" أمد" يكشف أسرار إهانة أمن حماس لثوار مسيرات كسر الحصار
تاريخ النشر : 2019-12-19 11:31

غزة - خاص: "ضربوني لعدم إجابتي على سؤال من يمولكم بالقنابل، ووقعوني على تعهد بعدم استخدام الوسائل الخشنة والتي هي القنابل الصوتية ومحلية الصنع".. نهاية مؤلمة لحكاية بعض الشبان الذين واجهوا الاحتلال الإسرائيلي عن قرب ووجهاً لوجه، خلال مشاركتهم منذ عام ونصف بل أكثر في مسيرات كسر الحصار بقطاع غزة.

أربعةُ قصص حقيقية بأسماءٍ مستعارة تحدث معها "أمد للإعلام"، عن حقيقة استدعاءات أمن حماس لهم بعد كل جمعة من فعاليات مسيرات كسر الحصار، التي تدعو إليها العليا بغزة، وإمضائهم على تعهدات إما بعدم النزول إلى الميدان، أو عدم استخدام الوسائل الخشنة كما تسميها "حماس".

"مجاهد" اسم مستعار لشاب عشريني، استجاب لدعوة هيئة كسر الحصار في 30 مارس عام 2018، كباقي الشبان وأهالي قطاع غزة، من أجل المشاركة بمواجهة جيش الاحتلال وقواته، بل آلياته وقناصاته المنتشرة على طول الحدود الشرقية للقطاع.

استمر مجاهد بتلبية نداء هيئة كسر الحصار لمدة عام وأكثر من 5 أشهر، ففي الأشهر الأولى، بدأت حماس بتمويل الشبان الثائرين، بالمواد المتفجرة والقنابل محلية الصنع، وكانت تقوم بجمع الشبان في إحدى الغرف المتعارف عليها في كافة مناطق القطاع، وترسم خريطة المناطق والسياج الفاصل، ما الذي سيقوم بتنفيذه الشبان وبأي اتجاه".

ويقول مجاهد لـ "أمد"، استعد الشبان بتقديم أرواحهم، مقابل تحقيق حلمهم بدولة فلسطينية كما كان الذين يجتمعون معنا يتحدثون إلينا، فكان الميدان بداية لعودة الشرارة بداخلنا، والتي تقلصت خلال السنوات الماضية بفعل الحصار المفروض على القطاع، فالواجهات التي كانت تدور بيننا وبين جيش الاحتلال على الحواجز وخاصة قرب "نتساريم"، لن ننساها.

وأضاف "نحن دخلنا هذه المسيرات سلميين، حيثُ استخدمنا المعدات التي نستلمها من عناصر حماس منذ بداية المسيرات بأمر منهم، وبدأنا العمل بها في كل جمعة، مثل: قص السياج، زرع قوات محلية الصنع، إلقاء زجاجات مولوتوف، إلقاء قنابل يدوية وصوتية، والبالونات والطائرات الحارقة، كل هذا تم تخطيطه في الميدان".

وأوضح، مر تقريباً 6 أشهر على هذا الحال، ونحن نستلم المعدات ليلة الجمعة، أو في صباح جمعة المسيرات، ونتشاور ونتوزع مجموعات على المناطق، نبدأ العمل كما هو مخطط له، متابعاً: "عندما بدأت مسيرات كسر الحصار أصبحت تجني أموالاً كثيرة، تغيرت الأمور علينا، حيثُ بدأ تقليص تسليم المواد جزئياً، بدءاً من البالونات والطائرات الورقية الحارقة، وانتهاءً بالقنابل المتفجرة".

وأردف "مجاهد" حديثه مع "أمد"، في الشهر السابع أو الثامن تقريباً، وحتى مرور عام على مسيرات كسر الحصار، وفي ذكرى مليونية العودة، شعرنا بتغيير جذري في معاملة أمن حماس والهيئة في الميدان معنا كشباب ثائر، مشيراً "نحن فقدنا أعز إخواننا وأصدقائنا الذين ارتقوا شهداء منذ بداية المسيرات".

استدعاءات ومقابلات وإمضاء على تعهد

وأكد الشاب العشريني الذي يسكن في وسط قطاع غزة، على أن "يوم مليونية العودة مر كالغبش على عيوننا، تم استدعاء العشرات من مسئولي المجموعات الميدانية، وإعطاؤنا أوامر من قبل أمن حماس وهيئة كسر الحصار، بأن يمر هذا اليوم بهدوء دون أي استخدام للوسائل التي سمتها الهيئة بـ "الخشنة"، مضيفاً: "ومنعنا بالفعل من استخدامها، وكل من لم يطبق الأوامر سيتم استدعاءه إلى مراكز أمن حماس للتحقيق، حول الجهة الممولة لهذه المواد".

وشدد على أنه "بالفعل مر اليوم بهدوء لا يوصف، وتم تطبيق كلمة السفير القطري محمد العمادي عندما قالها للقيادي في حماس خليل الحية "نبغى هدوء"، حيثُ مر موكب العمادي في عدة مناطق شرقية بقطاع غزة، لتفقد الأوضاع فيها، فكان أمن حماس والهيئة منتشر كالنمل قرب السياج الفاصل وباللون البرتقالي، تأكدنا حينها أن جميع الطرق ستكون مغلقة أمام مهامنا كثوار، ولكن نجحنا بشكل جزئي باستخدام مواد مهربة عن أعين الأمن، بطرق ابتكرناها دون ذكرها".

ونوّه، عدت من يوم مليونية العودة، مع المشاركين بشكل طبيعي، وعلى باب المنزل كانت الصدمة، عناصر من أمن حماس ينتظرونني، منهم أعرفهم شخصياً ويعرفونني، سلمت عليهم وطلبت منهم أن يتفضلوا إلى المنزل، فقالوا لي "تعال معنا"، فسألتهم إلى أين، فأجابوا "بتعرف بعدين"، لم يخطر ببالي أن تكون هذه الخطوات التي سرت بها خلف عناصر الأمن، ستكون خطواتي للتحقيق داخل غرف مغلقة، عن مشاركتي بمسيرة العودة، واستخدامي "للوسائل الخشنة".

وأضاف، وصلنا إلى المكان الذي سيتم التحقيق معي به وسط قطاع غزة، وهناك بدأوا بأسئلة كالمطر "من أين لك هذه المواد؟، من قال لك أن تستخدم قنابل محلية؟، من أذن لك بإلقائها؟، ألم نقل لكم أنّها سلمية فقط؟، أسئلة كثيرة وجهت لي". صفنت قليلاً بالمحققين الاثنين المتواجدين في المكان وضحكت، وبالمناسبة هم من كانوا يسلموننا المواد في بداية المسيرات، فسألوني "لماذا تضحك؟، أجبتهم "أنتم من أعطاني المواد وعرفني كيف أحصل عليهاّ"، فقال لي الشرطي "أبو حذيفة": "أعطيناك ياها بأيام حاجتنا لها، واليوم لسنا بحاجتها كالأسبقّ".

وأكمل: "تحدثنا مطولاً لساعتين تقريباً، وفي النهاية طلبوا مني الإمضاء على تعهد عدم استخدامها، فرفضت وقلت لهم أنتم تعرفونني، فلا داعي للوعود الورقية، سألتزم بما تقررون، وعدت إلى المنزل، مررنا على هذا الحال من 3-4 أشهر تقريباً، ومن ثم عاد استخدام القنابل بشكل جزئي، ومهرب من الشباب الثائر، وهنا بدأت حكاية جديدة معنا وأمن حماس والهيئة".

في شهر سبتمبر الماضي، تجمعنا يوم الخميس، وتم الاتفاق بين الشباب الثائر تجهيز مواد محلية الصنع، لإلقائها تجاه جيبات جيش الاحتلال الإسرائيلي، واتفقنا على استخدام المقصات لقص السياج الفاصل، وفي اليوم التالي "يوم الجمعة"، حملنا أغراضنا في حقيبة واحدة، وعند مرورنا من نقطة تفتيش "للقسام" أنزلونا من السيارة، وفتحوا الحقيبة وفتشوها، وشاهدوا ما بداخلها، واعتقلونا حينها، ولم نشارك بالجمعة، حيثُ تم اقتيادنا إلى مركز التحقيق الخاص بهم، وهناك حققوا معنا جميعاً متسائلين: "من الذي يمولكم بهذه المواد"، فأجبتهم: "نقوم بتوفيرها من أنفسنا عن طريق الشباب الثائر ونشتريها أحيانا".

 وتابع قائلاً: "وبعد تحقيق مطول، طلبوا منا جميعاً التوقيع على تعهد بعدم النزول إلى الميدان، أو الحبس إن خالفنا ذلك، ومنذ ذلك الحين تركت الميدان لهم".

أمّا "عبيدة" 24 عاماً، وهو اسم مستعار أيضاَ، لم يتحدث بشكل عام، لكنه تحدث عما جرى معه شخصياً، دون الإفصاح عن الكثير من الأمور التي وقعت معه داخل غرفة التحقيق من قبل أمن حماس، حيثُ قال: "أنا شخصياً تم استدعائي عدة مرات ولكن كنت أخرج دون أن يتم إهانتي رافضاً الإفصاح عن الأسباب.

وأشار إلى أن الأسئلة التي يتم طرحها علينا هي "من وين جبت المواد"، "كيف اشتريتها"، "من أين حصلت على صاعق التفجير"، "ومن أذنك بالتفجير؟!"، ويتم التنقل من مركز إلى مركز للتحقيق والوصول إلى نتائج، وفي حال لم يتم الإجابة على هذه الأسئلة يتم استخدام أسلوب الضرب والشبح".

وأكد على أنه بعد ذلك يتم توقيع الشباب على تعهد بعدم استخدام تلك المواد، والانصياع خلف أوامر الهيئة، "هدوء يعني هدوء، صعدوا وفجروا يعني صعدوا وفجروا، غير ذلك يتم الحبس وقص الشعر والإهانة والشبح للثوار"، منوهاً "من لا يوقع على التعهد لا يخرج من المركز".

وحول المعدات التي يتم استخدامها والتي تسميها هيئة كسر الحصار بـ"الوسائل الخشنة" ومن أين يتم الحصول عليها، أكد عبيدة على أنّ حماس تعطي أبناءها والجهاد كذلك والألوية، وكل فصيل يقوم بتوزيعها على شبابه".

كما أن "طالب" - اسم مستعار - لم يسلم هو الآخر من الاستدعاءات والتحقيقات من قبل أمن حماس في موقع ملكة شرقي مدينة غزة، بل كان على الدوام زائر لمراكزه والتوقيع على تعهد في كل مرة بعدم استخدام القنابل يدوية الصنع، أو الصوتية، وغيرها، خلال جمع مسيرات كسر الحصار".

وأكمل حديث رفاقه قائلاً: "تم استدعائي عدة مرات ويسألوني عن المواد من أين أحصل عليها ومن الذي يمولنا ومن أين نقوم بشرائها، وفي حال لم نقوم بالإجابة يعتدون علينا، وبعد الاعتداء علينا يقومون بإجبارنا على توقيع بتعهد عدم استخدامها في الجمع القادمة، وسماع وتطبيق ما تصدره الهيئة من تعليمات".

وأكد: "أصبحنا لعبة في يد حماس والهيئة، فالأموال التي تجنيها الهيئة من قطر وغيرها، عمت قلوبهم، وهذا لم يكن أبسط شيء، فهم يتعاملون معنا الآن على أننا خارجون عن القانون، ويجب حبسنا، أو إجبارنا على سماع قراراتهم وتنفيذها، وعدم التعامل مع أي شخص يمولنا بصواعق التفجير أو غيرها".

ولفت "أصبت في المسيرات عشرات المرات، وفي كل مرة تقوم الهيئة بصرف مبلغ 600 أو 300 شيكل كإبر مسكن، يعتبروننا عالة عليهم الآن، لا بل يطردوننا من المراكز التي يتم فيها البحث عن حقنا لاستكمال علاجنا، بعد إصاباتنا المتكررة، من خلف تلبيتنا لندائهم والمشاركة بالمسيرات، ولكننا في نهاية المطاف نهان ونستجوب ويتم استدعاؤنا إلى مراكز الشرطة، والسبب هو مواجهة جيش الاحتلال قرب السياج الفاصل".

"المقدسي" - اسم مستعار - اختاره شاب عشريني وطلب منا تسميته بذلك، حكايته مختلفة عن الحكايات الثلاثة السابقة، حيثُ تم إرسال استدعاء له عشرات المرات، ولكنه لم يذهب أبداً، بل يقوم بإنهاء قضيته عبر الهاتف المحمول، والاتصال على معارف ويتم إنهاء القضية، والسبب هو عدم توقيعه على تعهد بمنع استخدام الوسائل الخشنة خلال الجمع التي تليها".

وأضاف "المقدسي": "الأمن المتواجد يأخذ أوامر عليا، هم لا يريدون استدعاء الشباب الذين قدموا أرواحهم يواجهون وبصدورهم العارية جيش الاحتلال وجهاً لوجه، فنحن لا نلومهم، ولكن نلوم المسؤولين في حماس والهيئة، ونتساءل: "إلى متى سيتم إهانتنا واستدعائنا لمراكز الشرطة، أو إرسال استدعاءات لمنازلنا".

جميع الشباب الذين قابلهم "أمد"، طالبوا من أمن حماس وهيئة كسر الحصار، بوقف التلاعب بهم، وترك الميدان لكلمتهم، وأن يقيموه كما يرونه مناسباً، داعين المسؤولين، إلى مساندتهم وليس إهانتهم، فهم من نزفت دماءهم من أجل وصول الهيئة إلى هذا المستوى من التمتع بالأموال التي تجنيها لها ولعناصرها فقط.

قصص الشبان ليست بعيدة عن القصص الواقعية الأخرى التي حدثت وتم كشفها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فياسر الطويل الذي أطلق أمن حماس النار عليه أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي، قرب السياج الفاصل شرق موقع ملكة شرقي غزة قبل عدة أشهر، لم يكن مخفياً، بل نشر قصته صاحب الحدث بنفسه، واتهم أمن حماس بالعملاء لإسرائيل، إذ أنهم حاولوا قتله أمام قناصات جيش الاحتلال، التي قنصته عدة مرات خلال مشاركته في مسيرات كسر الحصار.