"صفقة القرن". مَن تخدم؟
تاريخ النشر : 2020-01-21 10:41

مرت زيارة مفاجئة للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط آفي بيروكوفيتش إلى تل أبيب في الخامس من الشهر الجاري من دون ضجيج إعلامي. وكان بيروكوفيتش تسلم ملف «صفقة القرن» الموعودة من سلفه اليهودي المستوطن جيسون غرينبلات الذي أجل استقالته عدة مرات من أجل الإعلان عنها، لكن الأحداث الداخلية وعدم تشكيل حكومة «إسرائيلية» مستقرة منذ مطلع الصيف الماضي، وانشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخلياً بقضية العزل والحملة الانتخابية أجّلت الإعلان عن الصفقة التي، كما يبدو، خضعت لتعديلات جديدة تناسب الهدف من إعلانها قبل الانتخابات «الإسرائيلية» في آذار / مارس المقبل كما صرح الرئيس الأمريكي.

المبعوث الأمريكي الجديد توجه إلى بنيامين نتنياهو مباشرة، وأبلغه نية الرئيس ترامب الإعلان عن تفاصيل الصفقة قبل نهاية شباط / فبراير المقبل، وإن الرئيس ترامب يرى أن التأخير في إعلانها يضر بهيبة الولايات المتحدة في المنطقة، وأن الرئيس بحاجة إلى الصفقة لدفع حملته الانتخابية في هذه المرحلة الحرجة. لكن نتنياهو عارض الإعلان فوراً، وأيده السفير الأمريكي فريدمان، حيث إنه سيؤدي ذلك إلى انقسام سياسي حولها قبل الانتخابات، ولن تكون الحكومة الانتقالية الحالية قادرة على التعاطي معها لأسباب تتعلق بالانتخابات، بل سيؤدي الإعلان عنها إلى مزايدات انتخابية كبيرة في الحملات الانتخابية، وستكون حكومة نتنياهو غير قادرة على اتخاذ موقف حاسم منها، وأن التأجيل أفضل، والمطلوب من إدارة ترامب بدلاً من ذلك هو العمل على إقناع الأحزاب «الإسرائيلية» لتشكيل حكومة وحدة بعد الانتخابات، ربما لأن نتنياهو لا يضمن فوز تكتله اليميني.

وطلب نتنياهو أن تعمد إدارة ترامب إلى دعم حكومة وحدة تكون مهمتها أولاً تطمين الشارع «الإسرائيلي» بتأييد ضم بعض المناطق والاستيطان في الضفة الغربية، أي أنه يريد ثمناً مسبقاً، وبدا كأن المبعوث الأمريكي اقتنع بوجهة نظر نتنياهو، لذلك سارع السفير فريدمان بعد مغادرة المبعوث الأمريكي إلى القول: إن واشنطن تعتبر المستوطنات شرعية. والتقى المبعوث أيضاً برئيس حزب «أزرق أبيض» الجنرال جانتس الذي أبلغه أنه إذا كان الإعلان عن الصفقة قبل الانتخابات «الإسرائيلية» جاء لخدمة اليمين فإنه سيعارض ذلك بقوة.

ما لم يقله بيروكوفيتش ل «الإسرائيليين» هو أن سيد السياسة الأمريكية الآن بات وزير الخارجية مايك بومبيو الذي خالف نهج المخابرات والبنتاجون، وأعطى أمر اغتيال قاسم سليماني، وأن بومبيو منشغل بتشكيل جبهة عربية مناهضة لإيران في المنطقة، وأن الإعلان عن «صفقة القرن» سيخدم ذلك، وإن أي تردد أمريكي في «صفقة القرن» سيهز صورة الرئيس ترامب انتخابياً، بمعنى آخر أن وزير الخارجية الأمريكي هو من يمسك ملف «الصفقة» الآن، وأن موقف كوشنر صهر الرئيس بات هامشياً بعد بروز نجم بومبيو الذي أبلغ في اتصالاته دولاً عربية بالتوجه الجديد للإدارة الأمريكية وقرب الإعلان عن «صفقة القرن».

بدوره، سارع الأردن إلى إرسال المبعوث بشر الخصاونة إلى مصر لبحث الوضع في حالة الإعلان عن الصفقة، ولتنسيق المواقف بين الجانبين، كما اتصل بومبيو بدول خليجية، وأطلع المسؤولين فيها على أن الإدارة الأمريكية قد شرعت بالاستعداد لعملية الإعلان الرسمي عن مبادرة السلام في الشرق الأوسط، وأن أمريكا مصرة على مواجهة إيران، وبات واجباً على الجميع الوقوف مع الرئيس ترامب في التصدي لسياسة إيران، وأكبر إنجاز في ذلك يتحقق من خلال عملية السلام في الشرق الأوسط لبناء جبهة تحالف قوية في المنطقة قادرة على التصدي لإيران، وتقليص الدور الروسي الذي بات مهيمناً في المنطقة.

وأطلع بومبيو بعض الدول على السيناريو الذي ستعلن به مبادرة الرئيس ترامب، وإن ترك التاريخ المتوقع معلقاً، ولكن حدد السقف بمنتصف فبراير / شباط، على أن تتولى وزارة الخارجية تنفيذ المبادرة مع كل الأطراف.

إذاً، ثمة حاجة أمريكية ملحة للإعلان عن «صفقة القرن» لفتح آفاق جديدة للعمل السياسي، وكبح التطورات حتى لا تبقى ضمن دائرة المواجهة. وأيضاً لعل المبادرة تخدم ترامب انتخابياً في وقت بدأت معركة عزله في الكونغرس، وربما تساعد كذلك نتنياهو في حملته الانتخابية، وهو يواجه أيضاً تهماً بالفساد قد تقوده إلى السجن.

عن الخليج الأماراتية