(خاص) في غياب دور الحكومة.. الخزان الجوفي في غزة مهدد بــ "الانهيار التام"
تاريخ النشر : 2020-02-10 23:31

غزة- نسرين موسى: "الماء سر الحياة"، مقولة تعني الكثير لسكان قطاع غزة الذي يحاصره الاحتلال من جهة وتحاصره الطبيعة من جهة أخرى، فالموارد شحيحة، ويزداد شح المياه في ظل التطور العمراني الأفقي، الذي يهدد خزانها الجوفي، الذي يوشك على النضوب، بينما يواصل الزحف الخرساني في تمدده حتى كاد أن يغطي رقعة اليابسة كلها التي نشأ عليها قطاع غزة.

ما هي الحلول التي يمكن وضعها لتلافي مشكلة نضوب مياه الخزان الجوفي؟ وكيف يمكن السيطرة عليها؟، وهل هناك خطط فعلية لحل المشكلة؟.

خطط كثيرة غير فاعلة

يقول د. أحمد حلس مدير عام التوعية والتثقيف البيئي في سلطة جودة البيئة:" إن مساحة قطاع غزة  378 متر مربع، وكمية الأمطار بمعدل 55 – 60 سم ، تعادل تقريبا 101 مليون متر مكعب ماء من المطر يغذي الخزان الجوفي جزء منها فقط،  لأن هناك جزء منها يذهب للصرف الصحي،  وجزء يصطدم بالباطون والاسفلت، ويذهب إلى مصارف المياه العادمة، ومحطات المجاري،  وجزء يذهب بفعل الجاذبية إلى البحر مثل وادي غزة وجزء يتبخر، و يغذي الخزان الجوي فقط 60% من كمية الأمطار، أي ما  يعني حوالي 70 – 80 مليون متر مكعب سنويا.

عجز مائي

ويضيف حلس لــ "أمد للإعلام": يحتاج المواطن في قطاع غزة إلى 60-70 لتر ماء يومياً، و نحن نتحدث عن حوالي 220مليون لتر مكعب لاحتياجات القطاع من المياه سنوياً، من زراعة وصناعة واستهلاك منزلي وغيرها، يعني ذلك وجود عجز مائي يفوق 140 مليون متر مكعب، يعوضه اقتحام مياه البحر إلى خزان المياه الجوفي".

وفي معرض رده على سؤال، لماذا يدخل 60% من مياه الأمطار للخزان الجوفي فقط ؟، يقول حلس:" لأنه تبنى كل عام حوالي 17000 وحدة سكنية في قطاع غزة، ويكون 45% منها على حساب الأراضي الزراعية، وهو الجزء الأفقي، وكل وحدة سكنية تمثل مساحات كبيرة تحجب وصول مياه الأمطار للتربة، ومن ثم للخزان الجوي، ويطلق عليها مناطق امساك مياه الأمطار "catch aera".

حقن مياه الأمطار

ويضيف حلس:" المشكلة ليست في المباني، بل في وصل مياه الأسطح بشبكة المجاري،  مشيراً إلى أنه اقترح على اللجنة المركزية التابعة لوزارة الحكم المحلي في غزة،  أن يضعوا شرطا لكل مبنى يتم ترخيصه،  بأن يعمل "قادوح" يتم من خلاله نقل مياه الأمطار من سطح المباني لحفرة تجميع المياه لترشيحها بفعل الجاذبية للخزان الجوفي ".

ويشير حلس أن سكان قطاع غزة يعتمدون بنسبة 97% على حاجتهم للمياه من الخزان الجوفي، لعدم وجود مسطحات مائية بالقطاع، ولا يوجد محطات ضخمة لتحلية مياه البحر".

ويقول حلس :" المشكلة ليست بالخطط التي يجب أن يتم وضعها للحفاظ على الخزان الجوفي بل بالتنسيق، والعمل بشكل متكامل بين الجهات المعنية "، مشدداً على أن البوصلة ضائعة  بين البلديات ومصلحة مياه بلديات الساحل، ووزارة الحكم المحلي، ووزارة الزراعة، وسلطة البيئة، وسلطة مياه التي تنقسم إلى قسمين ، جسم ينفذ مشاريع تابع إلى رام الله، وهناك سلطة مياه تابعة لغزة للجباية والآبار، وهناك نزاع ولا يوجد عمل مشترك وخط سير واضح وخطط مستقبلية.

*غياب دور الحكومة بشكل فاعل

ويؤكد حلس لــ "أمد للإعلام": إن  المسؤول الأساسي يجب أن يكون سلطة المياه لوضع السياسات والخطط ، واستجلاب التمويل وتنفيذ المشاريع العملاقة للمدى البعيد، لأن غياب دور الحكومة بشكل فاعل بغزة يؤدي إلى تنفيذ مشاريع بشق الأنفس، مع وجود عقبات أخرى، منها أن كل  بلدية لها عملها الخاص ضمن حدودها،  لذلك لا يمكن تنفيذ الخطط بشكل متزن، إضافة إلى الظروف السياسية والانقسام والحروب،  والفقر الذي يؤثر على الجباية، وخصوصا عند عمل صيانة للشبكات وخطوط المياه وإنشاء تمديدات جديدة، ناهيك عن أن  المواطنين لا يدفعون.

*مشكلة التمويل

يتابع حلس:" إن معضلة التطوير مرتبطة بالاقتصاد، والأخير يرتبط بشقين، الجباية المعدمة، وعدم القدرة على التحصيل بسبب فقر المواطنين، وعدم القدرة على جلب التمويل الدولي بسبب حصار الجهة التي تمول حماس، وعدم قدرتها للوصول لها، إضافة إلى أن الذي يمول السلطة غير موجود داخل غزة، ومن هنا يصبح التدهور والتراجع كشبح النمو السكاني الذي يسبب زيادة في الطلب على المياه كل يوم".

يختم حلس حديثه قائلاً:" هناك زيادة في عدد سكان غزة بمعدل 70 ألف مولود في السنة، يحتاجون للمياه، وهذا كله عقد المسألة وأضاع البوصلة وجعلنا احياناً نعمل على مشاريع طارئة وتدخلات عاجلة، ليست ضمن خطة استراتيجية وطنية مستمرة، وهذا كله يقع تحت مظلة الاحتلال فهو العائق الأساسي في دولاب توتير حياتنا بشكل عام.

الموضوع خطير

من جهته يقول نائب رئيس سلطة المياه بقطاع غزة، م. مازن البنا :" أن هذا الموضوع خطير جداً، لأن التوسع الأفقي يزيد من انتشار المد العمراني على سطح الأرض، وهذا يقلل فرص ترشيح مياه الأمطار المتساقطة على قطاع غزة ، وبالتالي يزيد العجز في مياه الخزان الجوفي مما يتسبب بتداخل مياه البحر للخزان الجوفي، وبالتالي  يزيد من ملوحة المياه .

وحول الإجراءات التي يجب أن تتخذ لتلافي الخطورة، يقول البنا في حديث خاص لــ أمد للإعلام:"، لا توجد خطة واضحة، ويمكن أن يتم من خلال عمل قوانين وأنظمة تحد من الانتشار الأفقي، وهذا له علاقة بملكية الأرض، حيث يجب أن تسمح بالانتشار الرأسي".

الزراعة والنظام البيئي مهددان

ويتفق م.نزار الوحيدي مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة مع سابقيه ويقول:"  أن التوسع الأفقي يهدد الخزان الجوفي ، ويهدد قطاع الزراعة والنظام البيئي ".

ويقول في حديث خاص لــ "أمد للإعلام": إن المد العمراني مر بعدة مراحل مختلفة بعهد الاحتلال، حيث كان يربط بإدارة الحاكم العسكري بقطاع غزة، وكان أهم وأكبر مشاريع زحفت على الاراضي الزراعية مشروع الشيخ رضوان، ومشاريع الإسكان في المناطق الاخرى كانت محدودة جدا وبسيطة، وفي فترة الانتفاضة كان زحف كبير على الاراضي، وكانت الفوضى تسود واستهلكت أراضي كثيرة، في ظل غياب القانون، رغم أن الاحتلال كان يمنع المد الافقي، والمحافظة على الأراضي بغرض الاستيطان ، وظلت الأراضي الحكومية بعيدة عن الزحف العمراني".

يضيف الوحيدي:" كما كان الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تقطيع الاشجار وتجريف الاحراش بحجج أمنية، مما جعل المواطنين يبيعونها للبناء عليها، وتحقيق مكاسب مادية كبيرة".

يتابع الوحيدي:" من سنة 1997 إلى 2004 تحول 500 دونم سنويا من اراضي زراعية لأراضي عمرانية، وفي فترة السلطة ظهرت مشكلة تملح المياه وتراجع الزراعة كمشروع عامر بغزة والساحل، لكن بعد خروج الاحتلال من قطاع غزة تحولت الكثير من أراضي المحررات لأراضي زراعية ".

وفي معرض رده على سؤال، هل يوجد هناك زحف عمراني مستمر؟ يقول الوحيدي:" لا يوجد لأن  اللجنة المركزية التابعة لوزارة الحكم المحلي في غزة ، قيدت المد العمراني، وأوقف المهندسين المندوبين الزحف العمراني غير المدروس .

يشير الوحيدي في سياق حديثه لــ "أمد للإعلام"، أن  هناك اراضي لايمكن أن تكون زراعية،  بسبب شح المياه وملوحتها ومحاصرتها بأراضي عمرانية، وضرورة تنفيذ الخطة المركزية ، وهذه كانت المشكلة الكبرى لأننا عملنا خطة مركزية ما تسمى "الماستر بلان" لضبط الاوضاع فدخلت اراضي ومناطق لاستخدامات أخرى غير زراعية،  مثل منطقة الساحل ومناطق سياحية،  وسُمِح فيها البناء لأغراض سياحية ، مما أدى الى تأثر القطاع الزراعي وخاصة في منطقة ساحل غزة الجنوبي الغربي، وأصبح هناك  مناطق مبنية،  مثل مدينة الزهراء ومدينة حمد ومدينة خليفة ومدينة الشيخ زايد، وعدة مشاريع كالمشروع السعودي الكويتي والياباني.

وحول الحفاظ على الخزان المائي في ظل هذه الظروف، يقول الوحيدي:"كل المناطق العمرانية التي انشأت في مناطق كانت تعتبر سرير الرمال الذي كان يغذي الخزان الجوفي مباشرة، وفي ظل البناء زاد معدل الجريان السطحي، ومنعت الكثير من المياه في الوصول للخزان الجوفي".

تجربة الحقن

وقال الوحيدي:" ان تجربة الحقن موجود منذ سنوات طويلة مارسها الأجداد منذ العهد الأنباط إلى اليوم، وهو نقل المياه من مناطق الهطول إلى مناطق التخزين وحُفر التجميع، ومشروع التجميع كلنا نفكر به ونطالب أن لا تكون هناك بناية مرخصة، إلا وتحتها حفرة ترشيح، أو حقن مياه أو استخدام مباشر كالتنظيف، وحتى إذا أمكن تحليتها وشربها".

ويشدد الوحيدي في ختام حديثه أن الخطط كثيرة وجاهزة وموجودة في أدراج وزارة الحكم المحلي، ووزارة الزراعة وسلطة المياه، وتنتظر التمويل لتفعيلها، لكن الوضع السياسي والحصار يعيق تفعيل مثل هذه المشاريع.