مشاريع حروب أهلية في الإقليم؟
تاريخ النشر : 2020-01-16 10:01

لم يستسغ الأميركيون القرار ال​إيران​ي بإخراج الولايات المتحدة من ​العراق​ و​سوريا​ كردٍ على إغتيال اللواء ​قاسم سليماني​. رفضت طهران كل المبادرات التسووية التي حملها زعماء دول منهم الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني. كان الشرط الإيراني الأساسي: رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية قبل أيّ تفاوض، ليُضاف إليه الآن: خروج الأميركيين من المنطقة.

واذا كان الصراعُ السياسي الأميركي قائماً بين تياري البيت الأبيض والدولة العميقة بشأن مقاربة التواجد العسكري في العراق وسوريا، فإن الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لا يقدر على إتخاذ قرار الإنسحاب الذي يتمنّاه منذ وصل الى رأس الإدارة الأميركية. تعقّدت وجهة نظره بعد تعثّر ترويج ​صفقة القرن​، خصوصاً ان حلفاء إيران يشكّلون محوراً مقاوماً لكل المشاريع الأميركية التي تخدم ​إسرائيل​. جاء إغتيال سليماني ليضيف العُقد الصعبة على مسار الأميركيين في الشرق الأوسط. فهل يقف الأميركيون يتفرّجون على طردهم من سوراقيا(سوريا والعراق)؟ لا يُمكن لأي فريق أميركي ان يقبل بالتخلي عن حماية وأمن إسرائيل.

يقول مراقبون إنّ واشنطن حرّكت حلفاءها الكُرد في العراق، فتولّى رئيس إقليم كُردستان مسعود برزاني الرد على قادة "محور المقاومة"، مما يعني أن زعماء كردستان باقون في خط الدفاع الأول عن مشاريع الولايات المتحدة الأميركية. لكن واشنطن لا تعتمد على الكُرد وحدهم، بل تحضّر لخدمة مشروعهم الإنفصالي من خلال طرح تقسيم العراق الى أقاليم، وخصوصاً في المناطق السنّية والشيعية، لإشعال فتنة مذهبية وحروب أهلية مفتوحة بين الفريقين. فهل يقتصر الأمر على العراق؟ أم ترغب واشنطن بأن يطال سوريا ايضاً؟ صحيح أن الروس تربطهم علاقات ممتازة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن الفريقين لم يترجما حُسن العلاقة في سوراقيا. يحاول الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ إفهام كل الساسة الغربيين أن المس بسوريا ممنوع. وهو يتولى تنسيق العلاقة لتصحيحها بين دمشق وانقره، كما بدا في زيارته الى الشام وتركيا. علماً أنّ بوتين طرح على الرئيس السوري ​بشار الأسد​ ان يدعو ترامب لزيارة دمشق قبل الإنتخابات الأميركية. لم يكن الأمر مجرد مزحة، بل فكرة قد تتبلور في دمشق بحسب الظروف الآتية.

لكن واشنطن لا زالت تضيّق الخناق حتى الآن على السوريين. هي تشرف على محاصرتهم اقتصادياً، بعدما احبطت مساعي وزير الخارجية الروسي ​سيرغي لافروف​ الذي زار الولايات المتحدة بهدف تجميد ترامب "قانون قيصر*".

تستفيد من كل تداعيات الأزمات المالية، وخصوصا في ​لبنان​ لحرمان سوريا من القطع الأجنبي، وبالتالي تساهم تلك الإجراءات في خفض قيمة العملة السورية، كما الحال في لبنان. يرتبط الآن وضع الليرة السورية بشقيقتها اللبنانية، كلما انخفض السعر في لبنان كلما انعكس سلبا على العملة السورية، رغم كل جهود دمشق لحماية ليرتها أمام الدولار. تلك السياسة استراتيجية تهدف لإثارة الشعوب السورية والعراقية واللبنانية ضد "محور المقاومة" ورمي كرات الأزمات المعيشية في أحضانه. واذا كان الشعب السوري يصمد بصعوبة حالياً، بعدما عاش أزمة الحرب العسكرية، فإن العراقيين واللبنانيين يذوقون أزمة ارتفاع سعر الدولار امام العملات الوطنية، ويثورون في الشوارع في مشهد يوحي بالفوضى المضبوطة حتى الساعة. علما ان واشنطن تتعاطى بشكل انتقائي بين الكرد في شرق الفرات والدولة السورية فيما يخص النفط، مما يريح الكرد ويُتعب دمشق إقتصادياً.

يحاول الروس القول أن استمرار اللعب في الملف السوري يؤدي الى ظهور تحدّيات جديدة للغرب جراء الهجرة المحتملة وتمدّد الإرهاب. علماً أن الرئيس الروسي يراهن على العمل مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان لتحقيق اتفاقيات وتفاهمات موسعة من سوريا الى العراق الى ليبيا، وهو امر استفزّ الخليجيين والأميركيين، فأفشلوا الخطة الروسية لعقد اتفاق بشأن ليبيا بعدما طلبوا من احد افرقاء النزاع اللواء خليفة حفتر الإنسحاب من المشروع.

كل المعطيات توحي ان الزمن هو لشد الحبال والكباش الميداني السياسي والاقتصادي المفتوح. فهل يستطيع لبنان التفلت من تلك الأجواء؟ الأمر صعب للغاية لأن المطلوب ابقاء لبنان في دائرة الأزمة الى حين نضوج التسويات الكبرى.

* قانون قيصر هو مشروع قانون صادق مجلس النواب الأميركي عليه في 15 تشرين الثاني 2016 بأغلبية ساحقة، ويفرض عقوبات جديدة على كل من يدعم النظام السوري المتهم بإرتكاب جرائم حرب ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا.

عن النشرة اللبنانية