مدرسة ترامب لإلغاء الحماية المجانية
تاريخ النشر : 2020-01-21 12:14

منذ تولى المتصهين اليميني المتطرف ترامب الحكم في امريكا قبل اكثر من عامين،وسياسته الخارجية لم تقم لا على استراتيجية ولا رؤيا سياسية،بل يعتمد سياسة البلطجة والزعرنة،والنظر الى قضايا العالم على أنها صفقات تجارية،ولا غرابة في ذلك فهو قادم من  كارتيل ريعي احتكاري،يحكمه الجشع والطمع و" تسليع" البشر،ونهب خيرات وثروات الشعوب،وقد وجد ضالته هذه في المحميات الخليجية العربية،والتي تعامل معها بدونية واستخفاف وإمتهان للكرامة والسيادة،بانه لن يؤمن الحماية المجانية لهذه الدول،وعليها ان تدفع ثمن تلك الحماية،وبالفعل ضمن هذه السياسة نجح في "إستحلاب" مئات مليارات الدولارات من السعودية والإمارات وقطر والبحرين وغيرها من المحميات الخليجية،فالإدارة الأمريكية صورت لتلك المحميات عدواً افتراضيا يريد أن يبتلعها ويقضي على عروشهاً،ومقابل ذلك ولكي يؤمن لها الحماية،فلا بد من " الإستحلاب" المالي،وعملية " الإستحلاب" تلك توسعت بعد قصف مجمع "أرامكو " النفطي السعودي بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل جماعة انصار الله" اليمنية " الحوثيين،حيث هذا القصف خفض انتاج السعودية من النفط الى النصف،ومن بعد ذلك عندما أقدمت الإدارة الأمريكية على اغتيال،رئيس أركان محور المقاومة،وقائد فيلق " القدس" الإيراني قاسم سليماني ومعه القائد ابو مهدي المهندس،نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي،وقيام ايران رداً على تلك العملية بقصف قاعدة " عين الأسد" الأمريكية في العراق  القادسية سابقاً،تلك العملية التي قال  عنها مهندس عملية الإغتيال الجبانة جورج بومبيو وزير الخارجية الأمريكي،بأنها تأتي في إطار استراتيجية اكبر ل"ردع" ايران،وأن كانت تشمل روسيا بإثارة القلاقل والإضطرابات في أوكرانيا،والصين عبر المناورات البحرية في بحر الصين الجنوبي.

 الرد الإيراني الجريء دقة وتوقيتاً وتبنياً بقصف قاعدة " عين الأسد " الأمريكية في العراق،والذي أحدث دمارا كبيراً في تلك القاعدة،وخسائر بشرية،لم يكشف عنها حتى اللحظة،مما افقد تلك القاعدة اهميتها وفعاليتها،وبين سهولة وقدرة منظومة الصواريخ الإيرانية على اختراقها،هذه العملية كان لها أصداء كبيرة عند دولة الكيان الصهيوني،التي كانت دائمة " التبجح" بقدرتها على تدمير ايران،حيث بعد وقوع عملية الإغتيال حظر رئيس وزرائها المنفوخ كالطاووس نتنياهو،على وزرائه وحكومته،الحديث بان هناك دور لإسرائيل في هذه العملية،وفي الإستطلاع الذي اجراه معهد " أبحاث الأمن القومي" الصهيوني ل 800 مواطن اسرائيلي،أشار 72% منهم بأنهم غير مستعدين للحرب،وبأن الجبهة الداخلية،هي الأخرى ليست جاهزة لسقوط ألآلآف الصواريخ يومياً على تلك الجبهة..نتنياهو يواصل " تبجحه" بأنه سيتغلب على طهران وطموحاتها النووية،كما تغلب على المد العروبي القومي.

ولكن التداعيات الأكبر لتلك العملية،كانت عند الأمريكان والأوروبيين،حيث احدثت إنقلاباً في معادلات الضعف والقوة في الإستراتيجية الأمريكية والأوروبية،ولذلك وجدنا الرئيس الفرنسي ماكرون ينطق باسم الأوروبيين،بأنهم نفضوا ايديهم من الإتفاق النووي الإيراني،وتخلوا عن سعيهم ومشروعهم لتخفيف العقوبات الأمريكية على ايران،وإيجاد آليات مالية بديلة،وهذا يعني بشكل واضح الإصطفاف خلف أمريكا،فنحن بعد قصف قاعدة "عين الأسد" الأمريكية في العراق،والقرار الذي اتخذه البرلمان بإخراج القوات الأمريكية من العراق،ووقف العمل بالإتفاقية الأمنية مع ما يسمى بقوات التحالف،ومطالبة قوى المقاومة العراقية بخروج القوات الأمريكية المحتلة من العراق،وليصبح مطلب محور المقاومة خروج القوات الأمريكية المحتلة من العراق وسوريا،وكما قال سماحة السيد ح   س  ن   ن  ص  ر  ا لل ه اذا لم تخرج عمودياً ستخرج أفقياً،وأمريكا اعلنت بانها لن تخرج من العراق،إذا لم يدفع لها ثمن قواعدها الإحتلالية وخسائرها هناك،ناهيك عن احتجازها ووضع يدها على 37 مليار دولار من عوائد النفط العراقية موجودة في بنوكها،وبريطانيا اعلنت بانها ستدافع عن جنودها ومصالحها في العراق،وسفيرها كان متورطاً في التحريض على النظام الإيراني،من خلال المظاهرات الموظفة أمنياً ضد النظام الإيراني.

 من بعد قصف قاعدة " عين الأسد" الأمريكية،توسعت مدرسة ترامب لإلغاء الحماية المجانية وأفتتح لها اكثر من فرع اوروبي فرنسي- بريطاني- والحضور الكثيف الأوروبي والأمريكي في مضيق هرمز من سفن حربية وقوات بحرية وحاملات طائرات،ليس كما يشاع من اجل طمأنة السعودية وحماية المشيخات الخليجية من العدو الإفتراضي ايران،بل هو "الإستحلاب" المالي بالدفع المباشر وغير المباشر،فالسعودية عندما دفعت 500 مليون دولار كجزء من تكاليف ال 3000 جندي امريكي الذين استجلبوا الى منطقة بقيق...شجع بقية الدول الأوروبية الى دخول لهذا المزاد من اجل " الإستحلاب" المالي فرنسا تعزز قواتها وترسل حاملة طائراتها "شارل ديغول" وبريطانيا كذلك تدخل المزاد بالمزيد من الحشد العسكري...كل هذه الحشود هدفها استفزاز ايران والضغط عليها من اجل العودة الى ما قبل التخصيب الحر لليورانيوم وبدون سقوف،وكذلك هذه الحشود مؤشر على اصطفاف تلك الدول المخادعة خلف واشنطن،فبدل ضغطها على واشنطن من اجل الإلتزام بالإتفاق النووي،تعلن أنها بصدد تفعيل اليات النزاع في الاتفاق النووي،ورفع هذا الملف الى مجلس الأمن...وهذه الدول تقول بشكل واضح بأنها تريد من طهران ان تتفاوض مع واشنطن على اتفاق نووي جديد وبشروط جديدة لإستحالة العودة للإتفاق القديم،وانا قلت مليون مرة بان الرهان الإيراني على هذه الدول خاسر،فهي ليست أكثر من توابع لواشنطن...ولذلك طهران لم تتأخر في الرد حينما قالت بان أي رفع لملفها النووي الى مجلس الأمن الدولي،يعني انسحابها ليس فقط من الإتفاق النووي،بل ومن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية... كما صرح بذلك امس الأول وزير خارجيتها محمد جواد ظريف...طهران باتت على قناعة تامة بأنه من اجل حماية شعبها وسلامته،فلا بد لها من امتلاك القنبلة النووية،وتطوير صنع صاروخ يوصلها الى اهدافها ...المنطقة والعالم أمام تطورات عاصفة فاليمين المتطرف بقيادة ترامب - بومبيو وفريق جون بولتون والمتعصب الصهيوني روبرت اوبراين بالإضافة الى الفريق الصهيوني بقيادة نتنياهو يدفعون نحو التصعيد ولعل القادم يثبت بأن هذا التحالف يقود هذا العالم للدمار،والمستقبل يؤشر بأن أمريكا خسرت مشروعها بالنقاط في العراق ولبنان وبالضربة القاضية مع ايران،وهذا المشروع عاجز عن الإقلاع في سوريا واليمن وفلسطين.