لماذا يكره ترامب الدبلوماسية متعددة الأطراف؟
تاريخ النشر : 2020-02-23 21:56

منذ توليه سدة الحكم في الولايات المتحدة، يتبع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة دعم ثابتة لإسرائيل في قطيعة مع عقود من الدبلوماسية الأمريكية، فاعترف بالقدس عاصمة إسرائيل في ديسمبر 2017، وبضم الدولة العبرية للجولان من سوريا في مارس 2019، ثم أعلن عن صفقة القرن المشبوهة التي تقدم تنازلات عديدة لإسرائيل، لكنها لن تقود حتماً إلى السلام بالمعنى الطاغي لهذه الكلمة.

كشف السلوك الدبلوماسي لإدارة ترامب خلال الفترة  التمهيدية للإعلان عن الصفقة المزعومة، عن ازدراء عميق من رئيس أكبر دولة في العالم للدبلوماسية متعددة الأطراف بشكل متعمد، فقد تم تهميش الطرف الأوروبي منذ البداية وحتى النهاية، حتى أن الدبلوماسيين الغربيين لم يكونوا على علم كاف بتفاصيل الصفقة في مراحلها التحضيرية حتى تم الإعلان عنها، مثلهم مثل جمهور المشاهدين تابعوها من التلفاز، وبهذا عرقلت المبادرة الأمريكية أي مجهود دولي من أجل التوصل إلى إجماع واسع، وبدت واشنطن وهي تتعامل مع الدبلوماسية متعددة الأطراف وكأنها مصدر إزعاج يجب احتواؤه.

لكن ازداء ترامب للدبلوماسية متعددة الأطراف، والتي تعد من أهم نتائج الحرب العالمية الثانية، لا يمكن فصله عن احتقاره بشكل عام للعمل الجماعي والذي ظهر في مواضيع شتى ومتنوعة، فهو يكره التجارة متعددة الأطراف، ولطالما انتقد ترامب منظمة التجارة العالمية، وأشعل حرباً تجارية مريرة مع أبرز شركاؤه التجاريين وخاصة الصين والاتحاد الأوروبي، وهكذا خلال ولايته الرئاسية تغيرت صورة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، فقد بدت رغبته واضحة في تغيير دور بلاده في العالم، وهو يحاول الخروج التدريجي من الشرق الأوسط والانكفاء على الذات الأمريكية وفقاً لشعاره الأثير "أميركا أولاً".

يعد سلوك الرئيس الأمريكي المشين تجاه عرقلة الدبلوماسية العالمية جزءاً من سلوك أكبر فحواه احتقار الدبلوماسية الدولية، طالما أنها تأت بمعارضة قوية لسياساته الخرقاء، أو أنها لا تحقق "مصالح بلاده  الاستراتيجية" وفقاً لزعمه المتوهم، وإلا فإن سلوك الرئيس الأمريكي قطعاً هو ضد مصلحة الولايات المتحدة سواء على الأجلين المتوسط أو طويل المدى، إذ يلقي معارضة واسعة من بعض نواب الكونجرس وبينهم كثر من أبناء حزبه الجمهوري أيضاً.

أدت سياسات ترامب الأحادية ببعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة إلى الخشية من انتهاء العصر الذي كانت تمارس فيه واشنطن زعامة عالمية، وإذا حدث هذا، فإن العواقب يمكن أن تكون رهيبة مع فقدان أقرب الحلفاء، ولهذا فإن الفلسطينيين ليسوا فقط من يشعر بالصدمة تجاه سياسات ترامب المهادنة لإسرائيل بشكل فج، ولكن يشاطرهم أيضاً ذات الصدمة العميقة بقية العالم، وهو ما يكشف عنه تصويت الدول المتكرر في أكثر من مناسبة ضد السياسات التوسعية الإسرائيلية داخل أروقة الأمم المتحدة.

يمكن القول بأن السياسات اللادبلوماسية من جانب رئيس أكبر دولة في العالم دقت المسمار الأخير في نعش مفاوضات الحل النهائي حول القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والحدود النهائية، ويبدو أن الأمر كان مخططاً له بعناية ولم يكن محض صدفة، وفقاً لمنطق الاستكبار العالمي، وليس مبدأ الدبلوماسية الدولية، ولهذا فإن السلام المزعوم لا يمكن أن يتحقق بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال خطة متحيزة، بل على العكس ستؤدي تلك السلوكيات التي تفتقد أبسط مبادئ الدبلوماسية إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط التي تواجه توترات جيوسياسية بالغة الصعوبة، وغير مأمونة العواقب.