صفقة القرن ، التحديات والتداعيات والافاق المستقبلية
تاريخ النشر : 2020-03-03 23:09

 الملخص - الغت خطة ترامب بصورة غير مباشرة خيار حل الدولتين من خلال اقتراحها إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة ، مقطعة الاوصال ، بما يتناغم مع توجهات اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر ان الدولة الفلسطينية المستقلة تشكل تهديدا وجوديا. ولذلك تنطلق الخطة لتحقيق مقاربة تعظيم مساحة «الدولة اليهودية»، ومنع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من التواجد فيها، من خلال إعطاء الفلسطينيين "أقصى دولة مقلصة"، تحت السيطرة الإسرائيلية، ومفصولين عنها بـ" دولة لا سيادية"، لتحقيق هدف استراتيجي لتحصين إسرائيل من الخطر الديمغرافي الفلسطيني . - استخدمت الادارة الامريكية سياسة الامر الواقع لفرض تصوراتها بدون تشاور مع الجانب الفلسطيني، مما يخرج تلك الصفقة من كونها "مبادرة لحل النزاع" الى "وثيقة استسلام" . - بتركيزها على الطابع الديني للصراع وحق إسرائيل في استمرار حراسة الأماكن المقدسة، تخلق الصفقة وضعًا متفجرًا في المسجد الأقصى من خلال تعزيز نشاطات “منظمات جبل الهيكل”، الهادفة للصلاة فيه وتقسيمه مكانيًا وزمانيًا، ويخلق هذا التوجه توترًا مع الأردن صاحبة حق رعاية الأماكن المقدسة ، ويحرم المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين من حقهم في الوصول الى الأماكن المقدسة. - التطبيق العملي للصفقة سيُعمق من سيطرة إسرائيل على الضفة والقدس، ويترتب على ذلك تشكيل واقع معقد جديد في صلبه عدم القدرة على الانفصال عن الفلسطينين، بما يضع إسرائيل أمام خيار الدولة الواحدة، الذي يشمل احتمالين: الأول، دولة بحقوق متساوية لليهود والفلسطينيين، وهذا يقضي على فكرة الدولة يهودية. الثاني دولة من دون حقوق متساوية، وهذا يقضي على فكرة إسرائيل دولة ديمقراطية وأخلاقية، والأخطر الانزلاق نحو دولة واحدة بأغلبية عربية، بما يُعرض استمرارية الدولة الإسرائيلية للخطر. - تفتقد صفقة القرن لوجهة النظر الشاملة لأبعاد الصراع التاريخي المعقد، ولذلك فانها لن تتعدى كونها حدث عابر لن يؤسس لصناعة تاريخ، ومن غير الممكن أن تنجح الإدارة الأمريكية في قيادة عملية سياسية ناجحة، تُمكّنها من إرساء حالة دائمة من السلام والاستقرار، نتيجة مجموعة من التَّحديات، كما أنّ التطبيق الأحادي لصفقة القرن سيترك تداعياته السلبية والخطيرة على الفاعلين الرئيسيين وستبدو الأوضاع أكثر تعقيداً في المستقبل. وفشل الصفقة في التوصل الى تسوية القضية الفلسطينية، سيعطي فرصة لقوى إقليمية للتحرك من أجل المساس بشرعية الدول العربية واتهامها بالتخلي عن الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، ويراكم النقاط في الصراع الإقليمي، بما يحرض الرأي العام العربي، ويشحن المعارضة والتنظيمات المتطرفة ضد الأنظمة. - لم تطرح "صفقة القرن" حلولا عادلة لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين، ولذلك يمكن اعتبار انها ليست "مشروع تسوية" وانما خطة لـ "ادامة الصراع "، ضمن صفقة مستقبلية ، تعنى باحداث تغيرات جيوسياسية خطيرة يتم من خلالها إعادة تشكيل المنطقة وإعادة صياغة مفاهيمها وتشكيلاتها الديمغرافية والتاريخية، في اطار التطبيع الإقليمي والعربي مع إسرائيل لبناء منظومة اقتصادية كبرى وتحالف إقليمي في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. - “صفقة القرن” ستؤدي لزعزعة استقرار المنطقة، خاصة وانها ستحرم الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية، وسيفقدهم الامل في قيام دولتهم المستقلة، وهو ما سيعزز توجههم الى العنف، وسيدخل المنطقة في صراع، سيكون كابوسًا لإسرائيل، التي سيتعين عليها تجنيد المزيد من قواتها وإنفاق المزيد من الأموال لحماية أمنها. - سيناريوهات مستقبلية : - السيناريو الأول: استمرار الرفض الفلسطيني للخطة، وإبداء نوع من مقاومتها بالوسائل المتاحة، في المقابل استمرار إسرائيل بفرض الأمر الواقع على المدى الطويل، من خلال الإمعان في تهويد القدس، وتعزيز الاستيطان في الضفة، وترسيخ قدرة إسرائيل على التحكم بأحوال الفلسطينيين، ووفق هذا السيناريو، لن نشهد تغييرات دراماتيكية، بل محاولة محدودة لتغيير وظيفة السلطة، وتصعيد محسوب للتحركات الشعبية، والاستمرار في سياسة إستراتيجية التدويل، وتفعيل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، مع استبعاد اندلاع انتفاضة، أو مقاطعة فعلية لإسرائيل. - السيناريو الثاني: رفض صفقة ترامب وتغيير السياسة الفلسطينية واتخاذ قرارات حاسمة تحدد العلاقة مع إسرائيل مثل سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية، وحل السلطة، وتفعيل منظمة التحرير، وضم الفصائل التي لا تزال خارجها، بالتزامن مع تحركات شعبية وسياسية فلسطينية، ووفق هذا السيناريو فاننا امام احد احتمالين : - أ - الاحتمال الأول : حل السلطة الفلسطينية وتحميل إسرائيل والمجتمع الدولي مسؤولياتهم القانونية والسياسية تجاه الشعب الفلسطيني وانهاء مرحلة "الاحتلال الغير مكلف". وسيكون لهذا الخيار تداعيات خطيرة أهمها تدمير السلطة الفلسطينية كإطار قانوني سياسي رسمي معترف به دولياً. - ب - الاحتمال الثاني : تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية : وإعلان الدولة الفلسطينية دولة خاضعة للاحتلال ، وفي ضوء هذا الاحتمال الأوضاع قد تصل إلى انتفاضة شاملة في الضفة ومواجهة عسكرية في غزة، ما قد يؤدي إلى انهيار السلطة، لصالح خلق واقع من قيام كيانات محلية، تؤكدها خارطة ترامب، التي قسّمت ما أسمته فلسطين إلى أربع مناطق، هي غزة، وشمال الضفة (نابلس وجنين) والوسط (رام الله) والجنوب الخليل، وهو احتمال كارثي يفاقم من مشكلة الفلسطينيين ومن مشكلة حركتهم الوطنية. - السيناريو الثالث: بدء مجموعات وأفراد بالتعامل مع خطة ترامب، وصولًا إلى إمكانية حدوث انقلاب على الرئيس، والنجاح في الإطاحة به أو احتوائه ودفعه إلى التعامل مع الخطة. ولعل الفترة المحددة بأربع سنوات في الخطة لإقامة الدولة تمثل إغراء بعد أن يتضح عدم وجود بدائل عن “الصفقة”. - السيناريو الرابع : دراسة الصفقة وتقديم التعديلات بما يتوائم والرؤية الفلسطينية التي لا تتنازل عن الحقوق والثوابت؛ مع اشتراط أن يكون ذلك في حضور أطراف دولية بجانب الولايات المتحدة وأن تكون هناك ضمانات دولية لإلزام إسرائيل بالتنفيذ ومنح الفلسطينيين حقوقهم وفق جدول زمنى محدد تلتزم به إسرائيل أمام العالم. ويقترح انصار هذا السيناريو تقديم تعديلات على ورقة ترامب من شأنها محاصرة التوجهات الإسرائيلية لاستمرار فرض سياسة الامر الواقع خلال السنوات الأربع المقترحة. المقدمة : شكّل إعلان "صفقة القرن" نقطة تحوّل دراماتيكية وسط ظروف عربية وإقليمية ودولية لا مثيل لها، لجهة الضغوط وتلاشي القدرة على المواجهة، سيما وأن الخطة الأمريكية تظهر إصراراً على تجريد الفلسطينيين من حقوقهم بما ينتهك القانون الدولي، وتوفر بيئة لمزيد من المعاناة والانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال انحيازها الى جانب إسرائيل، ومنحها سيادة كاملة على القدس والضوء الأخضر لضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، وفرض سيادتها على المستوطنات، وتحرم الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير، ما يجعل فرص تحقيق السلام أمراً مستبعداً. صفقة القرن، التي لا تتعدى كونها مناورة في السياستين الداخليتين الأميركية والإسرائيلية ، هي بمثابة إعلان انتخابي للإدارة الأميركية عن اختيارها اليمين المسيحي جمهوراً مفضلاً تعوّل عليه لإعادة انتخاب دونالد ترمب، أما القضية الفلسطينية فليست سوى إطار للحركة والدعاية، ويؤكد ذلك غياب أو تغييب الفلسطينيين، وتجهيز صفقة معدة للرفض مسبقا من الفلسطينيين. وغني عن القول أن الجانبين الأمريكي و«الإسرائيلي» شاركا في تنفيذ البنود الرئيسية للخطة قبل الإعلان عنها، بما يتعلق بالقدس والاستيطان واللاجئين، ولن تضيف الخطة جديداً سوى في إطالة أمد الصراع وإضفاء المزيد من التعقيد عليه، والتضحية بآمال الاستقرار والسلام. ولا يمكن التعاطي مع خطة ترامب من دون وضعها في إطارها الإقليمي الذي يشهد متغيرات حادة تعصف بالجغرافيا السياسية للمنطقة، دافعا باتجاه تغيير تركيبتها الحالية. فالقضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب والمسلمين الأولى، في ضوء ثورات الربيع العربي، وتفاقم الصراع الخليجي الإيراني، والنزاعات الإقليمية المزمنة، والتحولات الدولية في ميزان القوى، والتي غير الأولويات العربية جذريا. فدول الخليج العربي، تتعامل مع الكابوس الإيراني، واصبح الانفتاح على إسرائيل أمرا مشروعا. ومعظم دول المشرق والمغرب العربي منهمكة بمرحلة التحول السياسي، والأزمات الداخلية أصبحت أولوية على سواها من القضايا. وتم وضع الخطة بمعزل عن المجتمع الدولي وعن مبادئ وقرارت الأمم المتحدة، مما يؤسس لمرحلة جديدة عنوانها تمرد الدول الكبرى على المواثيق الدولية. وهو ما يشكل بيئة مواتية للفوضى وأرضية للتطرف. في دراستنا المرفقة سنسعى لاستقراء الافاق المستقبلية لمشروع ترامب للسلام المسمى "صفقة القرن" وذلك من خلال تحليل الخطة ومضمونها وابعادها وتحدياتها واهداف واضعي الخطة الامريكية – الإسرائيلية ، ومن ثم محاولة رسم السيناريوهات المستقبلية المحتملة لهذه الصفقة. وصولا الى عرض التوصيات اللازمة للتعامل مع الصفقة وتأثيراتها المحتملة. استراتيجية فريق العمل : • جاءت الصفقة لتثبيت لسياسة الأمر الواقع التي انتهجتها إسرائيل، فقضية الحدود والمستوطنات رسمتها الجرافات الإسرائيلية، وقضية القدس حسمتها إسرائيل بإخراجها سكان مناطق E1 وعزلتها بالعديد من الإجراءات والقرارات؛ واعترف بها ترامب عاصمة لإسرائيل؛ وحسمت قضية اللاجئين بوقف دعم الأونروا ومحاصرتها وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وهى بذلك تحدد اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط؛ وباقي اللاجئين يتم البحث عن حل لهم بعيدا عن إسرائيل ضمن مساهمة إقليمية في حل الصراع . • ربط الصراع الفلسطينى الاسرائيلى بصراعات منطقة الشرق الأوسط واستخدام تناقضات تلك الصراعات بين الأطراف للضغط عليها ومقايضة دعمها لها بتأييد التسوية الأمريكية للصراع ضمن رؤية أمريكية متكاملة لتثبيت النفوذ الأمريكى عبر تحالف عربى اسرائيلي ضرورى وحيوى لمواجهة النفوذ المتزايد لقوى عظمى وأخرى إقليمية ترى كلا من الولايات المتحدة واسرائيل فيها خطر على مصالحها الاستراتيجية. • ممارسة الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين لإيجاد حالة من التناقض فى المصالح بين الشعب الفلسطينى وقيادته ، مما سيحفز على ظهور قوى اقتصادية براغماتية مستقلة ستدعمها الادارة الأمريكية، وصولا إلى أن تصبح لاعبا رئيسيا فى الساحة الفلسطينية، تمهيدا لاستبادل المشهد السياسي الفصائلي القائم حاليا بمشهد سياسي اقتصادى تتحكم فيه جماعات ضغط ترتبط مصالحها بقوى خارجية ( ). • انهاء دور الأمم المتحدة وقراراتها ومحكمة الجنايات الدولية، وبهذا تسعى واشنطن لإلغاء البُعد الدولي للقضية الفلسطينية وانشاء شرعية جديدة هي الشرعية الامريكية التي ستكون المخولة بمفردها لتسوية الصراع. • قامت الولايات المتحدة باجراءات استباقية ، اعتبرت بمثابة تنفيذ فعلي للكثير من بنود الصفقة بفعل الامر الواقع وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الاكثير تعقيدا ، الحدود ، الاستيطان ، القدس واللاجئين. صفقة القرن : ملاحظات لابد منها : • جاءت «صفقة القرن» على شكل وثيقة مكونة من 181 صفحة باللغة الإنجليزية، تحتوي على 42844 كلمة، وقُسمت إلى جزأين؛ الأول هو الإطار السياسي ويتكون من 22 قسماً، وأربعة ملاحق بما في ذلك خريطة «مفاهيمية»، وثلاثة أخرى عن الأمن والترتيبات الأمنية، وقد بلغ حجم هذا الجزء مع ملاحقه 46 صفحة. أما الجزء الثاني فهو بعنوان: «إطار العمل الاقتصادي»، ويتكون من ثلاثة أقسام وملحق اقتصادي أيضاً، يتكون من 127 صفحة. والحجم الأكبر في هذه الخطة هو المتعلق بالاقتصاد، وذلك في حين أن الجانب السياسي جاء مقتضباً ويتركز على الأمن والترتيبات الأمنية ( ). • شارك مجموعة من الخبراء المقربين من إسرائيل والمحسوبين على التيار الإنجيلي الداعم الأهم لإسرائيل والمهيمن على الحزب الجمهوري. في صياغة صفقة القرن التي تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية ، من خلال ضم إسرائيل للقدس الشرقية، والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل، ومحاولة تصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتصفية وكالة الغوث، والسعي لاستبدال الدولة المستقلة ، بكيان منزوع السيادة مقطع الاوصال محاط بالحواجز العسكرية والمستوطنات ( ). • صفقة القرن هي خطة إسرائيلية، تمثل وجهة نظر اليمين القومي والديني في إسرائيل، تستند الى الادعاء التوراتي كقاعدة لتسوية سياسية، دون التطرق للحقوق التاريخية للفلسطينيين، وتعتبر ان “حق الاجداد” والعلاقات التاريخية يمكن أن تبرر الضم ( ). وتنطلق خطة ترامب لتحقيق مقاربة تعظيم مساحة «الدولة اليهودية»، ومنع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من التواجد فيها، من خلال إعطاء الفلسطينيين "أقصى دولة مقلصة"، تحت السيطرة الإسرائيلية، ومفصولين عنها بـ" دولة لا سيادية"، وهذا ما يفسر الخارطة المقترحة لدولة فلسطين، التي تتشكل من كانتونات ذات كثافة سكانية فلسطينية، مما يحقق هدفها الاستراتيجي لتحصين إسرائيل من الخطر الديمغرافي الفلسطيني ( ). • الخطة لا تعترف بمفهوم السيادة لأنه بنظرها حجر عثرة في المفاوضات السابقة فالأمن والازدهار برأيها أكثر واقعية وأهمية، ووفق الخطة فان الركيزة الاساسية للرؤية هي "أمن إسرائيل" حيث تشترط الخطة حدوث تقدم بقدرة الفلسطينيين على تلبية معايير الامن الاسرائيلي ومدى التزامهم بالحفاظ على أمن اسرائيل ( ). • تنقطع خطة ترامب عن الالتزام بحل الدولتين، فقد الغت الالتزام بخطوط 67 كاساس للتسوية ، والغت فرضية اقامة دولة فلسطينية "مستقلة"، حيث تنص الخطة على أن السيطرة الأمنية غربي نهر الأردن حتى البحر الأبيض بيد إسرائيل، والسيطرة على حدود ومعابر وسماء وفضاء والمجال الالكترومغناطيسي والمياه الإقليمية للدولة الفلسطينية المقترحة ستكون بيد إسرائيل. وألغت الخطة فرضية إزالة المستوطنات في داخل الأراضي الفلسطينية وشرعت ضم غور الأردن الى اسرائيل. وهو ما يعني ان الدولة الفلسطينية ستكون محاطة من كل جوانبها باسرائيل والسيادة الإسرائيلية. وهو ما سيفقد الدولة الفلسطينية لأبسط مقومات الحكم الذاتي ستقتصر فقط على نظام بانتوستان مشابه لنظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا. • وجاء ذلك متناغما مع توجهات اليمين الإسرائيلي الذي يعتبر ان الدولة الفلسطينية المستقلة تشكل تهديدا وجوديا، ولذلك سعى الحكومات المتعاقبة الى فرض حقائق على الأرض تقطع الطريق امام اية إمكانية لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق مشروع حل الدولتين، بدءا من السيطرة الكاملة على المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن ضمن “الدولة اليهودية”، وضم نسبة كبيرة 40-60% من مساحة الضفة الغربية وغور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية ، وتخليد القدس الموحدة عاصمة إسرائيل ( ). وعلى الرغم من موافقة نتنياهو على فكرة الدولة الفلسطينية في صفقة القرن، الا انه وضع شروطًا تجعل إقامتها أمرًا مستحيلا، وشمل ذلك 35 شرطًا أضافها للصفقة تشطب حق العودة للاجئين، وتبقي القدس والمستوطنات بيدي إسرائيل، كما تبقي اليد العليا في مجال الأمن لإسرائيل، واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، واعترافهم بحدودها الشاملة للمناطق التي ستضمها إليها في غور الأردن والمستوطنات، وغير ذلك من الشروط التعجيزية. • تتضمن الصفقة فكرة إقامة عاصمة فلسطينية تسمى القدس في كتلتي كفر عقب ومخيم شعفاط غير المتواصلتين جغرافيًا، بالإضافة إلى أبو ديس، وحيث أن الأخيرة تخضع للسلطة الأمنية الإسرائيلية ، فإن ذلك يعني أن ما سيضم إليها من كتلتي كفر عقب ومخيم شعفاط سيخضعان لنفس السلطة الإسرائيلية. وبذلك فان الخطة تستهدف إخراج كتلتين غير متواصلتين جغرافيًا من ضمن "القدس الكبرى" التي تم ضمها لاسرائيل : الأولى هي كفر عقب وسميراميس ومخيم قلنديا وقرية قلنديا؛ والثانية هي مخيم شعفاط وضاحية السلام ورأس خميس وأجزاء من عناتا القريبة نسبيًا لأبو ديس والعيزرية، وتشمل هذه المناطق 120 إلى 140 ألف فلسطيني، مما يعني الإبقاء في القدس ما بين 144 و164 ألفًا من الفلسطينيين فقط، مقابل 225٫335 مستوطنًا، أي سيصبح الفلسطينيون أقلية سكانية في الجزء المضموم من القدس إلى إسرائيل حسب الصفقة ( ). • تسمح الصفقة بتقسيم الأقصى مكانيًا وزمانيا بين المسلمين واليهود، وتطرح فتح الأماكن المقدسة في القدس للسياحة والصلاة للمؤمنين من كل أنحاء العالم، وتعطي إسرائيل صلاحية التنظيم بمشاركة الاردن، فيما تقسم المناطق الفلسطينية إلى أجزاء وتعطي الأمن الإسرائيلي أولوية، وبالتالي تجعل القدس مفتوحة لكل العالم باستثناء الفلسطينيين بذريعة الأمن( ). • تنص الصفقة على ان “حركة لاجئين من خارج غزة والضفة الى دولة فلسطين تكون خاضعة لموافقة بين الطرفين وتنظم حسب معايير مختلفة تشمل قوى اقتصادية مثل “الحفاظ على أن لا تزيد نسبة الداخلين أو تثقل على تطوير البنى التحتية والاقتصادية للدولة الفلسطينية أو تزيد الاخطار الامنية لاسرائيل”. وورد ايضا “عند التوقيع على اتفاق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ستنتهي مكانة اللاجئين، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الاونروا” ستتوقف عن الوجود ومسؤوليتها ستنتقل الى الحكومات ذات العلاقة”. وفي نفس الوقت تنص على أنه فقط من كانوا مسجلين كلاجئين في الوكالة في يوم نشر الخطة سيحظون بمكانة لاجيء. والتسجيل كلاجيء هو فقط لغرض معرفة العدد المتوقع لدعاوى التعويض ويجب عدم تفسيره كموافقة امريكية على تعريف المنظمة لمنح مكانة لاجيء ( ). • تمكنت إسرائيل من السيطرة على مرتفعات الضفة الغربية وبالتالي على مخزونها الجوفي بالمياه الذي سحبته إسرائيل بطرق جائرة ودون أدنى نصيب للفلسطينيين في مياههم. صفقة القرن ركزت في مشاريعها على شبكات المياه والخطوط الناقلة من الداخل الإسرائيلي باتجاه الضفة وسيناء وغزة والأردن تجاهلت الاتفاقيات المبرمة سابقا. وإستراتيجية إسرائيل ناتجة عن عدم وجود موارد مالية جديدة للسيطرة عليها في الضفة الغربية وعلى أساس امتهان مهنة بيع المياه مقابل ثمن طبعا لكل من يحتاج، فهي لديها مياه البحر المتوسط القابلة للتحلية ولديها الطاقة الرخيصة وأفضل تكنولوجيا لتحلية المياه. • تبني الصفقة لمفهوم “القدس الكبرى” كما حددتها حكومات إسرائيل، والتي تشمل كتلة غوش عتصيون التي تلف محافظة بيت لحم وصولًا إلى مشارف محافظة الخليل. كما تشمل كتل مستوطنات معاليه أدوميم وملحقاتها مثل ميشور أدوميم ومنطقة “إي 1” (E1) المزمع البناء فيها للمستوطنين، وهي الكتل التي تشمل مخططاتها المستقبلية فكرة توسيعها لتصل حتى البحر الميت. كما تشمل كتلة غفعات زئيف التي تلف قرى شمال محافظة القدس. وإضافةً لهذه الكتل الثلاث، تقوم الحكومة الإسرائيلية بتوسيع كتلة رابعة تشمل مستوطنات آدم وكوخاف يعقوب وبساغوت، وهي مستوطنات تقر الصفقة أيضًا بضمها إلى إسرائيل، ما يحد من إمكانية التوسع المستقبلي لمحافظة رام الله ( ). خريطة القدس العربية تحديات أمام صفقة القرن : • يشهد النظام الدولي الراهن تغييرات من أهمها تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الدولية ، منذ ولاية الرئيس أوباما ، وتبنيها سياسة “القيادة من الخلف”، وتعزز هذا الاتجاه مع ولاية ترامب،

ليس فقط في تعزيز الاتجاه نحو المصالح الداخلية، والانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، بل زعزعة بنية العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الحرب الاقتصادية مع الصين، وتوتر العلاقات مع روسيا. وصعدت الصين وروسيا كقوى منافسة للولايات المتحدة، ولم تعد واشنطن قادرة على فرض سياساتها أو رؤيتها لحل الأزمات. ويوجد الآن حالة من عدم اليقين بشأن وضع الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وقدرتها على فرض رؤيتها، وفي هذا الإطار لم تتمكن واشنطن من خلق حالة من الإجماع الدولي على خطة ترامب للسلام ، وبدت مواقف القوى الدولية معارضة، بما يدفع واشنطن لتنفيذ الخطة بشكل أحادي دون الحصول على الحد الأدني من الإجماع الدولي، وهو ما يشكل تحديا امام قدرتها على النجاح بمفردها في حل تلك القضية المعقدة. • تواجه الدول العربية تهديدات إقليمية وداخلية، غيَّرت خريطة المصالح الإقليمية، ودفعت بعضها إلى تغيير أولوياته تجاه القضية الفلسطينية، فوجدت نفسها في اتساق مصالح مع إسرائيل لمواجهة التهديدات المشتركة، بالرغم من قرار ضم القدس ونقل السفارة الأميركية، بما يتناقض مع الموقف الرسمي العربي الداعم للقضية الفلسطينية. وعلى الرغم من ذلك لا تزال القضية الفلسطينية تحظى بشعبية تجعل من الصعب على الزعماء العرب دفع الثمن السياسي المترتب على أي تقارب مع إسرائيل دون ايجاد تسوية للقضية الفلسطينية ( ). • النهج التفاوضي لإدارة ترامب قائم على ركيزتين أساسيين: الأول إدارة مفاوضات مع الدول العربية وتطبيع العلاقة مع إسرائيل، تحت بند مواجهة إيران، على أمل أن تمارس الدول العربية نفوذها على الفلسطينيين من أجل دفع السلام في الشرق الأوسط. والثاني إجبار الفلسطينين على القبول بحقائق الامر الواقع، وإجرءات عقابية كتخفيض المساعدات، واغلاق المكاتب الدبلوماسية. هذا النهج ساهم في تعزيز الطريق المسدود في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وعمق من حالة الجمود، على خلفية رفض الفلسطينيين إجراء محادثات مع مسؤولي الإدارة، وكان لذلك تأثير سلبي على قدرة الولايات المتحدة على قيادة عملية سياسية ناجحة. • استخدمت الادارة الامريكية سياسة الامر الواقع لفرض تصوراتها بدون تشاور مع الجانب الفلسطيني، مما يخرج تلك الصفقة من كونها "مبادرة لحل النزاع" الى "وثيقة استسلام" وتنازل عن حقوقهم ( ). وهذا ما يؤكد ان الإدارة الأميركية الحالية تفتقد القدرة على صناعة التحولات الاستراتيجية بمثل هذه الأدوات السطحية، نظرا لافتقادها عنصرين مهمين لتمرير الصفقة ، قدرتها على الإقناع، والجهل بتعقيدات السياسة في الشرق الأوسط. وعدم امتلاك الأدوات التي تمكنها من فرض الصفقة، فلا العقوبات مجدية، ولا قوة السلاح ناجعة، ولا الابتزاز المالي قادر على شراء ذمم الشعوب ( ). • جاءت “صفقة القرن” وفق ثوابت وافكار اليمين الإسرائيلي، مما يجعل "الصفقة" عبارة عن صياغة أمريكية للمشروع الصهيوني في طبعته اليمينية، والتي لن يرضيها سوى تدمير «حل الدولتين» ومنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لحساب "أمن إسرائيل" ومصالحها الاستراتيجية ( ). • بينما لم تقدم الحكومة الإسرائيلية حتى الان أية ردود رسمية على صفقة ترامب ، يواجه نتنياهو ضغط شديد من وزراء اليمين ورؤساء المستوطنين، كي يبادر لضم غور الاردن، شمالي البحر الميت والمستوطنات، في خطوة حظيت بمعارضة الادارة الامريكية ( )، وأجهزة الامن الإسرائيلية التي أظهرت قلقا شديدا وحذرت من ان خطوات أحادية الجانب ستؤثر على العلاقات مع الأردن الذي يقع تحت ضغوط شديدة ، ولذلك تم تأجيل خطوات الضم الى ما بعد الانتخابات للكنيست ( ). التداعيات المحتملة لصفقة القرن : • مع فرض السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس ، تنزع الصفقة الحقوق الوطنية الجماعية للمقدسيين الباقين في مدينتهم، ولا تبقي لهم سوى حقوق إنسانية فردية قابلة للانتزاع عبر التهجير وسحب الهويات، وتضعهم على شفير الترحيل. هنا تجدر الإشارة إلى إزاحة كتلتي مخيم شعفاط وكفر عقب المكتظتين بالسكان إلى خارج القدس، لحل مشكلة التناسب الديموغرافي، ما يعني أيضًا إخراجًا للاجئي مخيمي قلنديا وشعفاط من المناطق المضمومة لإسرائيل، وانهاء أي وجود مؤسساتي فلسطيني في القدس ( ). • بتركيزها على الطابع الديني للصراع وحق إسرائيل في استمرار حراسة الأماكن المقدسة، تخلق الصفقة وضعًا متفجرًا في المسجد الأقصى من خلال تعزيز نشاطات “منظمات جبل الهيكل”، الهادفة للصلاة فيه وتقسيمه مكانيًا وزمانيًا، عوضًا عن أن هذا التوجه يخلق توترًا مع الأردن صاحبة حق الرعاية الأردنية في الأماكن الدينية في القدس، وفق اتفاقية السلام الإسرائيلية – الأردنية عام 1994، ويحرم هذا التوجه المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين من حقهم في الوصول الى الأماكن المقدسة في القدس ( ). • على المدى الطويل ، التطبيق العملي للصفقة سيُعمق من سيطرة إسرائيل على الضفة والقدس، ويترتب على ذلك تشكيل واقع معقد جديد في صلبه عدم القدرة على الانفصال عن الفلسطينين، بما يضع إسرائيل أمام خيار الدولة الواحدة، الذي يشمل احتمالين: الأول، دولة بحقوق متساوية لليهود والفلسطينيين، وهذا يقضي على فكرة الدولة يهودية. الثاني دولة من دون حقوق متساوية، وهذا يقضي على فكرة إسرائيل دولة ديمقراطية وأخلاقية، والأخطر الانزلاق نحو دولة واحدة بأغلبية عربية، بما يُعرض استمرارية الدولة الإسرائيلية للخطر. • تطبيق صفقة القرن بدون تسوية القضية الفلسطينية، يعطي فرصة للقوى الإقليمية للتحرك من أجل المساس بشرعية الدول العربية واتهامها بالتخلي عن الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، ويراكم النقاط في الصراع الإقليمي، بما يؤدي الى تحريض الرأي العام العربي، وشحن المعارضة والتنظيمات المتطرفة ضد الأنظمة العربية. تؤشر التجربة التاريخية إلى استغلال التنظيمات المتطرفة القضية الفلسطينية كحجة ومسوغ لتبرير أعمالها، ومع البدء في تطبيق صفقة القرن، سوف تعمل التنظيمات المتطرفة على استغلال الظروف لإعادة هيكلة ذاتها والتبلور في إطار القضية الفلسطينية . واستغلال الوضع من أجل العمل ضد الأنظمة القائمة وتوسيع نشاطاتها لتجنيد المزيد من العناصر للقيام بعمليات في مناطق أخرى وأهداف مختلفة في دول العالم، تحت شعار المساس بالمقدسات الإسلامية ( ). • الخريطة التي وزعتها الإدارة الأميركية للمناطق المخصصة للفلسطينيين، تعطي فكرة دقيقة عن المقصود بعزل المدن في الضفة الغربية بعضها عن بعض، وإقامة منطقتين قرب الحدود مع سيناء. وهو ما يشير الى طبيعة «الحل الاقتصادي» للقضية الفلسطينية، والذي خلاصته تحويل المدن الفلسطينية إلى معازل تكون مهمتها تأمين اليد العاملة الرخيصة للأسواق الإسرائيلية وتوفر مدخولاً للمواطنين الفلسطينيين الذين سيظلون تحت سيطرة الحكومة ورب العمل الإسرائيلي وخاضعين لشروطه. ويعيد التصور هذا، خصوصاً المنطقتين الصحراويتين الجديدتين قرب الحدود المصرية، استنساخ تجربة «البانتوستانات» التي أقامتها حكومة جنوب أفريقيا لأبناء الأكثرية السوداء أثناء فترة «الأبرتايد» ( ). • معالجة القضية الفلسطينية من زاوية امنية أثبتت فشلها، فعلى مدار الخمس والعشرين عاما الماضية وابتداع حلول مبتورة بأسماء كبيرة مثل مبادرات السلام الاقليمي وأمن الشرق الأوسط الجديد و..و.. الخ من هذه المصطلحات فإن النتيجة في الاقليم كانت ظهور القاعدة وداعش وازدياد الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار. • تتضمّن “الصفقة” إمكان ضم منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية بهدف قمع التطلعات السياسية لفلسطينيي 1948، وإحباط “تهديدا ديمغرافيا للدولة اليهودية”، يشكله هؤلاء الفلسطينيون إذا ما اندمجوا في الدولة ووصل عددهم إلى 35% أو 40% من مجمل عدد سكان الدولة، عندها ستصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية. ولو بقيت نسبتهم كما 20% أو أقل، لكن العلاقات بقيت متسمة بالتحدّي والعنف مما سيمس بادّعاءات النسيج الديمقراطي لدولة إسرائيل ( ). ويلاحظ أن الخطة استثنت قريتي جت وزيمر لموقعهما الاستراتيجي والجغرافي المرتفع والمطل على الساحل من الجهة الغربية، وعلى الضفة من الجهة الشرقية ( ). خريطة منطقة المثلث صفقة القرن والقانون الدولي : • وفق أحكام القانون الدولي، فإن مجمل خطة السلام الأميركية تعد وثيقة غير قانونية، كونها ترتكز على مبدأ القوة، وسياسة الأمر الواقع، وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وتحتوي على مخالفات جسيمة لأحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي، والقانون العرفي الدولي. كما تحتوي على نصوص مخالفة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، وغير ذلك من قرارات المؤسسات التي حفظت للشعب الفلسطيني حقوقه بحدها الأدنى وقررت حقه في تقرير مصيره. وقد احتوت الخطة على العديد من المخالفات القانونية أبرزها ما يلي: 1. تجاوز القرارات الدولية ذات الصلة بحل الدولتين الذي أسس له القرار 181، إضافة الى العديد من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية أبرزها قرار 194 لسنة 1948 الذي نص على عودة اللاجئين الفلسطينيين،

والقرار 242 لسنة 1967، والذي نص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها خلال حرب حزيران، والقرار 2851 لسنة 1971، الذي طالب إسرائيل بإلغاء إجراءات ضم الأراضي المحتلة. 2. تنص صفقة القرن على تجنب التقسيم المادي للمدينة المقدسة، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وهذا مخالف لقرارات الأمم المتحدة التي أكدت أن القدس الشرقية جزء من الضفة الغربية. كما أنه مخالف لخطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947. وتعترف الأمم المتحدة بالقدس الشرقية أرضا محتلة (تخضع لبنود معاهدة جنيف الرابعة)، وأكد قرار مجلس الأمن 252 لعام 1968 أن الإجراءات الإسرائيلية بمدينة القدس غير قانونية وتمثل انتهاكا صارخا لمعاهدة جنيف. واعتبرت قرارات دولية عديدة شرقي القدس منطقة محتلة، ومنها القرار رقم 2253 الصادر في 4/7/1967، الذي طالب إسرائيل بإلغاء التغييرات التي اتخذتها وسط مدينة القدس. والقرار رقم 35/169 أ ، ب ، جـ ، د ، هـ (15/12/1980) الذي طالبها الامتثال لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالطابع التاريخي لمدينة القدس الشريف، والذي رفضت فيه الجمعية العامة إعلان إسرائيل أن القدس عاصمتها. والقرار رقم 35/207 تاريخ 16/12/1980 الذي اكد رفض قرار ضم القدس وإعلانها عاصمتها وتغيير طابعها المادي والديموغرافي وهيكلها المؤسسي ومركزها ( ). 3. نصت الصفقة أن إسرائيل غير ملزمة باقتلاع أي مستوطنة، وستقوم بضم تلك المستوطنات، في تجاهل للقرارات الدولية التي أكدت على حماية حقوق المواطنين في أرضهم الواقعة تحت الاحتلال، فميثاق جنيف المدني للعام 1949 يشير في مادته (49) الفقرة السادسة إلى أن «القوة المحتلة لا يجب أن تنقل أو تحول جزءا من سكانها إلى الأراضي التي احتلتها». والقرار 446 لسنة 1979 الصادر عن مجلس الأمن، أكد أن الاستيطان ونقل المستوطنين للأراضي الفلسطينية غير شرعي. والقرار 452 للعام 1979 يقضي بوقف الاستيطان وبعدم الاعتراف بضم القدس. والقرار 465 لسنة 1980 الذي دعا إلى تفكيك المستوطنات. فضلاً عن قرار محكمة العدل الدولية في 7-2004 ، والذي يعتبر جدار الفصل عمل استيطاني تهويدي غير شرعي. كما ينص قرار مجلس الامن (465) سنة 1980 على أن "سياسة إسرائيل وتوطين قسم من سكانها في الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس تشكل خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب. وتعرّف المادة (8/ب/8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الصادر عام 1988 "قيام دولة الاحتلال بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها" على أنه "جريمة حرب" ( ). 4. نصت صفقة القرن أنه لن يكون هناك أي حق في العودة، أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل، وعند توقيع اتفاقية السلام، سيتم إنهاء وكالة "أونروا" وتحويل مسؤولياتها إلى الحكومات المعنية. وذلك على الرغم من ان هيئة الأمم المتحدة أصدتر أكثر من خمسين قراراً بوجوب عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء الطرد القسري وتدمير قراهم. وكان على رأسها القرار 194 الذي ينص على ضرورة عودة اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم الأصلية التي هُجّروا منها، باعتبارهم شعبا طُرد من أرضه، وله الحق في العودة كشعب، وليس مجموعة أفراد متضررين من الحروب مثل حالات كثيرة ( ). 5. خالفت صفقة القرن القرارات الدولية المتعلقة بحق تقرير المصير، وذلك عندما نصت على نزع السيادة عن الأراضي الفلسطينية المقترحة وأجوائها، واعتبار الدولة منزوعة السلاح، وتكرس سياسة الفصل العنصري، عبر إجبار الفلسطينيين على الاعتراف بيهودية الدولة. وهي بذلك حوّلت حالة الاحتلال الإسرائيلي من كونه احتلالا مؤقتا، إلى احتلال دائم، مما يخالف أحكام القانون الدولي الذي نص على انه لا يجوز أن يكون الاحتلال دائما ، فهو حالة فعلية أوجدتها القوة القاهرة، وأنه واقع لا يقوم على أساس من القانون، كما أن حالة الاحتلال لا تعطي المحتل حق الملكية في الأراضي المحتلة، ولا يجوز ضم الإقليم المحتل لدولة الاحتلال ( ). رؤية استراتيجية وسيناريوهات مستقبلية : • تفتقد صفقة القرن لوجهة النظر الشاملة لأبعاد الصراع التاريخي المعقد والمتعدد الجوانب، ولذلك فان هذه الرؤية لن تتعدى كونها حدث عابر لن يؤسس لصناعة تاريخ، ومن غير الممكن أن تنجح الإدارة الأمريكية في قيادة عملية سياسية ناجحة، تُمكّنها من إرساء حالة دائمة من السلام والاستقرار، نتيجة مجموعة مركبة من التَّحديات التي لم تلفت اليها، كما أنّ التطبيق الأحادي لصفقة القرن سيترك تداعياته السلبية والخطيرة على الفاعلين الرئيسيين وستبدو الأوضاع أكثر تعقيداً في المستقبل ( ). • لم تطرح "صفقة القرن" حلولا عادلة لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين، ولذلك يمكن اعتبار انها ليست "مشروع تسوية" وانما خطة لـ "ادامة الصراع "، ضمن صفقة مستقبلية ، تعنى باحداث تغيرات جيوسياسية خطيرة يتم من خلالها إعادة تشكيل المنطقة وإعادة صياغة مفاهيمها وتشكيلاتها الديمغرافية والتاريخية، في اطار التطبيع الإقليمي والعربي مع إسرائيل لبناء منظومة اقتصادية كبرى وتحالف إقليمي في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. • تستند الصفقة إلى المفهوم التوراتي؛ ولذلك فإننا أمام تسوية عقائدية للصراع وليس تسوية سياسية؛ سترسي دعائم راسخة لحرب دينية مستقبلية ؛ وسيكون من المستحيل على إسرائيل أو الولايات المتحدة طمس هذا التاريخ وإلغاء هذه الهوية عن فلسطين وعن القدس وتجيير تاريخها لصالح رواية توراتية مزعومة ( ). •فرض "التطبيع" مع اسرائيل على دول المنطقة ، سيكون له تداعياته الخطيرة على مستوى الامن والاستقرار الإقليمي، خاصة وان المقاربة الأميركية ركزت على إنهاك المنطقة، للقبول بالصفقة، ما ادى الى جعل الوضع الإقليمي يعاني من هشاشة وتوازن حرج قابل للانهيار، خصوصاً أنها متشابكة ومتصلة، سواء عبر فاعلين نافذين في الإقليم مثل إيران، أو بحكم تداخلات جيواستراتيجية ( ). • بالرغم من الخداع الواضح في الخطة بادعاء انها ستؤدي الى قيام دولة فلسطينية ، وفق حل الدولتين، الا ان كافة المؤشرات تؤكد انه لا وجود لدولة فلسطينية وفق تلك الخطة ، وانما فقط “حكم ذاتي موسع”، خاصة ان تلك الدولة لا يوجد لها اية حدود مفتوحة مع العالم الخارجي وستكون محاصرة جغرافيا من قبل إسرائيل، وانها ستستمر بالتنفس من خلال الموانيء والحدود الإسرائيلية، وستكون ملتزمة بالمصالح الأمنية العليا لدولة إسرائيل، وسيستمر النفوذ الأمني الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية لسنوات طويلة غير محدود وفق الخطة. • بينما تدعم “صفقة القرن” مخططات اليمين الإسرائيلي، فانها ستؤدي لزعزعة استقرار المنطقة المضطربة، خاصة وانها ستحرم الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية، مما سيعزز فقدانهم الامل في قيام دولتهم المستقلة ، وهو ما سيعزز توجههم الى العنف لاستعادة حقوقهم ، وسيدخل المنطقة في صراع متواصل ، سيكون كابوسًا لإسرائيل، التي سيتعين عليها تجنيد المزيد قوات جيشها وإنفاق المزيد من الأموال لحماية أمنها المفقود. وعلى الرغم من التفوق العسكري والاقتصادي والتقني الإسرائيلي خلال السنوات الطويلة الماضية، وبالرغم من كل أشكال الاحتلال والسيطرة ، ولكنها لم تُنتج شعوراً إسرائيلياً بالأمن ( ). السيناريو الأول: • استمرار الرفض الفلسطيني للخطة، وإبداء نوع من مقاومتها بالوسائل المتاحة، في المقابل استمرار إسرائيل بفرض الأمر الواقع على المدى الطويل، من خلال الإمعان في تهويد القدس، وتعزيز الاستيطان في الضفة، وترسيخ قدرة إسرائيل على التحكم بأحوال الفلسطينيين، ووفق هذا السيناريو، لن نشهد تغييرات دراماتيكية، بل محاولة محدودة لتغيير وظيفة السلطة، وتصعيد محسوب للتحركات الشعبية، والاستمرار في سياسة إستراتيجية التدويل، وتفعيل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، مع استبعاد اندلاع انتفاضة، أو مقاطعة فعلية لإسرائيل. • ويستند هذا السيناريو إلى أن الخطة يمكن ألا تطبق بسرعة، وأنها تستهدف إسقاط السلطة أو تغييرها، واستدراج الفلسطينيين إلى مواجهة مسلحة لتحقيق هذا الغرض، والانتخابات الإسرائيلية والأميركية قد تحمل تغييرات جوهرية، تسقط معها صفقة القرن. • ويؤخذ على هذا السيناريو عدم إدراك أن جوهر خطة ترامب تكريس الحقائق التي أقامها الاحتلال، وهذا الأمر سيفرض نفسه على أي حكومة إسرائيلية أو إدارة أميركية جديدة، وخاصة في القضايا الأساسية. ويبقى هذا السيناريو الأكثر احتمالًا، مع ما يمكن أن يرافقه من أزمات ومواجهات فلسطينية إسرائيلية محدودة ( ). السيناريو الثاني: • رفض صفقة ترامب وتغيير السياسة الفلسطينية واتخاذ قرارات حاسمة تحدد العلاقة مع إسرائيل مثل سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية، وحل السلطة، وتفعيل منظمة التحرير، وضم الفصائل التي لا تزال خارجها، بالتزامن مع تحركات شعبية وسياسية فلسطينية، ووفق هذا السيناريو فاننا امام احد احتمالين : أ - الاحتمال الأول : • حل السلطة الفلسطينية وتحميل إسرائيل والمجتمع الدولي مسؤولياتهم القانونية والسياسية تجاه الشعب الفلسطيني وانهاء مرحلة "الاحتلال الغير مكلف" التي استطاعت إسرائيل خلالها إقامة امر واقع على الأرض تسعى لتحويله الى حلول نهائية من خلال صفقة ترامب. وسيكون لهذا الخيار تداعيات خطيرة أهمها تدمير السلطة الفلسطينية كإطار قانوني سياسي رسمي معترف به دولياً، ما يعني غياب الحاضنة الرسمية الشعبية، والمرجعية السياسية، في ظل تهميش الفصائل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وبالتالي العودة بالشعب الفلسطيني إلى نقطة الصفر. علاوة على ان السلطة أوجدت فئة اجتماعية كبيرة لديهم مصلحة باستمرار السلطة سيعارضون هذا الاحتمال، إضافة الى ان حل السلطة هو دعوة مباشرة إلى إسرائيل للسيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، وستمتد تطورات هذا الاحتمال الى التصعيد في غزة والضفة الغربية. ب - الاحتمال الثاني : • تغيير وظيفة السلطة الفلسطينية : وإعلان الدولة الفلسطينية، دولة خاضعة للاحتلال، لتصبح جزءاً من حركة نهوض وطني شعبي شامل وتدخل في مواجهة مع إسرائيل، وهذا الاحتمال يتطلب إعادة النظر بشكل التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي، توظيف الدعم الخارجي بما يخدم صمود الشعب الفلسطيني ، الاستمرار بالتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية ، تفعيل منظمة التحرير وإعادة بنائها كحركة تحرر وطني، إدخال تغييرات عميقة في الطبقة السياسية من خلال انتخابات عاجلة، تفعيل المقاومة الشعبية، مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وتوحيد المرجعيات وإنهاء الانقسام ( ). ويواجه هذا السيناريو العقبات التالية : 1. الأوضاع قد تصل إلى انتفاضة شاملة في الضفة ومواجهة عسكرية في غزة، ما قد يستدعي ردود فعل وخطوات إسرائيلية تؤدي إلى انهيار السلطة، لصالح خلق واقع من قيام كيانات محلية، تؤكدها خارطة ترامب، التي قسّمت ما أسمته فلسطين إلى أربع مناطق، هي غزة، وشمال الضفة (نابلس وجنين) والوسط (رام الله) والجنوب الخليل، وهو احتمال كارثي يفاقم من مشكلة الفلسطينيين ومن مشكلة حركتهم الوطنية. 2. القيادة الفلسطينية غير جاهزة لهذا الخيار، والقوى السياسية الفلسطينية ضعيفة ولا تملك البديل العملي، ولا توجد مجموعات جديدة تملك القوة الكافية لتغيير خارطة القوى السياسية، حركة “حماس” تعلّق الآمال على إمكانية نجاح المباحثات غير المباشرة مع إسرائيل للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد وإنهاء الحصار. 3. القوى المؤثرة إقليميًا ودوليًا تضغط باتجاه عدم التحول فلسطينيًا باتجاه هذا السيناريو. السيناريو الثالث: • بدء مجموعات وأفراد بالتعامل مع خطة ترامب ، وصولًا إلى إمكانية حدوث انقلاب على الرئيس وموقفه، والنجاح في الإطاحة به أو احتوائه ودفعه إلى التعامل مع الخطة، أو بعض بنودها، من دون التوقيع عليها. ولعل الفترة المحددة بأربع سنوات في الخطة لإقامة الدولة تمثل إغراء بعد أن يتضح عدم وجود بدائل عن “الصفقة”. • ستزيد احتمالية هذا السيناريو إذا تقدمت الدول العربية لدعم الخطة، ويتعزز هذا السيناريو كذلك بفوز نتنياهو وترامب في الانتخابات القادمة، وبتشكيل حكومة وحدة في إسرائيل، وستضعف احتماليته إذا خسرا الانتخابات. تتمثل نقطة ضعف هذا السيناريو في أنه يتضمن منح الشرعية الفلسطينية لخطة تصفية كل الحقوق الفلسطينية، مقابل تحقيق مصالح فردية وفئوية وعائلية وعشائرية وجهوية، كما أن الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني وقواه السياسية وأطره الشعبية ترفض التعامل مع خطة ترامب ( ). • التوجهات الإسرائيلية لاضعاف السلطة الفلسطينية لصالح إيجاد سلطة بديلة يمكنها القبول بالصفقة الامريكية، يشكل خيار محفوف بالمخاطر اذا ان الفشل في هذه الخطوة سينعكس سلبا على الاستقرار والأمن في الضفة الغربية؛ وفى تلك الحالة ستكون اسرائيل قد ارتكبت خطأها التاريخى عبر العودة بالأمور فى الصراع إلى النقطة التى كان عليها قبل اتفاق أوسلو عبر معادلة شعب أعزل يواجه جيش احتلال مدجج بالسلاح وجها لوجه وسيكون على إسرائيل تحمل مسؤوليتها القانونية كسلطة احتلال. السيناريو الرابع : • دراسة الصفقة وتقديم التعديلات بما يتوائم والرؤية الفلسطينية التي لا تتنازل عن الحقوق والثوابت؛ مع اشتراط أن يكون ذلك في حضور أطراف دولية بجانب الولايات المتحدة وأن تكون هناك ضمانات دولية لإلزام إسرائيل بالتنفيذ ومنح الفلسطينيين حقوقهم وفق جدول زمنى محدد تلتزم به إسرائيل أمام العالم. • وهذا السيناريو يأتي في ضوء أن المنطقة تمر بظروف سياسية مضطربة سواء الإقليمية أو العربية أو الفلسطينية وقد تم تدجينها من خلال مجموع الأزمات السياسية والاقتصادية التي مرت بها مما جعلها غير قادرة على مقاومة أي صفقات أمريكية؛ وأن إسرائيل فرضت الصفقة كأمر واقع على الأرض من خلال استراتيجية سياسية نفذتها خلال السنوات الماضية. • ووفق المؤيدين فان القيادة الفلسطينية منذ عام 1974 اختزلت قضية فلسطين بإقامة دولة في الضفة والقطاع، وفي حين أنها وقّعت على اتفاق أوسلو 1 واتفاق أوسلو 2 (طابا 1995)، الذي رضيت فيه بتقسيم الضفة إلى ثلاث مناطق (أ وب وج)، ثم وافقت على خطة خارطة الطريق، 2002 – 2003، كما وافقت على مسار أنابوليس 2007، تلك الخطط كانت تطرح على الضد من القرارات الدولية التي تم اتخاذها في شأن قضية فلسطين منذ سبعة عقود، وضمنها قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي. بل إن القرارات التي اتخذها ترامب، وضمّنها في خطته، أتت على الضد من السياسة التقليدية التي اتبعتها الإدارات الأميركية السابقة، بخصوص الأراضي المحتلة عام 1967 واعتبار القدس الشرقية أرضا محتلة، وبخصوص عدم إسباغ شرعية على الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. • ويعتبرون ان الرفض الفلسطيني هو جزء من ميكانزمات تطبيق هذه الصفقة؛ ولم يكن مصادفة أن أعطت الادارة الأمريكية مهلة أربع سنوات للفلسطينيين لدراسة الصفقة والرد عليها؛ حيث ستسعى إسرائيل خلال تلك السنوات الى إضفاء طابع الشرعية على هذه التسوية من خلال تكثيف الإجراءات لتغيير الوضع الديمغرافي ليتطابق مع خريطة صفقة القرن وشكل الكيان الفلسطيني؛ ولذلك سيكون من المتوقع ان تتسارع عمليات الاستيطان فى الأغوار والقدس ، بما يجعل من المستحيل تغيير هذا الواقع على طاولة المفاوضات فى أى مباحثات تسوية قادمة مستقبلا، كما ستسعى إسرائيل أيضا لاحداث تغييرات في الجسم السياسي الفلسطيني باتجاه إيجاد قيادات بديلة أو حتى موازية تقبل بالصفقة. • إسرائيل وحدها هي المستفيدة من تأخير التفاوض والعودة لسريان “الامر الواقع” الذي ساد في العلاقات الفلسطينيين والإسرائيليين منذ توقف التفاوض بينهما في عام 1999. ففي حوالي العشر سنوات الماضية منذ ذلك التاريخ تمكّنت إسرائيل من مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، وبناء العديد من المستوطنات على الأرض الفلسطينية، وأنجزت تقريبا ضم القدس الشرقية، وهي على ابواب فرض القانون الإسرائيلي على الأراضي التي صادرتها من الضفة الغربية. وكل ذلك في مخالفة للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. إن كافة هذه المخالفات والتجاوزات الإسرائيلية لم تتم أثناء سنوات التفاوض مع الإسرائليين بل بعد فشل المفاوضات وسريان الأمر الواقع. يرى العديد من الخبراء في مشكلة الشرق الأوسط أن المستفيد الأكبر من سقوط المبادرة الأمريكية هو إسرائيل، لأنها ستستفيد من العودة إلى سريان الأمر الواقع بكل الميزات التي تضمنته المباركة الأمريكية بدون تقديم أي تنازل حول أي موضوع لمصلحة الفلسطينيين على قلّته. العودة للتفاوض قد لا توقف هذا الجشع لنهب الأراضي الفلسطينية ولكنه سوف يسمح بتدخل دولي لوقف هذه الجرائم ويبرر كافة الوسائل التي قد يلجأ اليها الفلسطبنيون لحماية أرضهم ومقدساتهم ( ). • ويقترح انصار هذا السيناريو تقديم تعديلات على ورقة ترامب من شأنها محاصرة التوجهات الإسرائيلية لاستمرار فرض سياسة الامر الواقع خلال السنوات الأربع المقترحة للتفاوض ( ): 1. ان يتم تجميد الاستيطان بالكامل ، بما في ذلك التجميد في مستوطنات القدس. 2. عدم قيام إسرائيل بأية إجراءات من شأنها تغيير الوضع على الأرض وخاصة من جهة ضم مناطق او غور الأردن الى إسرائيل إلا بعد الانتهاء من كل مسائل الحدود وتبادل الأراضي. 3. أما في موضوع اللاجئين، فمن المستحيل قبول الفلسطينيين بأي حل لا يضمن التعويض والعودة الرمزية لإسرائيل على مدى سنوات طويلة قادمة، والحق الكامل لكل فلسطيني بالعودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية، ودون أن ترتبط حقوق اللاجئين الفلسطينيين بأي «حقوق» أخرى وخصوصاً تلك الحقوق التي تتحدث عنها إسرائيل حول حقوق اليهود العرب الذين «هُجّروا» من البلدان العربية. 4. وفي قضية الحدود، يستحيل أيضاً قبول الفلسطينيين بدولة لا تسيطر على حدودها، وان أقصى ما يمكن التوافق عليه هو وجود قوات دولية على الحدود بصلاحيات كاملة بمدة انتقالية وعلى ان تسلم هذه الحدود للدولة الفلسطينية بعد عدة سنوات فقط. توصيات : • إسرائيل لا تريد توقيع أى فلسطينى على هذه الصفقة التي تنفى وجود الفلسطينيين، وتتوقع اسرائيل والولايات المتحدة أن يتصرف الفلسطينيون كما اعتادوا ، ولذلك فالمطلوب فلسطينيا إنهاء النمط الارتجالي السياسي لصالح استراتيجية طويلة الأمد محددة الأهداف وواضحة المعالم تعيد تفعيل الارادة الشعبية للقرار السياسي الفلسطينى عبر توسيع المشاركة الشعبية فى كل مناحى الحياة السياسية الفلسطينية. وتقديم تصورا بديلاً منطقياً وبراغماتياً بلغة سياسية احترافيه سترسل رسالة واضحة للعالم بالرغبة بالسلام، وعدم التقوقع في مربع الرفض والنقد، وتثبت أن النزاع الأعقد ليس عصياً على الحل، وأن العرب محبون للسلام وراغبون به ومادون الايادي له، وشركاء يمكن للعالم الوثوق بهم وباتزان طرحهم، هذا العمل سيكون مفيداً وإيجابياً يغادر مربع الرفض ليقدم نظرة مستقبلية تقدمية، يتبعها عمل سياسي لحشد التأييد للرؤية الفلسطينية ( ). • الرفض وحده لا يكفي وعلينا التفكير بعقلانية وواقعية ، تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى القائمة، وتؤسِس لوضع استراتيجية عمل بعيداً عن الشعارات وكل أنماط العمل التي سادت طوال عقود، وصولا الى وضع استراتيجية وطنية تجمع ما بين توظيف عناصر القوة عند الشعب وهي كثيرة ومنها المقاومة الشعبية والعصيان المدني والمقاطعة ، وحراك سياسي ودبلوماسي ( ). • الرد على صفقة القرن يتطلب جهودا سياسية ودبلوماسية تتعدى السياسة المتعارف عليها وتقود لخلط الأوراق وقلب الطاولة في وجه نتنياهو وترمب، وهنا تكمن أهمية، تجاوز الضغوطات الإسرائيلية والأميركية على وجه التحديد التي تمارسها على القيادة الفلسطينية، وبات مهما توظيف الرؤية الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية لكيفية التعاطي مع المكاسب القانونية والسياسية على اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (67/19) للعام 2012، الأمر الذي منحها حق الانضمام إلى عضوية الوكالات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، والعديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية العامة، إضافة إلى تحقيق جملة من المكاسب السياسية والقانونية ( ). • بينما تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل الى تكريس سياسة الامر الواقع بما يعزز انفصال إسرائيل عن الفلسطينين ،

وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية الى السيادة الإسرائيلية ، والتخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية ، وصولا الى تحقيق هدف إقامة "الدولة اليهودية"، في خطوات تؤكد ان الجانب الإسرائيلي لا يسعى الى السلام ويعتبر الدولة الفلسطينية هي بمثابة خطر وجود يتهدد مصيره ، ونظرا للمعادلات الإقليمية والدولية والعربية ، فان الجانب الفلسطيني مطالب بإعادة النظر في خيار "حل الدولتين" والعودة الى خيار الدولة الواحدة وهو السيناريو الذي تتخوف منه إسرائيل. وهذا الامر يبدو بحاجة الى الدراسات المعمقة والمستفيضة وصولا الى القرار الذي يتناسب مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني. التاريخ : 1-3-2020م بقلم د. يوسف يونس (باحث مختص في الشؤون الدولية – نائب رئيس مركز الناطور للدراسات).