كيف نقنع الرئيس عباس بأن "معاقبة غزة" خطيئة وطنية!
تاريخ النشر : 2020-03-23 08:14

كتب حسن عصفور/ المتابعة اليومية لما يصدر عن الرئاسة الفلسطينية وحكومتها في رام الله، حول الاهتمام بالشعب الفلسطيني يكاد أن يصيبنا بغثيان سياسي، لأن الواقع لا يماثل أي من تلك التصريحات، ما لم نضع تعريف جديد لمفهوم الشعب الفلسطيني، بانه لا يشمل قطاع غزة بالمعنى الخدماتي، وبات أقرب الى شكل العلاقة مع فلسطيني 48، حيث الإشارة لهم من جانب "عاطفة سياسية" وليس حقيقة سياسية.

التوصيف الجديد لتعريف الشعب الفلسطيني وفقا للخدمات والمسؤولية المباشرة، ينطلق مما يمارسه الرئيس محمود عباس والحكومة في رام الله، حيث خرج القطاع عمليا من أي حسابات محددة للتعامل معه، ولا نحتاج كشفا لحساب سابق، ولا دلائل لا نهاية لها منذ سنوات، بأن الحصار والعقاب لغالبية سكان قطاع غزة (عدا فئة مرتبطة بالمصلحة الفئوية) هو الخط الثابت لسلوكهم السياسي.

ما يثير الاستهجان فعلا، بأن "الخطر الكوروني" ليس حدثا بل هو تهديد أربك النظام الساسي العالمي بكل مكوناته، فلا دول عظمى ولا دول صغرى يمكنها ان تكون في منأى عن آثار الغزوة الفايروسية، ولا يعترف بالتصنيف الطبقي او المسميات الوظيفية ولا الألقاب الرسمية، فكل من على وجه الأرض "سواسية" وهدف محتمل.

سلطة رام الله تتفاخر بأنها أقدمت على عدة إجراءات ميزتها عن غيرها، ومنها إعلان حالة الطوارئ، وبعيدا عن جدلية النقاش في صواب وخطأ آلية اتخاذ القرار الذي أصبح فرديا وفئويا مطلقا، فذلك عمليا يقتصر على جزء من الشعب وجزء من مدن في الضفة الغربية دون سواها، حتى في القدس لا زالت الخدمة الطارئة لم تصل فعليا لها، رغم تخلي دولة الكيان العملي عن مسؤوليتها المباشرة بصفتها مدينة تحت الاحتلال.

قطاع غزة، لم يعد خاليا من الغزوة الكورونية وأصبح "ضيفا ساما" عليها، لا حدود لمدى انتشاره او تأثيره، ولكن الخطر لم يعد محتملا بل واقعا، والى الآن يعتبر القطاع في التعريف السياسي جزءا من "السلطة الوطنية الفلسطينية"، ولا يوجد قرار بخلاف ذلك، والى ان يتم تعريف جديد لم يعد مقبولا هذا الاستهتار بإدارة الظهر الرسمي من الرئيس محمود عباس وحكومته لرفع الحصار الكلي عن قطاع غزة، والبدء بتقديم الخدمات وفقا لما للقطاع من حصة مالية (الى أن يعاد كل ما تم "مصادرته" من حق خلال الفترة الماضية لاحقا)، خاصة وأن المساعدات التي تصل الى حكومة رام الله لا تستثني قطاع غزة، بل أن أموال المقاصة التي تتسلمها من حكومة دولة الكيان تشمل أموالا وحقا لقطاع غزة.

التعامل مع قطاع غزة، وكأنه "إقطاعية" لحركة حماس تلك خطيئة سياسية كبرى، تكشف ان الاغتراب بات عميقا عن متابعة الواقع المتحرك، ويشير الى ان "أدوات" تزويدهم بحقيقة "المشهد الغزي" ليست من اهل القطاع، فالواقع غير ذلك تماما، بل ان حماس تمارس إرهابا مركبا لأنها تعلم أنها لا تزال "غريبة" سياسيا عن طبائع الواقع الغزي، وأن حضورها يستند الى قوة أمنية خاصة باتت حاضرة ضد أي حراك غاضب أكثر كثيرا من حضورها لمواجهة العدو الوطني.

كيف لنا ان نعيد الى ذاكرة الرئيس عباس ومن في دائرته، بأن حركة فتح هي "أم الولد الوطني" وليست حركة حماس، وأن أي خطوة لحصاره وتجويعه جريمة وطنية حسابها يفوق غضبا شعبيا، بل سيكون له تعريف ووصف في سجلات التاريخ قاسيا جدا.

هل يمكن أن تعلن القوى السياسية وبعض فتح إضرابا وطنيا بطريقة مبتكرة بمقاطعة كل نشاط حتى رفع الحصار عن قطاع غزة...إضرابا ليس تقليديا، بل اعلان سياسي صريح يهدد بسحب الاعتراف بـ "الشرعية الملتبسة" للرئيس عباس وحكومته، وأن تخاطب الجامعة العربية والأمم المتحدة ان استمرار حصار غزة من قبل الرئيس وحكومته يضعه في دائرة المساءلة الوطنية!

إما رفع الحصار عن قطاع غزة وإما رفع الغطاء عن "شرعية ناقصة"...!

هل يتذكر الرئيس عباس بصفته الفتحاوية ما قاله الشاعر أبو الصادق يوما:
غزة يا غزتنا.. يا مكوفلة بالنار

غزة يا غزتنا.. يا سواعد الأحرار

غزة يا غزتنا ... يا غزتنا

غزة في عز الطوق.. فدائية.. فدائية

وبنادق الثوار.. بتشتي حرية

غزة يا غزتنا ... يا غزتنا

غزة يا زخة نار.. يا عبوة في كل دار

غزة يا بارودة معمرة.. بالشعب.. بالثوار

غزة يا غزتنا ... يا غزتنا

ملاحظة: حسنا أعلنت حماس عن حجر مسؤول أمنها الداخلي...حسنا أن كشفت عن تبرع قطر بـ 150 مليون دولار لمواجهة كورونا...ولكن إدارتها لمواجهة الأزمة ليست "حسنة" لأنها تصر ان تكون "حزبية جدا"!

تنويه خاص: من كان يصدق أن يصرخ عمدة نيويورك محذرا أن هناك عجر كبير في المواد الطبية خلال عشرة أيام...ياااه على هذا الـ"كورونا" كم كشف عورات أنظمة وقيادات...فعلا للمصائب احيانا "فوائد جانبية"...!