قرار لبناني عنوانه العريض منع انهيار "فتح"
تاريخ النشر : 2013-10-05 08:26

قبل فترة قصيرة زار القيادي الفلسطيني المطلع على الملف الفلسطيني في لبنان عزام الاحمد بيروت لبضعة ايام، عقد خلالها اجتماعات مكثفة مع الفصائل داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية، والتقى مسؤولين لبنانيين وقيادات أمنية وقوى على تماس مع الموضوع الفلسطيني في لبنان. الزيارة المفاجئة حسب المعلومات تمت بناء على طلب من قيادة حركة "فتح" في لبنان، وعلى تمنٍ من السلطة اللبنانية المعنية مباشرة بهذا الملف وتفصيلاته ومتاهاته.

العنوان العريض المعلن لهذه الزيارة هو العمل سريعاً على رأب الصدع داخل حركة "فتح" التي شهدت ما يشبه حركة تمرد وعصيان لبعض رموزها في مخيم عين الحلوة اثر قرار اتخذته قيادة فرع لبنان باقالة مسؤولين وتعيين آخرين مكانهما.
اما العنوان الأكثر دقة، والذي استدعى هذا الاستنفار من جانب الدولة ومن الجانب الفلسطيني المعني، فهو الحؤول دون انهيار جسم حركة "فتح" مركز الثقل الفلسطيني في لبنان (عين الحلوة) لمنع سيطرة القوى والمجموعات الفلسطينية المتشددة على المخيم المذكور واستطراداً على الوضع الفلسطيني في الساحة اللبنانية عموماً، لأن المعادلة الفلسطينية الحالية في لبنان فحواها ان من يقبض على زمام الأمور في المخيم، الذي يضم بين جنباته اكثر من 70 الف فلسطيني، يقبض عموماً على الملف الفلسطيني في لبنان ويصير هو الرقم الأصعب في المعادلتين اللبنانية والفلسطينية على حد سواء.
المعلومات المتوافرة بعد مغادرة الأحمد الى رام الله اشارت الى انه نجح الى حد بعيد في الحؤول دون حدوث مزيد من التشظي والتشرذم في داخل الحركة الفلسطينية الأم والتي صارت بشكل او بآخر الحركة العجوز وتواجه مناقشات جدية ولا سيما بعد "الربيع العربي" وما نتج عنه من تداعيات وأوضاع جديدة في مصر وسوريا.
"النجاح" المحدود تجلى على الاقل في تجميد قرار ابعاد "اللينو" الشخصية الامنية القوية التي ترتاح الى التعامل معها السلطات الامنية اللبنانية فضلاً عن فصائل وشرائح واسعة داخل الاجتماع الفلسطيني ولا سيما اولئك الخائفين من ساعة تقرر فيها المجموعات المتشددة، التي باتت مثل الخلايا النائمة، ان تتمدد من البؤر التي تسيطر عليها تماماً في اتجاه البؤر الأخرى التي تسيطر عليها الفصائل الأخرى لتصير هي المرجعية المسيطرة داخل عين الحلوة والتي لها قنوات اتصال وجسور تواصل مع مجموعات لبنانية وغير لبنانية متشددة تقيم في مناطق على تخوم المخيم (التعمير) وصولاً الى داخل صيدا نفسها وما تمثله في جغرافيا الجنوب السياسية والأمنية.
إذاً ثمة مصلحة كبرى للدولة اللبنانية أو لجزء اساسي منها على الاقل في المحافظة على حركة "فتح" وفي الحؤول دون تحقيق رغبات مجموعات وجهات أخرى في تحطيمها واضعافها وتفكيكها، فهذه الحركة، رغم كل ما تعانيه داخل بنيانها العتيق من تناقضات وصراعات، صارت بالنسبة للجهات اللبنانية الرسمية وبالنسبة الى قوى لبنانية أخرى ومنها "حزب الله" عنصر ضمان واستقرار في هذه المرحلة بالذات، حيث الساحة الفلسطينية في حالة تحوّل وتذبذب عميقين منذ حلول ما صار يعرف بـ"الربيع العربي"، وما تمخض عنه من تداعيات وارتدادات في كل المجتمعات العربية من دون استثناء.
فالمخيم الفلسطيني في لبنان على وجه الخصوص لم يعد كما يعهده الذين يعرفونه سابقاً، فالشعارات والنقاشات فيه اختلفت وغابت القضايا الكبرى ليحل محلها الحديث عن العصبيات المذهبية، وغاب جيل العقال المهجوسين بالقضية الأم وحل مكانهم جيل من الشباب الضائع الذي أخذته لوثة التعصب.
وعليه فإن الدولة اللبنانية وبالتحديد الأجهزة الأمنية، ولا سيما جهاز مخابرات الجيش، و"حزب الله"، بذلت في الآونة الاخيرة وبالتحديد في الاشهر العشرة الاخيرة جهوداً جبارة بالتنسيق مع حركة "فتح" وما تبقى من الفصائل الاساسية لئلا ينجح المتشددون في ان يبسطو ظلال هيمنتهم وثقافتهم على المخيمات الفلسطينية، وبالتالي تتحول هذه المخيمات الى اداء وظيفة ودور خططت لهما جهات وعواصم، وهي فتح خطوط تماس مع الجوار المحيط او ان تصير المخيمات "احتياطي" الفتنة الجاهز والمتأهب، إذا ما أطلت برأسها ودنت ساعتها.
ولم يعد خافياً أن "حزب الله" شكل "خلية أزمة" في الأشهر الأخيرة مهمتها الأساسية إبقاء مخيمات اساسية على احتكاك مباشر مع الوجود الشيعي للحزب وخصوصاً مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا (أو ما تبقى منهما) في حال حياد، على نحو يمنع انفتاح محاور اقتتال أو خطوط تماس. خصوصاً بعد حدث شهده مخيم برج البراجنة إبان فترة تولي الحزب الامن داخل الضاحية الجنوبية، وعلى مداخلها، مما استدعى من الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان ينوّه في خطابه الأخير بالجهود التي بذلت لضبط الموقف في هذا المخيم ولا سيما بعد سقوط قتيل من سكان المخيم.
ولا تُنسى بطبيعة الحال الجهود التي بذلتها الفصائل ومعها حركة "حماس" إبان احداث عبرا الأخيرة للحيلولة دون الاستجابة لنداء وجهه انصار الشيخ احمد الاسير لبعض المجموعات الفلسطينية لنصرتهم ابان دخولهم ميدان المواجهة مع الجيش.
اما لماذا لا تكون حركة "حماس" احدى القوى التي يعتمد عليها لضبط الموقف في المخيمات، فلسبب بسيط ومباشر وهو ان الحركة وقعت في حالة ضياع بعد خروجها من دمشق ولم تعد قيادتها مسيطرة على العديد من قواعدها التي إما خرجت منها لتدخل مع المجموعات المستعدة لكل الاحتمالات في لبنان وسوريا، وإما انه لا يمكن الركون اليها، خصوصاً بعدما اظهرت التحقيقات الرسمية ضلوع بعض كوادرها ومنهم علاء ياسين، الذي ما زال متوارياً، في اعمال تخريبية إرهابية ومنها اطلاق الصواريخ على الضاحية الجنوبية في ايار الماضي والذي يعد بمثابة فتح لعهد جديد من التوترات الأمنية في لبنان.
وفي كل الأحوال، الجهات الرسمية والأمنية المعنية صارت تتعامل مع الملف الفلسطيني في لبنان على اساس انه ملف داخلي صرف، فالفلسطينيون في لبنان في حال تشوش وارتباك.

عن النهار اللبنانية