تركيا والعرب
تاريخ النشر : 2020-02-28 09:14

لقد خسرت تركيا كلِّ قواعدها الشعبية في المنطقة العربية بعدما استبدلت نظريتها السياسية التي وضعها وصاغها الفيلسوف داوود أوغلو (صفر مشاكل) بنظرية جديدة صاغها الرئيس أردوغان (التدخل المباشر) ويبدو أنَّ تركيا تتجه لمواجهة شاملة في المنطقة العربية ستعيد للآذهان وللوعي العربي مرحلة الحكم العثماني الذي كان له الأثر البالغ في المآل النهائي لحالة الأمة العربية، وهذا يؤكد أنَّ المُخطط للسياسات التركية الحالية غير قادر على قراءة تطورات الوعي الشعبي الوليد بعد حرّاكات الشعوب العربية وما أفرزته من ويلات على الدول العربية والمجتمع العربي الذي أصبح يغرق تحت نظريات التطرف والتعصب والطائفية ... وأنَّ هذا المُخطط السياسي للسياسات التركية أبعد عن القدرة بتخطيط سياسي ينهض بتركيا كدولة اقليمية بل يدفع بها للانحصار في دائرة وحدود العداءات الشعبية التي تنَفض يومًا تلو الآخر عن تركيا الدولة الإقليمية التي استطاعت أنَّ تآسر تأييد الشعوب بعد عام 2002 وما وصل به أوغلو من سياسات حكيمة استنهضت الاقتصاد التركي والسياسة التركية ودفعتها لتحتل مكانة كبيرة في المنطقة العربية والشرق أوسطية، بل وفي المنطقة الدولية عامة.
فلا يكفي لتركيا أنَّ تحتضن وتنخدع بتأييد جماعة معينة تمتلك وسائل دعائية كبيرة وتروج لسياساتها وتخدع السياسات العامة، فهذه الجماعات التي تلتصق اليوم بتركيا تحاول أنَّ تمرر للشعب التركي ولمخططيه السياسيِّين إنها جماعة كبيرة تستطيع أنَّ تغير السياسات في المنطقة وتكون الحليف الأقوى لتركيا والداعم المحصن للسياسات التركية في ظّل حالة الريبة التي أصبحت تسيطر على شعوب المنطقة بعدما شهدتها من متغيرات ومستحدثات لم تلق أيَّ نجاح، بل أنَّ هذه الجماعة نفسها قد حققت وحصدت فشلًا ذريعًا في حكمها للعديد من الدول العربية بعد مرحلة الحرّاكات الشعبية فلم تنجح هذه الجماعة في اقناع شعوب سوريا وتونس وليبيا والسودان واليمن ومصر بسياساتها ومخططاتها وحكمها القصير، وحققت فشلًا كبيرًا في اقناع شعوب المنطقة بحكمها الداخلي حتى في قطاع غزة لم تحقق هذه الجماعة أيَّ نجاحات شعبية ولم تستطيع أنَّ تحقق مكاسب في الديموغرافيا الغزية الفلسطينية، بل أنَّ نسبة المناصرين قد تراجعت كثيرًا، كما أنها فشلت في القدرة على اقناع القوى الإقليمية - غير الوظيفية- في التفاعل والتدعيم، وفق سياساتها المنتهجة، كذلك الحال بالسياسات الدولية التي تنظر لها بعين الريبة وغير الثقة.
فقد خسرت تركيا قواعدها الشعبية في الأقاليم العربية وتحالفاتها السياسية والإقتصادية في مصر، وكذلك في سوريا، وفي السودان بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، وربما تشهد سقوطًا مدويًا في اقتصادها ونسبة الترويج والتسويق لمنتجاتها وسلعها في المنطقة بعدما فقدت أهم ركائزها في الخليج العربي بعدما تحالفت مع قطر، وكذلك في إيران بعد تحالفها مع القوى الإرهابية ضد سوريا، وهو ما يضعف قدرات تركيا الاقتصادية التي تعملقت وحققت نسبة نمو هائلة في العقد الأول من القرن الحالي، وأصبح لتركيا سوق كبيرة في المنطقة دَعم من مكانتها الاقتصادية، وقوتها الاستثمارية في الداخل التركي، أضف لذلك المغامرة العسكرية التي تحاول تركيا أنَّ تقوم بها في ليبيا وسوريا سيحقق فشلًا كبيرًا للرئيس التركي الذي سيدفع بقواته العسكرية في فوهة بركان لا يخمد أبدًا وفي تضاريس جيوسياسية لن يكون نتئجتها إلَّا هزيمة وتكدير للجيش التركي النظامي الذي يدافع عن قضية ليست قضيته وعن سياسات لا مكاسب منها سواء في المدى القريب أو البعيد بل سيتعامل معه شعبيًا ورسميًا كقوة احتلال دخيلة، ومواجهة مقاومة عنيفة من جماعات وقوى نظامية وغير نظامية لن يستطيع بأي حال من الأحوال تحقيق نصر بها، ولو في حدود النصر التكتيكي الذي يحاول الرئيس التركي تحقيقه في مساحة المعارك التي يحاول أنَّ يخوضها في سوريا وليبيا، كما أنه سيأجج قواعد التربص الداخلية التركية سواء على مستوى المجتمع التركي الداخلي أو مع قوى المعارضة التركية التي تستعيد قوتها يومًا تلو يوم وتستعيد ثقة الناخب التركي بها، بعدما استطاع حزب العدالة والتنمية أنَّ يقفز لسدة الحكم سابقًا في ظل سياساة التوزان والحنكة التي كان يدير بها معاركه الداخلية والخارجية، ويحقق نجاحات كبيرة ومتعددة.
فتركيا بسياساتها الحالية وبنظريتها السياسية الحالية تعيد وجه تركيا القديم في المنطقة العربية والشرق أوسطية، الوجه الذي كان يعتبر من أكبر حلفاء دولة الكيان الصهيوني وإنِّ حاول السيد أردوغان أنَّ يجمل هذا الوجه بالإبتعاد عن دولة الكيان الصهيوني في المرحلة الحالية.