صحيفة: الاستقالات تهدد مستقبل حركة النهضة في تونس
تاريخ النشر : 2020-03-07 19:01

تونس: بقيت حركة النهضة ذات المرجعيّة الإسلامية طيلة فترة ما بعد ثورة 2011 في تونس تفاخر بأنّها الحزب الأكثر تماسكاً ولا تشقه الانقسامات مثلما حدث لعدد من الأحزاب التونسية على غرار "نداء تونس"، ولا يندثر أو يفقد بريقه مثلما حصل مع "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات".
إلا أنّ الفترة الماضية شهدت فيها الحركة مخاضاً داخلياً أصبح يهدّد كيان الحزب خصوصاً في الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية السنة الماضية.

رصيد رمزي من الانضباط
هذا الرصيد الرمزي للحركة من الانضباط الحزبي والاحتكام للنظام وللهيئات الداخلية (مثل مجلس الشورى) والشخصيات المرجعيّة (وخصوصاً راشد الغنوشي) سرعان ما تلاشى وتوالت الاستقالات منها وخصوصاً من الصف الأول لقادتها. ما يوحي بصراعات داخلية قد لا تطفو بشكل واضح على السّطح مثلما يحدث في الأحزاب الأخرى، بقدر ما تظهر في شكل استقالات من الغاضبين من طريقة تسيير الحركة وإدارة خلافاتها الداخلية، في ما يتعلق بالشأن العام في البلاد أو بالديمقراطية في هياكلها.


استقالة من الحجم الثقيل
هزّت استقالة القيادي البارز في الحركة، عبد الحميد الجلاصي، وهو من جيل المؤسسين الذي قضّى حوالى أربعين سنة في الحركة الشارع السياسي في تونس ولاقت الرسالة المطولة للاستقالة التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً لافتاً، إذ اعتبرها الصحافي والمحلّل السياسي محمد بوعود نصاً شجاعاً وجريئاً، يستحق القراءة بتمعّن لأنّها تعود إلى المسار التاريخي للحركة الإسلامية في تونس ويلخّص تجربة أربعين سنة في الحركة.
وراوحت ردود الفعل بين من قلّل من أهمية هذه الاستقالات، ومن يعتبرها مؤشراً إلى إمكانية بداية تشظي الحركة وضمورها سياسياً، خصوصاً في المحطات الانتخابية المقبلة.


صراعات داخلية
يؤكد المحلّل السّياسي وليد لوقيني، في حديث مع "إندبندنت عربية"، أنّ الاستقالات أمر متوقع بالنظر إلى الصّراعات داخل الحركة، إلى جانب تراجع الجسم الانتخابي للحركة.
ويرجّح لوقيني أن تظهر إلى العلن استقالات أخرى، مشيراً إلى أن حكم الشخص الواحد (راشد الغنوشي) ولمدة خمسين سنة يجعل مستقبل الحزب على المحك.
وفي خصوص الانقسامات داخل الحزب يتوقع لوقيني أن تبرز فروع جديدة، لكن من الصّعب القول بالانقسام.
ويستبعد الصحافي سرحان الشيخاوي لـ "إندبندنت عربية" أن تتصدّع حركة النهضة أو تشهد انشقاقات، على الأقل في الوقت الراهن، خصوصاً في ظلّ وجود شخصية قوية داخل الحركة مثل الغنوشي.


غياب الديمقراطية
ويعتبر الجلاصي المستقيل من القياديين البارزين في حركة النهضة الذين وجّهوا في وقت سابق انتقادات حادّة وعلنية في وسائل الإعلام إلى طريقة تسيير الحركة من قبل رئيسها الغنوشي، ويجزم أن "لدى النهضة أربع سنوات، وهي في مخاض داخلي حقيقي سيؤثر في مستقبلها".
ويؤكد ضرورة إيجاد حلول داخل الحركة قبل عقد مؤتمرها المقبل، معبّراً عن "تخوفه من أن تلقى النهضة مصير "نداء تونس"، الذي عرف انقسامات حادّة جعلته أحزاباً عدة".

وعبّر الجلاصي في رسالة الاستقالة عن امتعاضه من الحكم الفردي في الحركة وغياب الديمقراطية وتخلي الحركة عن جملة من القيم التي كانت تجمع مناضليها.
فشل حركة النهضة في إدارة خلافاتها الدّاخلية وعدم قدرتها على تحمّل الأصوات الشابّة المعارضة لسياساتها الاستراتيجية في إدارة الشأن العام وخصوصاً السقوط المدوي للحكومة التي اقترحها مرشح الحركة الحبيب الجملي كلها عوامل ساهمت في التعجيل برحيل عدد من قيادات الصفوف الأولى في الحركة التي لم تغير سياساتها في التعاطي مع الشأن الداخلي للحزب أو مع الشأن العام.


تمسك الغنوشي
وضمت قائمة الاستقالات كلاً من القيادي رياض الشعيبي، في 2013، ثم أمينها العام حمادي الجبالي في 2014، وزياد العذاري الأمين العام السابق للحركة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وعضوي مجلس الشورى هشام العريض نجل القيادي في الحركة ورئيس الحكومة السابق علي العريض، وعضو مجلس شورى الحركة زياد بو مخلة في 14 من يناير (كانون الثاني) 2020، وقبلهما استقالة رئيس مكتب رئيس الحركة زبير الشهودي في 2019.
ويعتقد مراقبون أن تتالي الاستقالات في حزب حركة النهضة دليل على وجود تصدّع وانشقاق في صفوفها ويعكس صراعاً على التموقع داخلها بما قد يؤشر إلى أزمة هيكلية في الحزب وسط حديث عن استحالة تنظيم المؤتمر المقبل للحركة والذي يدور بشأنه نقاش معمّق حول تمسّك الغنوشي بقيادة الحزب، بينما يمنعه القانون الداخلي الذي ينصّ على ضرورة تفرّغ رئيس الحركة لشؤون الحزب، وهو ما لا ينسحب على الغنوشي باعتباره رئيساً لمجلس نواب الشعب.

نشر الغسيل
ما يحسب لحركة النهضة، أنها على الرغم من الاستقالات المتتالية، يلتزم قياديوها بعدم نشر الغسيل الدّاخلي للحركة عدا بعض الإشارات الخاطفة لبعضهم إلى وجود شبهات فساد في الحزب، إذ اتهم القيادي محمد بن سالم في وقت سابق بعض قادة الحركة بالتطبيع مع الفاسدين أو التفرد بالرأي في إشارة إلى طريقة تسيير الغنوشي شؤون الحركة.

وتبقى كل الاحتمالات واردة إزاء مستقبل الحزب الذي تنتظره رهانات مصيرية، في حال انعقاد مؤتمره الحادي عشر هذه السنة. وهو ما يستبعده قادة بارزون في الحركة، نظراً لعدم جاهزية الحزب لهذا الحدث المفصلي في تاريخه.