"البالونات المتفجرة" وحسابات التهدئة .. والتصعيد
تاريخ النشر : 2020-01-26 12:28

عادت حرب «البالونات المتفجرة» من جديد إلى قطاع غزة، حيث استأنف شبان فلسطينيون عمليات إطلاق البالونات (16/1)، صوب المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، ووصلت في بعض الأحيان إلى المستوطنات والمدن المحتلة التي تبعد عشرات الكيلومترات عن حدود القطاع.

«البالونات الحارقة والمتفجرة»، هي إحدى الوسائل والأدوات النضالية التي استخدمها الشبان الفلسطينيون في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتغول في دماء المتظاهرين السلميين في «مسيرات العودة وكسر الحصار»، حيث أطلق الشبان خلال المسيرات عدد كبير من البالونات والطائرات الورقية المذيلة بالنيران والمواد المتفجرة اتجاه أراضي الـ 1948، وأدت إلى اندلاع حرائق كبيرة في الأراضي والمحاصيل الزراعية في داخل مستوطنات الاحتلال المحاذية للقطاع مكبداً إياها خسائر اقتصادية كبيرة.

ورغم توقف «مسيرات العودة وكسر الحصار» منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، إلا أن إطلاق البالونات، عاد إلى المشهد من جديد، الأمر الذي اعتبره محللون ومراقبون فلسطينيون، أنه ناجم عن تلكؤ ومماطلة الاحتلال في كسر الحصار المفروض على القطاع منذ ما يقارب الأربعة عشر عاماً، ومواصلة العدوان ضد الفلسطينيين العزل، سواء باستهدافه اليومي للمزارعين والصيادين، وعمليات التوغل قرب السياج الحدودي الفاصل، واعتقال المسافرين على حاجز بيت حانون «إيرز».. إلخ.

وقال المراقبون، إن «إطلاق البالونات جاء بسبب تعنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ «إجراءات تخفيف الحصار» برعاية الوسطاء المصريين والأمميين، خاصة في ظل الوضع السياسي الحالي في إسرائيل والتنافس على الحكم في حلبة الانتخابات، والتي ألقت بظلالها على إجراءات تخفيف الحصار على القطاع».

بدوره، أوضح الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حسام الدجني، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي والوسطاء لا يعملون بشكل كاف من أجل تطبيق «إجراءات تخفيف الحصار»، التي بنيت بالدرجة الأساسية على وقف الأدوات والوسائل النضالية لمسيرات العودة وكسر الحصار. مضيفاً: «عندما توقفت المسيرات واصل الاحتلال مماطلته وتلكؤه في تطبيق «إجراءات تخفيف الحصار» أكثر من السابق، ما دفع إلى إطلاق البالونات للضغط على إسرائيل، ولفت الانتباه إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة».

واستبعد الدجني في حوار لـ«الحرية»، فرص التصعيد العسكري على قطاع غزة في هذا التوقيت، قائلاً: «الفرص ضعيفة، والأولوية القصوى للمواجهة حسب تقديرات المؤسسات البحثية والأمنية في إسرائيل هي لجبهة الشمال «لبنان وسوريا»، خاصة أن الأمور ما زالت قاتمة بعد جريمة اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

واستدرك الدجني حديثه، «في الوقت نفسه، مسألة ذهاب إسرائيل باتجاه المواجهة العسكرية مع قطاع غزة ليس صعباً عليها، فالمحدد الميداني مهم جداً في تقييم الأمور، بمعنى إذا انفجر بالون أو صاروخ أو ما شابه في مكان ما داخل المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع، وأدى إلى إحداث خسائر مادية أو بشرية لدى الاحتلال، سيؤدي لرد عسكري إسرائيلي والرد سيقابله رد للمقاومة الفلسطينية، وقد يؤدي إلى تدحرج الأمور، ولا أحد يضمن عدم اندلاع أية مواجهة العسكرية على جبهة غزة».

وأضاف المحلل السياسي: «في السياق السياسي المجرد والتحليل المنطقي، إشعال جبهة غزة ليس في حساب الاحتلال وما زال بعيداً، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في 2 آذار(مارس) 2020».

من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، أن إطلاق «البالونات المتفجرة»، يهدف لإيصال رسالة فلسطينية من القطاع المحاصر إلى إسرائيل، مفادها أن استئناف استخدام «الأدوات النضالية» يبقى قائماً في حال لم تتقيد إسرائيل بالتزاماتها التي تضمنتها في «إجراءات تخفيف الحصار» بوساطة عربية وأممية.

واستبعد حبيب في تصريحات صحفية، أن يؤدي استمرار إطلاق البالونات إلى تصعيد إسرائيلي كبير، كون الوضع الداخلي الإسرائيلي والانشغال بالانتخابات لا يتحمل عملية عسكرية واسعة النطاق، لكن قد يتجه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تصعيد محدود ومدروس، لأنه لا يريد الانجرار إلى مواجهة واسعة جديدة قبل الانتخابات، قد تطيح به إلى الهاوية.

لاشك أن المحددات الميدانية في قطاع غزة قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع، لكن ما هو مرجح بأن الأمور ستستمر في تصعيد محسوب ومدروس، يبقي القطاع بعيداً عن عدوان إسرائيلي واسع وشامل، وهو ما سيعيده إلى المربع الأول حينما يتدخل الوسطاء لإيقاف التصعيد وتقديم تعهدات جديدة بتحسين الوضع لتفادي تدهور الأوضاع، لكن يبقى السؤال، «هل المقاومة ستبقى مكتوفة الأيدي في حال شنت إسرائيل عمليات اغتيال و«تصفيات جسدية» ضد مطلقي البالونات المتفجرة صوب المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع؟».