الترويض السياسي والجماهيري في تمرير "صفقة القرن"
تاريخ النشر : 2020-01-29 08:35

من الواضح للعيان أن صفقة القرن التي بدأت ملامحها تظهر منذ ما يزيد عن سنتين كان يتناولها بعض السياسيين الأجانب والعرب على محمل الإنفعال السياسي الصهيو أمريكي من تزايد وتيرة الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية والتخوف  الصهيو أمريكي من إزدياد رقعة محور المقاومة كح

 والتقارب الإخواني الشيعي ومحاولة السيطرة على منطقة الخليج العربي ليكتمل الهلال الشيعي في المنطقة العربية وإستفادة تركيا منه بمساعدة دول عربية تؤيد تركيا في مساعيها للوصول إلى السيطرة على المنطقة العربية في شمال أفريقيا 

وربما يسأل سائل عن مدى إرتباط هذين المنهجين الشيعي والسني بعضهما ببعض نقول لهم بكل بساطة تلك هي سياسة المصالح الدولية والإقليمية تقف معي اليوم أقف معك غدا وكل يُغني على ليلاه 

وهذه السياسات ليست جديدة ففي الماضي كان الفرس يسيطرون على منطقة الخليج العربي بالكامل والدولة العثمانية تسيطر على باقي الوطن العربي واليوم التاريخ يعيد نفسه ولكن بلون جديد وشكل جديد

تلك الأوضاع الأمنية الخطيرة جعلت الإدارة الصهيو أمريكية تسارع إلى لعب دور محوري في المنطقة العربية خاصة في العراق وسوريا كمنطقة نزاع مسلح ومنطقة الخليج كمنطقة ثروات بترولية تعود بالمنفعة الإقتصادية على الإدارة الصهيو أمريكية 

ولذلك كان التدخل المباشر من تلك الإدارة المتنفذة بقوتها العسكرية الهائلة في الوقت الذي تريد إرضاء ملوك وأمراء وحكام الخليج العربي بشئ مما أثقل كاهلهم على مدار عقود طويلة من الزمن

 فكان لابد من إخراج صفقة القرن بصيغتها الصهيو أمريكية وإقناع دول الخليج بها والعمل على الترويج لها لكي تتجه أموالهم لمساعدة الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة والتوجه إلى تطوير تلك الدولة بدلا من هدر الآموال في تغذية الإرهاب ضد الكيان الصهيوني فكانت ورشة البحرين التي روجوا لها كثيرا وحاولوا إقناع القيادة الفلسطينية بحضورها والتي رفضت بدورها حضور تلك الورشة المسخرة 

 ( وتلك هي خزعبلات وإفتراءات الإدارة الصهيو أمريكية لإقناع حكام الخليج بضرورة المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وفتح باب التطبيع معه وصولا إلى علاقات دبلوماسية بلا خجل أو وجل من شعوبهم )

هذه الأوضاع الأمنية الخطيرة أوجدت للكيان الصهيوني ضالته في إحداث تغييرات شاملة على سياسته الأمنية والعسكرية فإستخدم قوته العسكرية والأمنية في ضرب سوريا والعراق بحجة المد الشيعي الذي من الممكن أن يصل حدود الكيان الصهيوني الشمالية بالإضافة إلى تعاظم قوة حركات المقاومة في كل من لبنان وقطاع غزة 

كل هذه المعطيات ساعدت في أخراج مسرحية صفقة القرن الملعونة ولكن لو وضعوها على الطاولة أمام العالم في حينها ربما إشتعلت الأرض تحت أقدام الحكام العرب ولكن إستخدام الإدارة الصهيو أمريكية لسياسة الترويض الجماعي والشعبي من خلال الحديث عنها في وسائل الإعلام المختلفة دون الإفصاح عنها 

حتى أصبح العديد من السياسيين والمتابعين لتلك الصفقة ومخرجاتها ظلوا في تيه طوال أكثر من سنتين لا أحد يعرف عنها إلا القليل بالرغم من الحديث عنها وتمرير بعضا من مخرجاتها حتى وصلوا إلى قناعة تامة أن الشعوب العربية أصبحت لا تكترث كثيرا بها وأصبحوا لا يُعيروا إهتماما له وكأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عاجز عن إخراجها ووضعها أمام العالم 

وتلك هي سياسة الترويض التي إستخدمتها الإدارة الصهيو أمريكية بحكمة وبعقل صهيو ماسوني والتي ربما يكونوا قد نجحوا بها في تمرير صفقة القرن بكل هدوء دون أن يُحرك الشارع العربي ساكنا تجاه هذه الصفقة الملعونة لأن الشارع العربي مُنهك من ثورات الفوضى الخلاقة التي أسست لها ودعمتها وغذتها الإدارة الصهيو أمريكية في الوطن العربي 

وأخيرا فإن سياسة الترويض الجماهيري قد نجحت في إلهاء الشعوب وتحييدهم على الأقل في مواجهة أي سياسة أو موقف سياسي عربي تتخذه الحكومات العربية حتى لو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية التي باتت تُشكل عبئا على الحكام العرب أمام التغول الأمريكي في المنطقة العربية

 ومحاولة كل حاكم منهم الهروب بعباءته وملكه الذي لا يفنى وأصبح لديهم قناعات خاصة بهم أنهم لن يستطيعوا الوقوف في وجه التيار الصهيو أمريكي ولذلك عليهم فتح أبواب بلادهم لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني فهي الطريقة المُثلى اليوم للمحافظة على عروشهم الهشة