رجل بظلال فلسطين ... محمد المدني
تاريخ النشر : 2020-02-25 11:41

يتحدث الكثير عنه ولكن القليل مَن يعرفه حقّ المعرفة، الرجل الذي رغم سنوات العمر مازال أشبه بمحرك لا يتعب، عقله كان ومازال يستنبط في كل اللحظات إبداعاً يتجاوز مَن سبقه في رؤيته وتأثيره على الواقع. و من رحم النضال الوطني خرج محمد المدني الذي وكما يُدرك الجميع لم يكن من الذين أُسقطوا على الواقع بعد أوسلو جرّاء ما حكمت به الظروف وفرضته الوقائع حينها، والرجل الذي تماهى مع تاريخ طويل ومشرّف لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" خُلق بذكاءٍ نادر وشجاعة يشهد لها الجميع فتَمكّن من التفوق على السياق العام داخل الحركة. محمد المدني الذي التقط فكرة لجنة التواصل بعد أن انتبه مبكراً الى أن الفلسطيني بعد سبعين عاماً من الصراع مع إسرائيل يواجه عدواً لا يعرفه لا بل يغدو بالنسبة له شبحاً،

بينما يعرف الإسرائيلي تفاصيل الواقع الفلسطيني وبأدق تجلياته وأكثر بكثير مما قد يعرفه الفلسطينيون عن واقعهم المعاش. أن تواجه دون امتلاك معرفة حقيقية أو سبر أغوار مَن تسعى معهم لصناعة السلام حيث فرض الواقع عليك العيش بجانبهم هؤلاء الذين يرون في الفلسطيني عبر منهجية بُني عليها فكرهم بالمجرم وعدو السلام لن يُمكِنَكَ من تغير فهمهم وتعاطيهم معك، ودون أن تمتلك الشجاعة للحديث معهم لتستمع لهم وتسمعهم صوتك، إذ أن مفاوضات السلام في الغرف المغلقة بعد ربع قرن على انطلاقها لم تستطع أن تقنع أحداً بجدواها كونَ المفاوض الإسرائيلي لم يجد موقفاً شعبياً إسرائيلياً داعماً لإقامة السلام والعيش المشترك مع الفلسطيني الذي صنعت له صورة في الرأي العام بالإرهابي والمجرم والقاتل لن يحدث اختراق في توجهات الشارع الإسرائيلي حيث يتنامى حضور اليمين المتطرف. وهنا نستذكر أنه وبعد سنوات قليلة من أوسلو انطلق البعض في ترتيب إقامة مخيمات شبابية لأطفال فلسطينيين وإسرائيليين على أمل بناء أجيال جديدة تتعايش مع السلام وتتفاعل معه لكن هذه النوايا (الطيبة) لم تحمل في واقع الأمر إلا أحلام أوروبية وأمريكية وردية لا صلةَ لها بواقع الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي. إن التهجم على لجنة التواصل التي أُسست بقرارٍ حركي ودعم كامل من القيادة الفلسطينية والمؤسسات الحركية لفتح يحمل الكثير من الغموض ويؤشر لتوجيهٍ واضح للرأي العام الفلسطيني يقوم عليه الطرف الإسرائيلي المنزعج من هذه اللقاءات فهو يعتبرها تحرك يصيب عمقه الاستراتيجي،

فليس مهماً بالنسبة له أن يخرج مئات الفلسطينيين غاضبين ضد صفقة القرن ولكن الأزمة تتفاعل عندما يجتمع إسرائيليون في تل ابيب لنقض الصفقة ومخاطبة المجتمع الإسرائيلي بآثارها الخطيرة على مستقبلهم، ومن يحاول استغلال بعض الأصوات عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بحكم فهمه الجيد للعقل الفلسطيني وردود فعله امتلك القدرة على التحكم فيه، وهنا يذكر الكل كيف انتشرت على هذه المواقع بعد الإعلان عن صفقة القرن حكاية دخول الرئيس محمود عباس لضريح الشهيد ياسر عرفات و من ثَم إعطاؤه التعليمات بتواجد كل الشباب على المحاور للاشتباك مع العدو والتي بان بالكاشف أن من قام بتمريرها ونشرها كثافةً في الأوساط الفلسطينية كانت صفحات مشبوهة تعمل بإشراف إسرائيلي. من ذهب للقاء تل ابيب لم يكن أبداً مفرِّطاً بالموقف الوطني، فهو لم يذهب ليلاً لتل أبيب لتناول العشاء أو السهر بل ذهبوا بقرار وتكليف رسمي ومزودين بأجندة سياسية،

وهذا جزء أساس من العمل الوطني لصالح القضية بعيداً عن ممارسات ولقاءات تتم في الخفاء لا يعلم أحد مَن يحركها وكيف تسير ولمصلحة من تكون. من المهم اليوم توضيح دور وواجب لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي كأداة أساسية في التعريف بالموقف الفلسطيني والرؤية السياسية لدى كل الاسرائيليين لأنه ليس المهم أن يقتنع الفلسطيني بعدالة قضيته فقط ومعه أشقاءه ومناصريه بل المهم أن يقتنع مَن يقف في الجانب الآخر من الصراع معنا، عبر الحوار مع السياسيين والمثقفين والجامعيين،

لأن النتيجة التي ثبتت وبالبرهان بعد ربع قرن من مفاوضات الغرف المغلقة أن أحداً من الإسرائيليين لم يفهم ماذا يريد الفلسطينيين غير تدمير دولة اسرائيل وإلقاء اليهود في البحر، بينما الحقيقة أن الفلسطيني يبحث عن حماية وجوده على أرضه وفي وطنه حراً كريماً بظل زوال الاحتلال.