مشاريع وهمية
تاريخ النشر : 2020-01-18 21:10

مطلق عملية سلام لصراع طويل أو قصير تصنعها موازين القوى، وكل إتفاقيات الأرض بين الدول والقوى المتصارعة تحكمها وتقرر فيها موازين القوى والمصالح المشتركة للطرفين. ولا يمكن لدولة أو قوة منتصرة، أو تميل موازين القوى لصالحها القبول بأي تسوية، أو إبرام أي إتفاق إلا بالحصول على ثمن قوتها، وثقلها في المعادلة السياسية.

وإذا توقفنا أمام الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأطول في التاريخ المعاصر، فإننا لاحظنا أن دولة الإستعمار الإسرائيلية لم تأت برغبتها للسلام، انما نتيجة تغير موازين القوى لصالح الثورة الفلسطينية المعاصرة، وإنكشاف ظهر ووحشية جيش الموت الإسرائيلي طيلة سنوات الإنتفاضة الكبرى 1987/ 1993، وإنحياز العالم لصالح الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل من أجل الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعودة، وإبداء الغرب الرأسمالي صاحب المشروع الكولونيالي الصهيوني الوحيد، وعلى رأسه الولايات المتحدة القبول بمنح  الفلسطينيين الحكم الإداري الذاتي على أرضهم المحتلة عام 1967، وقبولهم في جيوبوليتك الإقليم والخارطة العالمية، وفتحوا القوس في مؤتمر مدريد 1991 للمشاركة الفلسطينية، التي ببراعة القيادة، والتراخي الأميركي المحسوب بإستقلالية الوفد الفلسطيني كفريق اساسي في معادلة السلام، والخروج من تحت عباءة الوفد الأردني الفلسطيني المشترك.

غير ان الفلسطينيين شعروا ان حبال مؤتمر مدريد طويلة، وسعوا لإستثمار الإنتفاضة بشكل سريع، مما دعاهم لفتح  قناة مفاوضات سرية مع دولة الإستعمار الإسرائيلية زمن حكومة إسحق رابين، الذي اشرف عبر شمعون بيرس، وزير خارجيته على مفاوضات أوسلو، التي تم التوقيع عليها في 13 ايلول/ سبتمبر 1993 في البيت الأربيض، والتي وضعت ميكانيزمات لتطبيق بنودها على الأرض خلال مرحلة إنتقالية مدتها خمسة اعوام، تكون نهايتها في 1999 إستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / 1967، وضمان عودة اللاجئين لديارهم وفق القرار الدولي 194. لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومنذ إعلان رابين نفسه عن "لا تواريخ مقدسة" وعملية السلام في تآكل مستمر، حتى جاء نتنياهو بحكوماته الأربعة وانهى كل عملية السلام، ودفن إتفاقية اوسلو، وكان شارون مهد الطريق لنشوء وتأسيس إمارة حماس بعد الإنسحاب الأحادي عام  2005 من قطاع غزة، التي تكرست بعد الإنقلاب الحمساوي الأسود اواسط 2007.

وتصاعد وتفاقم الإرهاب الصهيوني الدولاني على الأرض الفلسطينية مع صعود اليمين المتطرف للحكم بقيادة الفاسد نتنياهو، والذي توج خياره الإستعماري بنفي أي حق لتقرير المصير لغير اليهود الصهاينة مع المصادقة على "قانون أساس الدولة اليهودية" تموز / يوليو 2018، وبعد أن طرح الرئيس ترامب مشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية تحت عنوان "صفقة القرن" مطلع كانون اول / ديسمبر 2017، وتم نقل السفارة الأميركية للقدس، وملاحقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، .... إلخ، وبالتالي تعمقت حرب تصفية القضية والمشروع الوطني الفلسطيني بعد الإندماج الأميركي الصهيوني المعلن، ومازالت الحرب مفتوحة حتى الآن.

هذا الإستطراد في توضيح لوحة مشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم يكن من باب الترف، ولا من باب الثرثرة الزائدة، انما لتوضيح سياق التحولات في عملية الصراع وفقا لموازين القوى، ونتيجة إنكفاء وتراجع عوامل ذاتية وموضوعية أثرت على المكانة الفلسطينية في المعادلة السياسية. ومازالت الكفة تميل بشكل فاضح لصالح إسرائيل حتى اللحظة الراهنة. وعليه فإن إسرائيل الإستعمارية، ليس لإنها تعيش ازمة داخلية خانقة بسبب فشلها في تشكيل حكومة مستقرة نتيجة إفلاس قواها ونخبها السياسية في ثلاث دورات إنتخابية برلمانية، وانما بسبب موازين القوى التي تميل لصالحها.

مع ذلك لم تتوقف المجموعات الإسرائيلية، المدعية رغبتها ب"السلام" عن ضخ مشاريع متواترة تحت يافطة الرغبة بالسلام. وكلها مشاريع وهمية، كاذبة، لا تمت للسلام بصلة. وهي بمثابة بالونات إختبار للشارع والقوى والقيادة الفلسطينية، ومحاولة منها لبيع الوهم لبعض الفلسطينيين السذج، الذين يطيشون على شبر ماء، ويرددون دون إدراك عميق لمغزى تناثر وتدفق المشاريع الإستسلامية الصهيونية بإسم السلام الركض في مياهها الآسنة. وآخر ما قرأت منها، مشرع اعده كل من ساغي الباز، ود. آفي جارفينكل (ترجمة إيراهيم سمحان)، ويهدف اصحابه اولا لقضم أراضي الدولة الفلسطينية بنسبة 6% من ال22%، الأرض المحتلة عام 1967؛ ثانيا لا يريدون عودة اللاجئين، او بتعبير آخر، ونوع من "كرم الأخلاق" منهما يقترحا عودة 350 الف لاجىء على مدار 14 عاما، وكما يعلم الجميع ان المرحلة الإنتقالية حدد لها خمسة سنوات، وفي الشهور الأولى رفض رابين "التواريخ المقدسة"، فمال بال اي فلسطيني ب14 عاما، بتعبير آخر ضحك على الدقون؛ ثالثا بقاء المستعمرين في أراضي الدولة الفلسطينية المكتظة بالسكان، تحت ذريعة حصولهم على الجنسية الفلسطينية، وإلتزامهم بالقانون الفلسطيني، وهذا مرفوض جملة وتفصيلا، لانه يتنافي مع ابسط شروط السلام؛ رابعا يريدون تقسيم الحوض المقدس، وهذا مرفوض، وغير مقبول. إذا هو مشروع كاذب، لا علاقة له بالسلام، بل هو عرض شروط إستسلامية.

باختصار ما لم توافق دولة الصهيونية العالمية ومن خلفها أميركا والغرب الرأسمالي على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 19667، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لإبناء الشعب العربي الفلسطيني في دولة إسرائيل، وإلغاء قانون "القومية ألأساس" لن يكون هناك سلام. وكما يعلم الجميع ان الشعب والقيادة الفلسطينية قبلوا بأقل من نصف ما منحهم اياه قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في تشرين اول / نوفمبر 1947، وخمس حقهم التاريخي في ارض وطنهم الأم فلسطين. ومن يتساوق مع هكذا مشاريع خارج عن الإرادة الوطنية الفلسطينية كائنا من كان.