيمي
تاريخ النشر : 2020-03-30 23:08

لطالما تلبستنا العنتريات، وجرفنا تيار التباهي بما لدينا أو عند غيرننا من القدرة على تسخير البيئة لخدمة الإنسان وتطويع البيئة والطبيعة، وتحقيق مستوى رفيع من الرفاهية والرخاء لدرجة غير مسبوقة أصلها الثورة التكنولوجية وتطبيقات المعرفة الصناعية.

لطالما فاخرنا حد اليقين بقدرتنا على الاستحواذ وجلب المال، وقنص الفرص، وقضم أحلام المجتهدين، وتقزيم المنافسين وتفخيم ما نقوم به مهما كان تافهاً لأجل غايات شخصية لا نلقي لضحاياها بالاً، فقتلنا عمداً أو عن غير قصد، وقطعنا أرزاق بعضنا عمداً أو عن غير قصد، شوهنا صورة المخلصين فينا كي نستر عيوبنا، وفوق كل هذا حافظنا على ممارسة شعائرنا الدينية، إلى أن كرهتنا السماء، وسلط الله علينا ما لا يرحمنا .

قد تكون الكورونا بكل تفاصيلها عقاباً إلهياً، وقد تكون خطة عالمية، وقد تكون حرباً بيولوجية وقد تكون لعنة جلبها الذين لم يراعوا ديناً ولا ضميراً، ولم يحترموا حرمة، ولكن أياً كان مصدرها، يبقى السؤال: هل ستعيدنا إلى رشدنا؟ هل ستلقننا درساً في التواضع؟ هل ستكشف  زيف وجوهنا، وهشاشة سياقنا النفسي والاجتماعي؟ هل ستبقي على الحسابات الماكرة كأساس لتشكيل العلاقات؟

على الرغم من أن الواقع قبل الكورونا كان يشير إلى أننا نعيش دولاً وأفراداً معتمدين على بعضنا من حيث الاقتصاد المتداخل، والمصالح المترابطة والتكنولوجيا التي جمعتنا في مكان وزمان واحد، إلا أن النزعات العنصرية والفردية كانت غالباً كانت هي الحاضرة، واليوم رغم توحيد كورونا للعالم تحت مظلة الخطر، ورغم انتهاء القيمة الفعلية للمال والسلطة – مرحليا- في ظل العجز العالمي لمحاربة هذه الجائحة، إلا أننا لا زلنا نغرق في جب الأنانية والعنصرية، والحسابات الماكرة.

 إذا كانت التعبيرات التي تصدر عنا كأفراد هي الأصدق حينما نغضب وفقاً لمفاهيم علم النفس، فإنه وقياساً على ذلك فإن القيم التي تعبر عنها الجماعات في الأزمات هي الأخرى الأصدق تعبيراً. فعلى الجانب المشرق – ظاهرياً- تجد الحملات التطوعية والتوعية وتجد بعض أطراف الخير والتسامح والعفو والتحلي بالمسؤولية، ومبادرات الدعم الخجولة وبالمقابل تجد المحتكرين وتجار الفرص والمثبطين والحاقدين واللصوص، والمحتكرين، تجد المؤسسات الحريصة على التعليم والمفكرين والكتاب المخلصين، وبالمقابل تجد المتنطعين وأصحاب النزعات التسويقية دون فائدة المدمنة على جذب مزيداً من المعجبين أو المؤيدين، تجد الذين لم يمنعهم البقاء في المنازل أو الحجر الصحي من العطاء والإنتاج وتجد أسرى الأسرّة، ومدمني مقاطع الفيديو الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تجد الداعين للوحدة الإنسانية، كنسق بشري واحد، وتجد الخارجين عن الوعي المتمسحين بأقوال المريدين.

وعليه، يمكن القول، أن كورونا أفرزت نسقين قيمين، الأول: الإنساني والثاني: المادي، الأول الذي يضع الإنسان في مقام المساواة الدائمة بغض النظر عن التمني بأن يعيش الإنسان عيشة السويدي ويموت ميتة الصحابي، والثاني الذي يرى أن القوي هو وحده الجدير بالحياة، وأن المسؤولية والواجب ما هي تشريف لا تكليف.

إن كنا عاجزين عن إيجاد حلولاً لمواجهة كورونا أقل الأدلة على ذلك اعترافنا فيما اختزله نكتة قرأتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي مفادها: (توقفوا عن الدعاء على الكفار لحين إنتاج مضاد للكورونا) وهو اعتراف ضمني بعجزنا عن محاربة الفيروس إلا باليانسون والثوم والأعشاب الطبية، فالأولى بنا أن نعقم أنفسنا وقلوبنا من الأحقاد والنزعات العنصرية، والتفكير بجدية أن القادم وإن لم يكن فيه موتنا، سينتج معان وجودية جديدة، وأن الدين والمعتقد والفلسفة بمفهومها الموروث سوف يضعف، وقد يتغير بحثاً عن عدالة تصلح ما كسبت أيدينا.

وعلى الرغم من أن وباء كورونا لا يُقارَن بطاعون جستنيان ولا بطاعون الموت الأسود من حيث الفتك بالناس، فإن تأثيره الاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي سيكون هائلاً، لأنه يحمل في عالمية انتشاره السريع مثالاً حياً على روح العصر الذي نعيشه، فنحن نعيش عصر العولمة بأبعادها المختلفة، وكورونا يمتطي صهوة هذه العولمة ليصل إلى كل أرجاء الكوكب، ويهدد جميع سكانه على قدر المساواة، سوف يزول تأثيره الصحي مع الزمن، وتتجاوز البشرية خطرها كما تجاوزت أوبئة وحروباً سابقة، لكن الأثر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي سيبقى سنوات، وربما عقوداً قادمة.