الإنسان والكورونا والمستقبل
تاريخ النشر : 2020-03-07 17:31

منذ بدء الخليقة والإنسان يواجه التحديات الطبيعية والإجتماعية والعسكرية والأوبئة والأمراض الفتاكة. وفي كل حقبة تاريخية تصدى الإنسان وفق معارفه العلمية، وتطور قوى الإنتاج، وكفاءته الصناعية للأخطار، التي داهمتة، وألقت بأثقالها على عاتقه.

هذا الإنسان المخلوق، والكائن المميز عن كل عالم الحيوان بوعية وابداعة وخلقه، كافح لتطور مكانته في المجتمعات كافة، التي عاش بين ظهرانيها. عمل بجد للإرتقاء بمكانته الإنسانية، وأخضع كل العلوم في مصلحته، وجير كل قوانين الطبيعة بمقدار ما تمكن من إكتشافها في خدمته، ومصلحته، ومصلحة الأجيال اللاحقة. غير انه هو ذاته، كان عدوا لإنسانيته وغالبا من حيث يدري، ويرغب ويطمح إليه، فهو من أنتج الفوارق الطبقية والإجتماعية، وهو من صَّنع الأسلحة لقتل اخوه الإنسان، وهو من طور العلوم وبمقدار ما استخدمها لصالحه، إستخدمها ضد أخوه الإنسان، وأقصد هنا العلوم الطبيعية.

فايروس الكورونا المعروف ب"كورفيد 19" ليس اول فايروس يغزو العالم. ولكنه من الفايروسات الأكثر إثارة، ودراماتيكية في تداعياته على الإنسان، حيث لم يميز بين إنسان وإنسان، بين البرجوازي والعامل، بين الإقطاعي والفلاح، بين العالم والقائد والمرؤوس. وهو من إنتاج الإنسان، ويخطىء من يعتقد، انه نبت شيطاني. لإن الشيطنة وليدة العقل الإجرامي في بني الإنسان، اللا أخلاقي، المنزوع الضمير والقيم والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر من شعوب الأرض.

وتجاهل هذا المنتج للشر والحرب والفوضى والمرض لإخطار ما انتجه وروجه، أي نشر الفايروس في اوساط الشعوب الأخرى، وإعتقاده انه بذلك  يؤمن سلامته، وتطوره، ونجاته من براثن ولعنة الفايروس، هو إعتقاد غبي وخاطىء، وإستنتاج غير صحيح، وساذج، ويعكس جهل وغرور الإنسان المسكون بالشر. لإن تداعيات وأخطار الفايروس بقدر ما اصابت الصين وإيران وكوريا الجنوبية وفلسطين ... إلخ، بقدر ما سيصيب الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. ومن راقب تطور الفايروس منذ نهاية عام 2019 وحتى الآن (مارس 2020)، اي خلال شهور عديدة، واقل من عدد اصابع اليد الواحدة، يلحظ ان الحرب الجرثومية، او حرب الكورونا طالت الجميع. والخسائر الإقتصادية والبشرية وقعت على رؤوس سكان الكرة الأرضية مجتمعة.

صحيح ان هناك تفاوت في حجم الخسائر البشرية والإقتصادية / المالية في الدول، التي تفشى بها، ووصلها. لكن آثاره تطال الجميع، وقد تنقلب الصورة في الزمن القريب والمنظور، وتتبادل الدول المواقع. لا سيما وان دولة مثل الصين الشعبية، تمتلك العقل والقوة والكفاءة العلمية، لن تكون عاجزة عن رد الصفعة بأقصى منها على وجه أميركا وبريطانيا وإسرائيل، ومن لف لفهم.

كما اشرت من البداية فايروس الكورونا، ليس الفايروس الوحيد، ولا هو الطاعون والوباء الأول، ولكنه كما يبدو الأخطر، والأكثر شراسة، والتلكؤ في الكشف عن المصل المضاد (وهو وفق معلومات العديد من الخبراء العالميين) والموجود في مختبرات الدول المنتجة له، سيكون له تداعيات على كل شعوب المعمورة. لذا  يفضل ويستحسن الإعلان عنه بسرعة، وتقديمه للبشرية، التي تعرضت لإنتشاره. لإن التصدي له يخدم بني الإنسان في اصقاع الأرض، وليس في بلدان بعينها.

لكن ليس من السهولة إقناع مجموعة بشرية جبلت على الشر، وبني وعيها على القتل والموت والدمار، والعيش بين المقابر، وفي فيافي الصحراء، والقفار البعيدة بإسم "الدفاع عن الذات" بإمكانية التراجع عن خيارها الإجرامي. الأمر الذي يملي على شعوب الأرض المؤمنة بالسلام والتكافل الإنساني، والمعنية بتطور البشرية للمبادرة بإيجاد المصل المضاد لحماية ذاتها والشعوب الأخرى. لإن بقاء الفايروس منتشرا في الأرض يعني حكما بالإعدام على الناس جميعا.

من المؤكد أن الشعوب المبدعة ستتمكن من إكتشاف الأمصال القادرة على قهر الكورونا. ولن تفنى البشرية نهائيا. لإن الإنسان بحكمته وإستشعاره الأخطار القاتلة للفايروس، لن يستسلم نهائيا، كون الدفاع عن الذات، والإنتصار على التحدي الخطير، هو بالضرورة إنتصار للمستقبل، وللإنسان بالدرجة الأولى، وحماية كوكب الأرض من شرور الأشرار، الذين لا يفقهوا سوى تدمير وموت الشعوب لحسابات أصحاب الطغم المالية، الذين لا يفكروا إلا بجمع المال وتكديسه حتى لو فنيت البشرية.