خطوط القدس تماهت
تاريخ النشر : 2013-11-01 18:34

لقد علقت القدس بنا وعلقنا بها ، حتى ان خطوط شراييننا رسمت وطنا قبل خروجنا للحياة ، تجذرت بنا وتجذرنا بها حتى جُبلنا في بوتقة الصمود عبر سنين الوأد التي ظمئت كل شعوب الارض خلالها من عطش العشق وبقينا نحن وحدنا عشاقا لها وعاشقة لنا ، تسمرت العيون والارجل وهى تشخص باتجاهها غير ان عيوننا وقلوبنا وارجلنا ما كفت تركد فيها ولها وبها ، قدس الطهارة الذي مسح جبهاتنا جميعا ؛ فاورق حبا ونهرا من البذل لا ينضب ، ولا تحرقه السنون .

عبرنا بالقدس عقود التيه وتغلبنا على الفقد والوجع الذي التحف اجدادنا وابدلنا كل ذلك بابتسامة عزة ورقابنا تمر على شفرة الجلاد دون تأوّه ولا عويل ، بزغرودة رفرفت مع مسامعنا حين الولادة وظلت مصاحبة لنا حتى الخلاص ، انه موعد النقاء الذي مكثنا ننتظره بعشق البذل الذي رضعناه وصاحبنا عبر سنين التفرّد باليقين الماضي بنا نحو البقاء .

اليوم اطرق باب القدس غريبا تائها عن دربها كما لو انني اجهلها او انها تجهلني ، كما لو انني اغازل اسوارها لاول مرة علّها تعطيني لمحة وصل كم انا بحاجة اليها ، اتسلل بنظري اتطاول علي ابصر تربا طهورا كم عشت اتمكن ان اتمرغ عليه وبه وفيه ، لقد اصبحت غريبا بمحض ارادتي ، اطرق بابا اصبح غريبا عنا جميعا وليس عني وحدي ، كيف لا ؟ والقدس لم تعد تعاود قلوبنا الا لكي اظهر نفسي وطنيا اكثر من اخي ، كيف لا ؟ وخطابنا لم يعد للقدس خالصا ، بل اصبح فقط لكي اظهر بمظهر الذائد عن حوضه ، ولا اعلم أي حوض اريد ؟!

لقد كنا يحذونا الامل تعارك الجبال ونصبر على شفرة الجلاد ونكابد الجوع والعطش ، لاننا كنا نؤمن بحقنا وبنا وبالارض التي ولدنا عليها ، اما اليوم فقد تغيرت الامور ولم يعد للارض او القدس ادنى نصيب منا ، على استحياء نكاد نذكرها نؤكد على كينونتها ، نعمل على عدم طمسها لان في ذلك طمسنا ، لم يعد حليب امهاتنا ملون بخطوط الوطن ، وما عدنا نترعرع بجوار بعضنا كتلك الحجارة العصية على الزمن والناس التي تلتف القدس كما الام حين تضم طفلها بذراعيها فلا يتمكن أي كائن من انتزاعها من بين يديها ، لم نعد نعرف الوطن الا من خلال وجود قسري ، او واجب حتمي ، او كسب مرجوّ ، لقد مضى عهد الثورة العاصفة بمن حولها ، وظهر وعلا صوت تشنج و انقسام بغيض غمر الصدور بكراهية بتنا نراها في رياض الاطفال والمدارس والمستشفيات والطرقات فضلا عن الحوارات الاثمة التي باتت لا تغادرنا ، بحيث غاب عن حوارنا ضدان ؛ العدو والوطن ، واصبح الحاضر المنفوخ الاوداج والاكراش هو انتصارنا للهراء الذي عشعش في ادمغتنا ونقلناه بكل اخلاص لاطفالنا فباتوا يلهجون به في صلوات الصبح والعشاء .

 

لقد تحولت ايقونة القدس التي ترسخت عبر العقود الماضية ايقونة غائبة عن وعينا وادراكنا بواقعنا المر ، وباتت ايقونة الكراهية والحقد والاقصاء هى المرضع والحامل ، فلله درك يا قدس ...