أي دعاية انتخابية هذه ...!
تاريخ النشر : 2020-02-29 12:33

بعد يوم ستجري الانتخابات الاسرائيلية للمرة الثالثة خلال عام، وسط ترقب من الجميع، بانتظار ما ستفسر عن هذه الانتخابات، وترتبط نتائج تلك الانتخابات بمدى قدرة الأحزاب في التأثير على الناخب الإٍسرائيلي، واقناعه بنزول مرة ثالثة لصندوق الاقتراع، ووفق ما جاء في بيان الدائرة المركزية للإحصاء الاسرائيلية؛ فإن نحو 5.9 مليون ناخب سيدلون بأصواتهم يوم الاثنين 2 مارس2020م، في حين بلغ مجموع الناخبين ككل نحو 6.453 مليون ناخب، بنسبة 9% في الخارج، منهم نحو 83 %إسرائيلي، و17% من العرب والدروز وغيرهم، الأمر الجديد هنا زيادة نسبة من يحق لهم التصويت بمعدل1.1%، وفي خضم هذه الجولة هناك عناصر أساسية تمحورت حولها الدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وأهمها:
أولاً: الرؤية الأمريكية" صفقة القرن"، حاضرة على جميع أجندة القوائم الانتخابية، بحضور اللجنة الاسرائيلية الأمريكية المشتركة لترسيم الحدود ووضع الخرائط؛ لترسيم عمليات الضم في الضفة الغربية، التي أعلن عن انطلاقتها من مستوطنة أريئيل شمالي الضفة الغربية، أثناء زيارة السفير الأمريكي فريدمان و بنيامين نتنياهو للتأكيد على المضي بتطبيق الرؤية الامريكية، حتى دون انتظار الأربع السنوات المنصوص عليها في الرؤية.
وليس صحيح أن إعلان الصفقة لم يخدم زعيم حزب الليكود، وذلك بفعل تزايد حدة النقاش حول قضايا الفساد والشبهات التي تحوم حول نتنياهو، وكان ذلك واضحاً من قيام نتيناهو بسحب طلبه للحصانة البرلمانية، والاستناد على صفقة القرن في دعايته، مما جعل التنافس على أشده مع حزب أزرق أبيض الذي بدا أكثر يمينا من إعلان تمسكه بصفقة القرن وتبينه للعمل على تنفيذ جاء فيها على أرض الواقع بعد تشكيله للحكومة المقبلة، وفي ذات السياق علقت في شوارع مدينة تل أبيب لافتات عليها صورة كل من الرئيس محمود عباس، والسيد إسماعيل هنية، كتب عليها "السلام يتحقق فقط مع الأعداء المهزومين".
وفي دعايته عمل أزرق أبيض على اقتناص أصوات اليمين الاستيطاني المتشدد، في خطاب يميني متشدد سواء عبر استعداده لضم غور الأردن وشمال البحر الميت، أو عدم مشاركته للقائمة العربية المشتركة في أية تشكيلة حكومية يقودها الحزب، وشن هجوماً على أعضائها، فكان أشد الاحزاب الصهيونية تمسكاً بشطب ترشح النائبة هبة يزبك، لتصبح هذه القضية جزء من خطابهم السياسي .
ثانياً: شكل الاستيطان لب المعركة الانتخابية، فبادر نتنياهو بالإعلان عن خطة بناء 3500 وحدة استيطانية في المنطقة الواقعة بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس المعروفة بمسمى E1 ، متفاخراً بموافقة الولايات المتحدة بتطبيق السيادة على غور الأردن وشمال البحر الميت؛ لتحقيق يهودية الدولة، دون الاهتمام للمعارضة الفلسطينية أو الأردنية على الضم، وخلال الاسبوع الثاني من الدعاية الانتخابية وصل عدد الوحدات الاستيطانية نحو 8200 وحدة ، وتزامن ذلك مع زيارة فريدمان لعدد من المستوطنات لتحديد المناطق التي سيتم ضمها، واستغل ذلك نتنياهو بالمجاهرة علنياً، بإنهاء حل الدولتين، حيث طرحت مناقصة علنية لبناء 3000وحدة استيطاني في جنوبي القدس، ونحو 2200 في مستوطنة هارحوماه.
كون الاستيطان ركن من أركان الصهيونية، جرى تسابق سريع من نفتالي بينيت في دعايته الاستيطانية أيضاً مشيراً فيها "لن نسلم ولو شبر أرض للعرب"، معلناً بناء 1900 وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة الغربية، تسابق دعائي أخر، أعلنه بينيت عبر اقامة بؤرة استيطانية " نوفي كراميم" في مدينة الخليل المحتلة، إلى جانب مصادقته على مخطط مشروع المصعد في الحرم الابراهيمي، وتحقيق حلم مؤيدوه بالسيادة على الحرم الابراهيمي.
وفي الإطار نفسه وضعت حركة ريغافيم المتطرفة على مداخل المدن الفلسطينية المحتلة للفتات باللون الأحمر تحذر المستوطنين من دخول القرى والمدن الفلسطينية على اعتبار أنها جزء من الدولة الفلسطينية العتيدة وفق رؤية صفقة القرن " توقف! انت تدخل منطقة الدولة الفلسطينية "؛ هدفها تعريف التيار اليميني المتطرف بخطورة اقامة الدولة الفلسطينية، كون مستوطنات الضفة ستصبح غلاف رام الله كغلاف غزة.
ثالثاً: ملف غزة الحاضر الكبير في هذه الجولة الانتخابية، فبعد غياب عن الجولة السابقة، عادت غزة بشكل قوي، مما أبرز حجم العنصرية والإرهاب الإسرائيلي من استغلال الأحزاب حادثة التمثيل بجثة الشهيد محمد الناعم أمام عدسات التلفزة، فقد تمادى بينيت خلال مؤتمر "مجموعة شيفاع" بإعداد خطة لإحداث تغييرات جذرية في غزة، دون أن يكشف عن طبيعتها، والتي انتهت بتمديد التفاهمات مع حركة حماس، التي تركت حركة الجهاد الإسلامي للمرة الثانية في مواجهة الاستهداف الإسرائيلي، وتمسك بينيت بقوة الردع الإسرائيلية التي طالت مواقع لحركة الجهاد في سوريا أيضا، حالة العنصرية الفج التي بدا عليها بينيت في تصريحاته وصلت لاعتبار ما يقوم به الجيش" يمثل اكثر من عمل انساني"!!
على محراب غزة تعالت المنافسة الانتخابية ما بين التهديدات بتوسيع العملية العسكرية ضد غزة، وعدم الاستعجال لها، فأكد نتنياهو استمرار مساعيه لاستعادة الهدوء والأمن للجنوب بغض النظر عن الثمن، حال نفذت الخيارات، ومع ذلك لازالت استطلاعات الرأي تراوح مكانها بين الحزبين الرئيسيين، فيما ارتفع تمثيل القائمة المشتركة بمقعد واحد لتضمن 14 مقعداً، لتفشل الأحزاب الرئيسية في تحقيق اغلبية برلمانية تضمن لها تشكيل حكومة بعيداً عن الحزب المنافس، وأظهرت الاستطلاعات أن فرص عودة الناخب إلى صندوق الاقتراع مرة أخرى لم تتجاوز العام تعادل 66% فقط.
رابعاً: حرب نفسية ضد فلسطينيو الداخل، فاستهل حزب الليكود دعايته الانتخابية بتوجيهات اتهامات لحزب أزرق أبيض، معتبرا أنه سيشكل حكومته حال فوز بدعم من القائمة العربية، وجند عدد من مستشاريه لتوسيع دائرة الاتهامات، ليس من أجل الحصول على الأصوات العربية، ولكن بهدف زعزعة الناخب العربي بالقائمة العربية وتفتيت أصواتهم، فكانت هجمة لتشويه الوعي أيضا، فأصبح الناخب العربي حاضر في التصريحات والندوات لدى الأحزاب الاسرائيلية ما بين التجاذبات والاتهامات.
فقد وضعت بوسترات حزب الليكود في الشوارع العربية وتضمنت مقتل "45" امرأة عربية في المجتمع العربية، متهماً عايدة توما رئيسة لجنة مكانة المرأة للكنسيت، بعدم تطوير المرأة العربية، كيف لا وهي سياسية اسرائيلية تمارس مع الكل الفلسطيني من اتهام الضحية من قبل الجلاد الاسرائيلي متناسياً أن في العقد الأخير من توليه الحكومة الاسرائيلية قتل أكثر من 1400 عربي؛ بسبب انتشار فضوى السلاح وهينة عصابات الإجرام وعدم قيام الشرطة الاسرائيلية بدورها في المدن والقرى العربية؛ باعتقادي ان ما يجري هو دق اسفين بين القائمة المشتركة والمجتمع العربي، وخفض نسبة التصويت بشكل عام لدى المجتمع العربي.
خامساً: الاتهامات المتبادلة، استعان حزب أزرق أبيض بقضايا الفساد المتهم بها نتنياهو، لتكون الدعاية الرئيسية له، وتوجيه الناخب بعدم استطاعته تشكيل حكومة مع اقترب مثوله أمام المحاكم الإسرائيلية، ولكن حتى تلك التهم لم تقنع الناخب بعدم انتخاب نتنياهو مرة أخرى في سبتمبر ومعاقبته انتخابياً، حيث أحدث نتنياهو جدلاً واسعا بين مؤيده حول مدى نزاهة طاقم التحقيق في الشرطة والنيابة والمستشار القضائي أيضا، ولذلك لم يعد نتنياهو قلقا من قضايا الفساد الموجه له بعد الصفقات التي عقدها مع الأحزاب اليمينية الدينية.
عامل أخير لجأ إليه حزب الليكود المساومات والابتزاز للأحزاب الدينية؛ وذلك بعقد وثيقة الولاء بين ثلاثة أحزاب دينية ستصوت لحزب الليكود، ولكنه فشل استمالة حزب "عوتسما يهوديت" ايتمار بن غافير لأيام؛ كونه لن يتجاوز نسبة الحسم 3.25%، والذي أعلن موافقته على الانسحاب من انتخابات القادمة؛ شرط إلغاء اتفاق أوسلو والتعهد بعد قيام دولة فلسطينية، إلى جانب إلغاء سلطة الوقف الإٍسلامي على الحرم القدسي الشريف، واخلاء التجمعات البدوية في الخان الأحمر شرقي القدس.
وفي الختام أمام هذه العنصرية الاسرائيلية في دعايتها ضد العرب المطلوب استنهاض القوة الفلسطينية، ورفع نسبة التصويت بينهم إلى أكثر من 60% عن الانتخابات السابقة، والتي كانت السباقة الأولى في تاريخ الانتخابات الاسرائيلية، بينما تراجعت نسبة التصويت بين اليهود بنحو نصف بالمئة...