ماكو عرب
تاريخ النشر : 2020-01-29 16:22

عندما توفّي زعيم الأمّة الرّئيس جمال عبدالناصر قال بن غوريون أوّل رئيس وزراء لإسرائيل بأنّه بعد وفاة عبدالناصر لم يعد خائفا على مستقبل إسرائيل. والواقع أنّ المشروع القومي العربيّ تراجع بعد وفاة عبدالناصر وانتهى بعد احتلال العراق وتدميره في مارس 2003، وتمّ دفنه بعد إسقاط نظام القذافي عام 2010.

وجرت حروب استباقيّة لعدم إحيائه بالحرب الظالمة التي شنّها حلف النّاتو مع دول عربيّة وقوى متأسلمة على سوريّا منذ العام 2011.

وسيسجّل التّاريخ أنّ العرب قد استسلموا أمام الهجمة الصّهيونيّة منذ زيارة أنور السادات لإسرائيل، وقبلها عندما تبرأوا من القضيّة الفلسطينيّة عندما اعترفوا بوحدانية تمثيل منظّمة التّحرير للشّعب الفلسطينيّ، ورفعوا راية الإستسلام عندما خضعوا للشّروط الإسرائيليّة والأمريكيّة عندما ذهبوا إلى مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991 بوفود منفردة. واكتملت الدّائرة بخديعة أوسلو في سبتمبر 1993.

وللحقيقة فإنّ نتنياهو وترامب لم يأتيا بجديد في مؤتمرهما الصّحفي يوم 28 -1-2020، الذي تحدّثا فيه حول الخطوط العريضة لما يسمّى صفقة القرن، فقد كانت هذه الخطوط قيد التّطبيق على الأرض قبل ذلك، فترامب أعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6-12-2017، وتبعها في مايو 2018 بالإعتراف بالسّيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلة، وجرى تكثيف المستوطنات في القدس وبقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة، والجولان السّوريّة بطريقة متسارعة، وجرى إغلاق مكتب ممثليّة فلسطين في واشنطن، وقطع المساعدات الماليّة عن السلطة الفلسطينيّة وعن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيّين، وقطعت المساعدات عن الأردنّ لإجباره على تغيير موقفه من القدس، وتخلّيه عن الوصاية الهاشميّة عن المقدّسات.

وجاء إعلان ترامب ونتنياهو يوم 28 يناير الحالي كتحصيل حاصل كدعاية انتخابيّة وقودها فلسطين وشعبها والحقوق العربيّة. ولم يزد دور ترامب عن كونه مجرّد سكرتير لنتنياهو.

واللافت في ذلك المؤتمر الصّحفي الذي جمع ترامب ونتنياهو المتّهمين بالفساد كتظاهرة سياسيّة لتبييض صفحتيهما، هو وجود ثلاثة سفراء عرب كانوا يبتسمون ببلاهة بائنة. كما يلفت الانتباه هو ردود فعل الجامعة العربيّة ودولها المتراخية، وكأنّ الأمر لا يعنيهم، فهل يقتصر التّواطؤ العربيّ الرّسميّ مع صفقة عار القرن على الدّول العربيّة الثلاثة التي حضر سفراؤها إعلان الصّفقة؟

في كتاب نتنياهو الصادر عام 1994 وترجم إلى العربيّة تحت عنوان "مكان تحت الشّمس"، والذي لخّصه سكرتيره ترامب بما يسمى صفقة القرن، ورد على لسان نتنياهو" أنّ العرب يرفضون كلّ الحلول التي تعرض عليهم، ثمّ لا يلبثون أن يتكيّفوا معها"! لكن وكما يبدو فإنّ "التّكيّف" العربيّ الرّسميّ قد بدأ مع الصّفقة قبل الإعلان عنها، وإلا فكيف يمكن تفسير ما دعت إليه مصر والسّعوديّة " بدء مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت رعاية أمريكية." وكأنّ نتنياهو وترامب أبقيا للفلسطينيّين شيئا يتفاضون عليه! أليس هذا يعني ضمنا الموافقة على صفقة العار؟ وألا يعني هذا التّخلي عن المبادرة العربيّة التي انطلقت عام 2002؟ وألا يعني هذا التّساوق مع أمريكا في القفز عن القانون الدّولي والشّرعيّة الدّوليّة، واتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الإحتلال العسكريّ؟

لقد أدخل نتنياهو وترامب المنطقة في دهاليز مظلمة، ستكون نتائجها وخيمة على جميع دول وشعوب المنطقة، وستهدّد السّلم العالميّ.

لكنّ هذا يشكّل حافزا قويّا لإعادة اللحمة الفلسطينيّة، وتوحيد القوى كافّة في وجه الخطر الحقيقيّ الواقع، والتّاريخ لن يرحم أحدا.