الموقف الإسرائيلي الداخلي من الرؤية الأمريكية "صفقة القرن"
تاريخ النشر : 2020-02-05 23:20

تسوية بلا أرض وبلا شعب، هكذا أرادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في رؤيته، والتي خرجت على شكل  vision وليس plan ، أو صفقة المصطلح الأكثر تداولاً، وهي  رؤية دينية صهيونية تستند لما جاء في سفر الخروج" اطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية، قليلا قليلا اطردهم من امامك إلى أن تثمر و تملك الارض"؛ أي أن عقيدة الطرد والترحيل لازالت مسيطرة على الاستراتيجيات الإسرائيلية المطروح لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.  

واستناداً للحلم الصهيوني" إسرائيل الكبرى" الذي يتمسك به اليمين الإسرائيلي، وفقاً لما جاء في سفر التكوين ( سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر، نهر الفرات) تمسكت دولة الاحتلال باستراتيجيتها أرض بلا سلام أفضل من سلام بلا أرض، ووسط الرفض الفلسطيني التام لكل ما جاء في الرؤية الأمريكية بوصفها تصفية للقضية الفلسطينية، حظيت هذه الرؤية بتأييد اسرائيلي واسع، على الرغم من اختلاف الأيدولوجيات المكونة للمجتمع الإٍسرائيلي،  فقد عبر استطلاع أجرته جامعة تل أبيب مع المعهد الديمقراطي أن 74% من المستطلعة آرائهم يرون فشل الصفقة في تحقيق هدفها؛ على الرغم من اقرارهم أن الرؤية الأمريكية تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، وأنها عبرت على البعد الأمني  لدولة الاحتلال، وجعلت من الفلسطيني أداة لتحقيق هذا الأمن.

ومع ذلك رفض اليمين الإسرائيلي المتشدد الخطة، كونها نصت على اقامة دولة فلسطينية على الرغم من أن الخريطة المرفقة لم تشر سوى إلى مقاطعات فلسطينية أشبه بالكنتونات المنفصلة عن بعضها البعض، التي لا تمثل أكثر من 15 % من مساحة فلسطين التاريخية، منزوعة السيادة والسلاح، لا يربطها سوى الجسور والمعابر الإسرائيلية وفق رؤيتها الأمنية المتحكمة بها، ولكن حزب  أزرق أبيض بزعامة جنيتس أيد  بنود الرؤية الأمريكية معتبرا اياها تتمشى مع مبادئ  الحزب واعتبرها اساساً متيناً لدفع التسوية السلمية مع الفلسطينيين، أما حزب اليمين الجديد الذي يتزعمه نفتالي بينيت فقد أصر على عدم قبول السيادة الجزئية واستغلال الموقف العربي والدولي وفرض السيادة الإسرائيلية على كل مكان تستطيع اسرائيل السيطرة عليه، مؤكدا رفضه السماح لأي حكومة اسرائيلية تعترف بأي دولة فلسطينية من ممارسة عملها أو التصويت لها.

ورأت أحزاب اليسار الاسرائيلية ان الرؤية الأمريكية بتوقيت طرحها جاءت خدمة لبينامين نتنياهو الذي أصبحت محاكمته قاب قوسين أو أدنى، إلى جانب تضمن الرؤية الأمريكية لخطوات أحادية الجانب المتمثلة بضم الأغوار ومستوطنات الضفة الغربية، أو بطرح عملية تبادل الأراضي مع المثلث والقاضي بالتخلص من عشر قرى فلسطينية بسكانها وهويتهم،  فقد رأت الأحزاب اليسارية أن الرؤية كي تكون ناجحة لابد من توفر تأييد فلسطيني لها، وهو لن يتحقق لأنها وضعت كي يرفضها الفلسطيني.

ووسط كل ذلك تفاخر أفيغدور ليبرمان رئيس حزب اسرائيل بيتينو بالرؤية الأمريكية معتبراً اياها خطته التي طرحها عام 2004م، وخاصة ما يتعلق تبادل الأراضي والسكان ورؤيته العنصرية للتخلص من قرى المثلث والتأكيد على يهودية الدولة وقانون القومية الذي ساهم في استصداره من قبل،  ولكنه أضاف حزبه سيوافق على تطبيق السيادة على غور الأردن والمستوطنات، ولن يوافق على اقامة دولة فلسطينية حسب توصيف الرؤية، ورأى رئيس حزب البيت اليهودي رافي بيرتس ان طرح الرؤية الامريكية حلم اسرائيلي قد تحقق  بوقوف  الرئيس دونالد ترامب  إلى جانب الشعب الإسرائيلي واعلانه أن فلسطين هي ملك  للشعب الاسرائيلي ، موضحاً أن ذلك اليوم يشكل يوم عيد لابد أن يتبعه تطبيق فوري للسيادة الإسرائيلية على غور الأردن والضفة الغربية، ورفض للوجود الفلسطيني بأي شكل كان حسب الخطة.

ورفض الوزير السابق بيني بيغن أحد أمراء حزب الليكود  والخصم الشديد لنتيناهو الرؤية الأمريكية بالكامل، نافياً امكانية تطبيقها على أرض الواقع كونها لا تمثل سوى تحديث للسياسة الأمريكية في المنطقة لسلبيتها عبر السماح بإنشاء دولة فلسطينية على أرض فلسطين غربي نهر الأردن، مشيراً لخطورة توسيع مساحة قطاع غزة على حساب أراضي النقب المحتلة، كما أنه رفض السماح بضم المثلث وتبادل أراضيه مع الدولة الفلسطينية لأن سكنها البالغ عددهم أكثر 250 ألف نسمة لا يمثلون أغراضاً لنقلهم من دولة إلى دولة. 

كما ظهرت بعض الأصوات الصهيونية المنددة بالرؤية الأمريكية  ومنها تمار زاندبيرغ، الذي اعتبرها أنها ليست خطة سياسية وانما خطة استيطانية من نتاج اليمين الامريكي واليمين الاستيطاني المطالب بالضم احادي الجانب تعرض الوجود الإسرائيلي للخطر.

ورفض كلاً من  يوسي بيلين وزير الخارجية السابق و مدير عام “مبادرة جنيف” غادي بلطيانسكي طرح الرؤية الأمريكية في هذا التوقيت وقبيل انتخابات الكنيست 23 ؛ لأنها تتطلب تشكيل حكومة منتخبة، وكذلك وجود طرف فلسطيني وهذا لم يتم، واعتبرها أنها غير مفيدة للسلام ولكن ربما تكون نافعة لهما.

ويمكن القول: أن هذه الرؤية أكدت بالصراع وجودي ديمغرافي بالدرجة الأولى، ومن الخطأ اعتبار أن ما احتوت عليه الخطة اعتراف امريكي بحق دولة الاحتلال في ضم الأغوار ومستوطنات الضفة، جاء لتعزيز فرص نتنياهو في خوض الانتخابات القادمة ولديه أوراق قوة، لأن كافة الكتل الحزبية  لديها شبه اجماع على تأييد الضم، على الرغم من قناعتهم أنها رؤية ستقضي على أي فرصة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وبالطبع تلك الكتل تعبر عن أن غالبية المجتمع الإسرائيلي بات يتجه نحو اليمين واليمين المتطرف الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو يحاول بكافة الوسائل اطالة حياته السياسية بإنجازات خارجية بعيداً عن الواقع الداخلي للمجتمع الإسرائيلي.