القاتل والأربعين زعيما
تاريخ النشر : 2020-01-25 23:27

لا يستطيع إنسان عاقل، ومحب للعدالة، والحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وينادي بالتسامح بين بني البشر إلآ ويبارك كل جهد إنساني وسياسي يحيي ذكرى محرقة الهولوكست النازية ضد اتباع الديانة اليهودية، التي إرتكبها تظام هتلر النازية في اربعينيات القرن الماضي. لكن إحياء الذكرى لا يتم مع رجل قاتل حتى لو كان يهوديا. لإنه بالمعنى الدقيق للكلمة ليس يهوديا، ولا يمثل اليهود الأبرياء ضحايا النازية، انما هو صهيوني عنصري ومنتج للكراهية والقتل، وهو أداة تخريب، وصانع حراب ضد البشرية كلها، وليس ضد الفلسطينيين وحدهم، بل ضد الرأسمالية الغربية، التي أنشأت المشروع الصهيوني، ورعته، وطورته، ومازالت تتبناه حتى الآن ممثلة بالولايات المتحدة الأميركية. لإنه شر متحرك، ولا تحكمه ضوابط، ومسكون بعقدة النقص التاريخية، من كونه إبن لابوين يهوديين، وعليه فحقده لا يتوقف عند الفلسطيني والعربي عموما، الذي لم يكن يوما إلآ حاضنا لليهود واليهودية في الأندلس وفي بلاد العرب جميعا، والدولة الإسلامية الخلافية.

بالتأكيد شكرا للزعماء ال40 بغض النظر عن تلاوينهم الفكرية والعقائدية والسياسية، الذين حضروا لدولة الإستعمار الإسرائيلية ليحييوا ذكرى المحرقة. لكن إذا إقتصر مجيئهم لإسرائيل الإستعمارية، وبانية أسوار الحقد والكراهية والعنصرية، وشد الأيدي على يد القاتل والفاسد، ومنتج المحرقة الجديدة ضد الشعب العربي الفلسطيني، يكون مجيئهم بلا معنى، وهو عبارة عن مجاملات فارغة غير ذات معنى، لا تقدم ولا تؤخر. وإن كانوا قادمين لإيقاف المجزرة والمذبحة الصهيونية ضد الفلسطينيين العرب، اصحاب الأرض والشعب المنكبوب منذ 75 عاما، ولإعادة الإعتبار لعملية السلام، فالبتأكيد مجيهئم ذات مغزى، ويحمل رسالة سلام، وتعميق درس التعايش والتسامح وإنهاء وإزالة آخر إستعمار وحشي في التاريخ المعاصر.

ويا حبذا لو ان زعماء العالم، الذين جاؤوا لفلسطين التاريخية، لو ناقشوا بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة تسيير الأعمال الإستعمارية فيما صرح به، عندما إدعى أول امس، انه يسعى من خلال "إحياء ذكرى المحرقة النازية ضد اليهود الأبرياء لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، وليحول دون محرقة جديدة." وماذا عن جرائم حرب دولتكم ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني، المنادي بالسلام، والممسك قائده ورئيسه بغض الزيتون؟ وهل انتم مسموح لكم البطش بالشعب الفلسطيني ومصالحه وحقوقه، وممنوع على الآخرين ان يدافعوا عن انفسهم ضدعدوانيتكم؟ ولماذا انتم تملكون السلاح النووي، وغيركم حرام عليه؟ هل انتم فوق البشر، أم مساوون لهم؟ وما هي معايير العدالة السياسية بالنسبة لكم؟ وما هي معايير السلام الممكن والمقبول مع الشعب العربي الفلسطيني، صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري قبل ابو الأنبياء إبراهيم الخليل وسارة وهيجر والأسباط ووجود الديانة اليهودية في فلسطين التاريخية؟ أليسوا هم أحفاد الكنعانيين الفلسطينيين؟ هل فكرتم بالمستقبل؟ وماذا لو بقيتم على ذات النهج والسياسة الإستعمارية العنصرية؟ ماذا ستحصدون من تداعيات ذلك؟ هل ستحصلون على السلام والتعايش مجانا؟ وهل سيقبل الفلسطينيون ذلك؟ هل سيتنازلوا عن حقوقهم القانونية والسياسية الممكنة والواقعية والمقبولة، والمنسجمة مع مرجعيات عملية السلام والقرارات الدولية ذات الصلة؟ وحتى لو جاء ترامب  طرح صفقة القرن، هل سيتمكن من تصفية الحقوق والمصالح السياسية والقانونية والإقتصادية الفلسطينية؟

لا اعرف إن كان هناك من بادر من الزعماء طرح الأسئلة على الزعيم الإسرائيلي الفاسد، نتنياهو، أم لا. لكن يمكن تسجيل التثمين للزعماء الذين أصروا على لقاء الرئيس الفلسطيني، والإستماع للمواقف ذات الصلة بالصراع، وتأكيدهم لدعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، واعلنوا رفضهم لجرائم الحرب، والإعلانات المتواترة عن ضم الأغوار الفلسطينية وغيرها.

تبقى هناك ضرورة لتأكيد الموقف من السياسات الأميركية والإسرائيلية ومن يدور في فلكهم من الدول والقادة، والذي يقوم على ركيزة اساسية، عنوانها تخطئة كل من يعتقد ان إسرائيل تستطيع ان تفني وتطرد الشعب العربي الفلسطيني من أرض وطنه مجددا. ويخطىء ترامب وكل أركان إدارته، ونتنياهو وكل إئتلاف اليمين المتطرف، وكاحول لافان ومن لف لفهم في حال إعتقدوا ان الشعب العربي الفلسطيني الممسك بغصن الزيتون يمكن ان يرفع الراية البيضاء، وينحني للمشروع الصهيو أميركي. فإما ان ينتصر السلام الممكن والمقبول، أو ليتحمل كل زعماء العالم المسؤولية عما سيؤول إليه الواقع على الأرض في المستقبل المنظور. لا سيما وان إسرائيل تؤجج شرارات الصراع في الإقليم ككل، وليس في فلسطين وإسرائيل لوحدها.