خروج ترامب عن المسار الأمريكي
تاريخ النشر : 2019-12-25 12:33

عندما يصل الأمر إلى قول المقربين من الرئيس الأمريكي ترامب: أنهم لا يعرفون شيئاً عن سياساته، فإن هذا شيء يخالف كلية ما هو مستقر لزمن طويل في النظام السياسي الأمريكي، لأن هناك قواعد متبعة في أداء الرؤساء الأمريكيين. على اختلافهم، تستند إلى أن لكل منهم مبدأ أساسياً ومحورياً لسياسته الخارجية.

قد يختلف تعريفه ومسماه من رئيس لآخر، لكن هذه المبادئ جميعها، تعمل على خدمة أهداف مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، وفق سياسات تحدد مسبقاً النتائج المتوقعة لهذه الأهداف، مع الأخذ في الاعتبار التركيز على أولوية التحديات التي تواجههم، والتي قد تختلف من وقت لآخر. وعلى سبيل المثال ارتكزت استراتيجية جورج دبليو بوش على سياسات تعمل على تفتيت القوى الإقليمية في الشرق الأوسط - باعتراف إدارته بذلك، بترويجها لنظرية الفوضى الخلاقة - تحقيقاً للهيمنة التي كانت عقيدة للمحافظين الجدد، الذين وضعوا استراتيجية الأمن القومي عام 2002، والتي أطلقوا عليها مبدأ بوش. بينما استشعرت الولايات المتحدة في عهد ترامب، سعي بوتين لاستعادة مكانة روسيا على المستوى العالمي، وأيضاً تصعيد الصين لقدراتها الاقتصادية والعسكرية، وهو ما يجعل منهما منافسين استراتيجيين للولايات المتحدة. من ثم يفترض وفق المفاهيم الاستراتيجية الأمريكية، ألا تترتب على سياسات ترامب نتائج لمصلحة أي من هاتين القوتين.

وطبقاً للقواعد المستقرة، فإن السياسات النابعة من هذه الاستراتيجية، تصل إلى تحقيق مصلحة للولايات المتحدة. وهنا لا بد من التساؤل: هل هذا ما يجرى بالفعل؟

إن الجدل الدائر هناك الآن، والذي يشارك فيه خبراء مختصون بالسياسة الخارجية، يميل كثير من المشاركين فيه إلى أن سياسات ترامب طبقاً للاستراتيجية التي سبق أن وضعتها إدارته، تسفر عن نتائج عكسية ليست في مصلحة الأمن القومي الأمريكي.

كما أن لترامب قرارات متناقضة، فهو قد انسحب من معاهدات لأمريكا مع روسيا، خاصة بالتسليح النووي، وزاد من الميزانية العسكرية بطريقة يرون أنها تطلق سباقاً جديداً للتسلح بين أمريكا وروسيا، يقابل ذلك خط مضاد سار فيه، عندما سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهذا - من وجهة نظرهم - يخدم الوجود الروسي في سوريا.. والأمثلة كثيرة، منها أيضاً لهجته العنيفة مع أردوغان، ووصفه بالأحمق عقب غزوه سوريا، واحتلال جزء من أراضيها، وتهديده بفرض عقوبات على تركيا، بينما كان انسحابه من سوريا يحقق نتيجة معاكسة لمصلحة أردوغان الذي شن حرب إبادة على أكراد سوريا، وهم حلفاء لأمريكا، وهو ما يضعف مصداقية أمريكا لدى حلفائها.. والأمثلة على ذلك عديدة.

إن مناقشات المختصين بالسياسة الخارجية، لم تتوقف حول ما هو مستقر في مبادئ وأداء استراتيجيات الأمن القومي، وتناولوا في هذا الإطار ما يتعلق بالداخل الأمريكي، عندما تحدثوا عن رفض ترامب التوقيع على اتفاقية المناخ في المؤتمر الذي عقد لهذا الغرض في باريس، ليس فقط باعتباره سلوكاً يلحق أضراراً بالبشرية عامة، بل لكونه يضر بالمواطن الأمريكي ذاته. فقد ثبت أن الخسارة الاقتصادية من ازدياد معدلات التلوث، تطال الأمريكيين، وبعد أن وجدت الدراسات أن التلوث يكلف الولايات المتحدة 89 مليار دولار سنوياً. ولعل من بين التفسيرات التي طرحها هؤلاء الخبراء، أن خروج سياسات ترامب عن فحوى استراتيجية الدولة، راجع إلى تكوين شخصيته كرجل أعمال يقيس الأمور بميزان مبدأ المكسب والخسارة، بحيث يضع مصالحه الشخصية، مثل حسابات الأمن القومي.

ولعلنا هنا في منطقتنا الإقليمية قد خبرنا هذا المعنى، من سعي ترامب لإرضاء جانب من قاعدته الانتخابية، التي يشكل المتعصبون ل «إسرائيل»، من المنتمين إلى ائتلاف المسيحية الصهيونية، نسبة 20% من الكتلة التصويتية الإجمالية في سباق الانتخابات، وهو ما جعله مغالياً في انحيازه ل «إسرائيل»، باعترافه بالقدس عاصمة لها، واعترافه بالجولان السورية جزءاً من «إسرائيل»، ثم ما أعلنه وزير خارجيته مايك بومبيو من أن المستوطنات ليست مخالفة للقانون.

هذه إطلالة على المناقشات الجارية في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، نستخلص بعضاً منها، وليس كلها نظراً لتشعب المناقشات، واتساع مجالاتها، وخلاصتها أن الخلل في إدارة ترامب لسياسته الخارجية، واختلاف أدائه عن بقية الرؤساء الذين سبقوه، مرجعه بدرجة أساسية إلى انفراده بإدارة السياسة الخارجية، بعيداً عن نخبة المتخصصين، الذين كانوا جزءاً مهماً وأساسياً من عملية إلهام الرؤساء بالأفكار، وآليات التعامل مع القضايا الدولية.

عن الخليج الإمارتية