مشكلة فلسطين في الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية التي لا يعرفها البعض.
تاريخ النشر : 2014-07-18 02:21

لقد تعالت الأصوات الفلسطينية المطالبة بضرورة الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية وتحديدا بعد تصاعد وتيرة الإجرام الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا الفلسطيني.وذلك عندما قامت مجموعة من المستوطنين بخطف الطفل محمد ابوخضرة وحرقة حيا.وثم اندلاع شرارة الحرب والعدوان على غزة سنة 2014 باسم الجرف الصامد أو العصف المأكول والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 شهيد و1700 جرح وتدمير أكثر من 650 منزل إضافة للمستشفيات والمساجد والأهداف المدنية.

أضف على ذلك العدوان على غزة سنة 2008-2009 والعدوان 2012 وما قبلة وما بعدة.ورغم تعالى هذه الأصوات فقد وصلت إلى قناعة تامة أن هناك العديد من الناس ومن مؤسسات حقوق الإنسان وحتى وزراء وقادة لا يعرفون ما هي المشاكل والمعيقات التي تقف في طرق انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية.وبالتالي كان لزاما على أن أوضح هذا اللبس أو هذا الوهم الذي يستخدمه البعض لتضليل الرائ العام الفلسطيني بان الانضمام للمحكمة الجنائية سيحل مشكلة الاعتداء على أطفالنا ونسائنا وشيوخنا أثناء العدوان الإسرائيلي المتكرر ضدهم.وسيحاكم مجرمي الحرب وسيفتح عليهم أبواب جهنم كما قال احد الحقوقيين البارزين في غزة.

من هنا يؤسفنى أن أقول لكم أن انضمام دولة فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية لن يؤثر بشئ على إسرائيل,إضافة إلى أن اغلب الدول العربية لم تصادق على نظام روما,وان اغلب الدول الأوربية المصادقة والعضو في المحكمة لا تستطيع اعتقال اى مجرم حرب إسرائيلي فوق ارضها بناءا على مبدأ المعاملة بالمثل,ونظرا لتوقيع اتفاقيات دبلوماسية ثنائية بين إسرائيل وهذه الدول بعدم الاعتقال او التعرض لهؤلاء الأشخاص.على أن يتم إبلاغهم بمغادرة البلاد فى اقرب فرصة لتجنب اعتقالهم بسبب دور المنظمات الحقوقية التى تلاحقهم فى هذه الدول الأوروبية.والسؤال-كم قائد عسكري او سياسي اسرائيلي تم اعتقالهم منذ سنة 2002 وحتى اللحظة؟ الإجابة صفر.

فمنذ دخول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ تباينت مواقف الفقهاء والمحللين في قراءتهم المبدئية لنصوص النظام الأساسي للمحكمة ،منها المعيقات الداخلية وتتمثل هذه المعيقات في مجموعة من القيود الواردة في النظام الأساسي للمحكمة كأسلوب إنشائها أو المتعلق باختصاصاتها وهي كتالي:

أولا: القيود المتعلقة بأسلوب إنشاء المحكمة الجنائية الدولية

يشكل الطابع ألاتفاقي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، احد أهم العوائق التي تعيق عملها حيث أن المحكمة هي نتيجة لإرادة الدول الأطراف المساهمة في أشغال مؤتمر روما الدبلوماسي وحيث أن النظام الأساسي لهذه المحكمة يعتبر معاهدة دولية(أي أن قبول الدول باختصاصها متوقف على تعبيرها عن ارتضائها الالتزام النهائي ببنود هذا النظام الأساسي إما بالمصادقة أو الانضمام إليه.

وقد كرست المادة 12 من النظام الأساسي هذا التوجه حيث اعتبرت أن أحكام المحكمة الجنائية الدولية لا تطبق إلا على الأطراف المصادقة على المعاهدة أو التي عبرت على قبولها لصلاحيات المحكمة.وهذا ما يؤدي إلى استثناء المفعول العالمي لهذه المحكمة.واستثناء اسرائيل بصفتها ليست عضوا ولم تصادق او تنضم لهذه المحكمة الجنائية الدولية.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام الأساسي للمحكمة منح لدول الأطراف إمكانية الانسحاب منه بعض مضي سنة من الانخراط، كما أن الدولة التي تصبح طرفا في النظام لها الحق في أن تطلب تأجيل اختصاص المحكمة فيما يتعلق بجرائم الحرب في إقليمها أو خارجة لمدة سبع سنوات من تاريخ سريان النظام الأساسي عليها. اى

ثانيا: المعيقات المتعلقة باختصاصات المحكمة

تعترض مجموعة من العوائق أداء المحكمة لاختصاصاتها المخولة لها بمقتضى نظامها الأساسي وتتمثل في أوجه القصور التي شابت اختصاصها التكميلي والموضوعي والزمني والشخصي، بالإضافة إلى مسألة المقبولية.

1- الاختصاص الموضوعي

أثارت أحكام المادة 17 المتضمنة معايير تطبيق هذا المبدأ موجة من الانتقادات، نتيجة حصرها الصارم لهذه المعايير والتي ينعقد بموجبها اختصاص المحكمة. حيث اقتصر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على اشد الجرائم خطورة والتي تكون على اهتمام دولي، وقد تم تحديدها بالجرائم التالية،جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب و جريمة العدوان. إلا أن الواقع العملي يؤكد أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في الوقت الراهن يشمل فقط ثلاث جرائم هي جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

في حين تثير جريمة العدوان إشكالا كبيرا بعد أن أقرت المادة 5 على أن تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد نص بهذا الشأن وفقا للمادتين121 و 123 يعرف هذه الجريمة.وهذه الثغرة تمكن إسرائيل الإفلات من العقاب على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وعدوانها المتكرر على غزة سنة 2008-2009 في عملية الرصاص المسكوب وعدوان 2012 عامود السحاب وعدوان 2014 في عملية الجرف الصامد.

إذ انه رغم تقدم العديد من الدول خلال مؤتمر روما الدبلوماسي بمقترحات لإدراج بعض الأفعال التي تدخل ضمن الجرائم ضد الإنسانية ومنها جريمة العمل الإرهابي والحظر الاقتصادي إلا انه لم يتم إدراجها ضمن اختصاصاتها( ).

2 -العوائق المتعلقة بالاختصاص الزمني

أن اختصاص المحكمة الزمني يدفع إلى التساؤل حول تناسب مبدأ عدم الرجعية المعتمد في المادة 11 مع طبيعة الجرائم المذكورة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي لا تخضع للتقادم بموجب المادة 29، حيث تم انتقاد النظام الأساسي للمحكمة كونه لا يتوفر على آلية لا تمكنه من الرجوع إلى الماضي بغية متابعة الجرائم المرتكبة قبل دخوله حيز النفاذ في سنة 2002، وهذا الأمر يشكل نقصا كبيرا مقارنة بما اعتمده النظاميين الأساسين لمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا،اللتان اختصتا بالنظر في جرائم سبقت إنشاء هما.كما إن إسرائيل سوف تتهرب من جرائمها بحق المدنين الفلسطينيين ما قبل سنة 2002.وللبحث في تلك الجرائم يحتاج الأمر إلى قرار من مجلس الأمن يكلف فيه المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام فيها من المباشرة بالتحقيق في تلك الجرائم منذ 1948 وحتى سنة2002.ونظرا لوجود الفيتو الأمريكي لن يحصل ذلك إطلاقا حسب وجهة نظري الخاصة.

3- العوائق المتعلقة بالاختصاص الشخصي

يمثل تعارض عامل السن الوارد في المادة 26 مع الواقع العملي عائقا متعلقا بالاختصاص الشخصي للمحكمة، حيث اعتبر النظام الأساسي تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشر جريمة حرب، ومعنى ذلك أن تجنيد من هم بين سن 15 و18 لا يعتبر جريمة حرب، مما يمكن معه افتراض جواز قبول بعض الدول أفرادا في مثل هذا السن كمقاتلين لأن النظام الأساسي للمحكمة لا يعتبر هذا الأمر جريمة تختص المحكمة بالنظر فيها، وبالتالي فإن الجرائم التي سيرتكبها هؤلاء ستبقى دون مساءلة مما سينتج عن إفلاتهم من إي عقوبة أو تدبير احترازي، رغم ما شهدته النزاعات المسلحة في الآونة الأخيرة، خاصة الداخلية منها يوحي بأن أبشع الجرائم عادة ما ترتكب من طرف هؤلاء، وخير مثال على ذلك ما حدث في أوغندا والكونغو الديمقراطية. والصومال، وسوريا مؤخرا برئاسة بشار الأسد حاليا ثورة الربيع العربي( ).

كما يعتبر قصر المسؤولية الجنائية الدولية على الأشخاص الطبيعيين عائقا أمام ممارسة المحكمة لاختصاصاتها، حيث أن كل كيان دولي يتمتع بالشخصية القانونية الدولية يرتكب جريمة دولية ولا يقوم لديه مانع من موانع المسؤولية الجنائية، يكون محلا للمساءلة الجنائية الدولية. لكن هذا التحديد الفقهي النظري لشخص المسؤولية لا يتماشى مع الواقع العملي والممارسة الدولية، حيث تعمل مصالح الدول الكبرى والفاعلة في المجتمع الدولي على الحد من نطاق مفهوم شخص المسؤولية الجنائية وقصره على الشخص الطبيعي دون الأشخاص المعنوية بحجة أن للفرد طبيعة تختلف عن طبيعة باقي أشخاص القانون الدولي، كالدول والمنظمات الدولية والشركات عبر الوطنية( ).

4- العوائق المتعلقة بمسائل المقبولية

نظرا لكون نظام المحكمة الجنائية الدولية معاهدة دولية لا تلزم إلا أطرافها، فالمحكمة لا تختص إلا بالجرائم التي ترتكب على أراضي أو من طرف مواطني تلك الدول الأطراف، كما يجوز لها أن تختص بالنظر في الجرائم التي ارتكبت على أراضيها أو من طرف مواطنيها بموجب إعلان قبول تودعه أمام قلم المحكمة. أو بناء على إحالة من مجلس الأمن متصرفا من خلال صلاحياته المخولة له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

لكن المسألة تثار عندما يتم ارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على إقليم دولة غير طرف مثل إسرائيل أو من طرف مواطني لدولة غير طرف هي الأخرى في نظام المحكمة.

كما ستواجه المحكمة صعوبة في تطبيق المادة 12 في حالات التي ترتكب فيها الجرائم، التي تدخل ضمن اختصاصها على المناطق الحدودية محل النزاع بين دولة طرف ربما تكون فلسطين مستقبلا في حال صادقت على نظام روما,ودولة غير طرف مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي.

بالإضافة إلى حالة الأقاليم المحتلة الخاضعة لاحتلال الدول الأطراف في النظام الأساسي، لم يتضمن أي حكم بنص على إلزامية تحديد الدول المصادقة لامتدادها الإقليمي على خلاف من المعاهدات الدولية.وهذا ينطبق على فلسطين التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.

5-المعيقات الداخلية لدولة فلسطين:

1-في حال انضمام دولة فلسطين للمحكمة الجنائية الدولة لن تستطيع محاكمة أو محاسبة إسرائيل لأنها ليست عضوا في اتفاقية روما(النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).الا عبر قرار صادر عن مجلس الامن يطلب من المدعي العام للمحكمة من ملاحقة مجرمى الحرب الاسرائيلين على جرائمهم ضد الشعب الفلسطني.وهذا لن يحصل بسبب الفيتو الامريكي.

2-عند انضمام دولة فلسطين للمحكة الجنائية الدولية يحق الى اسرائيل رفع دعوي قضائية ضد النشطاء الفلسطينيين العسكريين منهم والسياسيين في المقاومة الفلسطينيةباعتبارهم مسؤليين عن كافة العمليات الفدائية(الانتحارية) في تل ابيب وغيرها.وستكون الملاحقة محددة زمنيا منذ سنة 2002 وما بعدها.وليس قبل ذلك.

3-ملاحقة المسؤليين الفلسطينين عن إطلاق الصواريخ تجاه البلدات والمستوطنات داخل الخط الأخضر من ارض 1948.

4-قيام اسرائيل بطلب تعويضات بجبر الضرر عن ضحاياها فى كافة الاعمال التي تسببت فى مقتل اسرائيلين بسبب نشاط المقاومة,اضافة الى تعويضان عن الخسائر المادية والاقتصادية الخ. حيث تنص المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 على الالتزام بدفع تعويض عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني.

5-ستوضع أسماء الفلسطينيين –قيادة-أو جنود-أو رؤساء-أو وزراء-من المطلوبين للعدالة الدولية على لائحة الملاحقة باعتبارهم مجرمين حرب.سيتم ملاحقتهم دوليا من طرف الدول الأعضاء في نظام روما.

6-بعد مصادقة فلسطين بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية عليها القيام بملائمة قانونها الداخلي الوطني مع القانون الدولي والنظام الأساسي للمحكمة,وعلية يجب إن تقوم دولة فلسطين بإلغاء قانون حكم الإعدام.وكذلك ملائمة القانون الجنائي الداخلي مع الدولي.

7-استعداد دولة فلسطين تسليم الأشخاص المتهمين كمجرمي حرب إلى المحكمة الجنائية الدولية مهما كان منصبهم-قائد سياسي-قائد عسكري-رئيس الدولة-رئيس الوزراء-وزير-ضابط-جندي...الخ حيث لا حصانة لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.ويتم ملاحقتهم بشكل شخصي وليس بصفتهم الرسمية التى لا تمنحهم الحصانة من الملاحقة والمحاكمة.

8-تحمل دولة فلسطين كافة النفقات المالية أثناء سير وانعقاد المحكمة الجنائية الدولية.

9-هناك أمور وقضايا عديدة لا يمكننى حصرها فى هذا المقال عن المعيقات الداخلية.وسيتم تناولها فى مقالات اخري.وتم ذكر بعضها للتوضيح فقط.

وهناك قضايا أخري مثال ضرورة موافقة المجلس التشريعي ومصادقتة على الانضمام للمحكمة.وان يقوم كذلك بالغاء قوانين او تعديلها حتى لا تتعارض مع اتفاقية روما لسنة 1998...

 

6-المعيقات الخارجية: يكمن إجمالي هذه العوامل الخارجية التي تعيق المحكمة في أدائها لاختصاصاتها في العراقيل المرتبطة بالواقع الدولي للعلاقات الدولية،وهي غالبا ما كانت العدالة تتوقف في عالمنا على أبواب القوى الكبرى.فلم يقتصر الأمر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل شمل أيضا روسيا والصين والهند، فقد كشف مسار تأسيس محكمة جنائية دولية هذا الاعتبار إذ صوتت هذه الدول ضد إنشاء المحكمة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكتفي بعدم التصويت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وإبداء التحفظات بل ذهبت أبعد من ذلك وخاضت حربا على هذه المحكمة. تمثلت في معارضتها القوية لها منذ نشأتها، والتصويت ضد نظام روما عند اعتماده، كما سحبت التوقيع الذي تم في عهد الرئيس كلينتون.

وفي سياق موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة، ويأسها من محاولة تقييد اختصاص المحكمة ومن أن امتناعها لن يوقف نشاط المحكمة، لم تلغي الحكومة الأمريكية نهائيا فكرة أن تصبح طرف في نظام روما، وسيما أن المحكمة نالت توقيع أكثر من 139 دولة. وتصديق أكثر من 76 دولة في يوليوز 2002، وبانسحابها على خلفية عدم قدرتها الهيمنة على الجهاز القضائي للمحكمة اتجهت نحو محاصرة المحكمة دبلوماسيا من خلال عقد الاتفاقيات الثنائية .في أكثر من 25 اتفاقية ثنائية كمحاولة للإفلات من سلطة المحكمة.وبهدف حماية اسرائيل.

حيث عمدت عبر هذه الاتفاقيات مع عدد من الدول إلى الحصول على حصانة لمواطنيها،هذا السلوك الذي يظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفي بعدم الالتزام بالمعاهدة،وبل قادت حملة دبلوماسية لمنع الآخرين إلى الانضمام أو على الأقل لتشجيعهم للدخول في الاتفاقيات المادة 98 وتشمل هذه الاتفاقية الثنائية الدول المصادقة على النظام الأساسي

7- محاولة تأثير مجلس الأمن على صلاحيات وعمل المحكمة الجنائية الدولية:

رغم ما ورد في النظام الأساسي للمحكمة، من أنها هيئة مستقلة ولها شخصيتها القانونية وأهليتها في ممارسة وظائفها بكل استقلالية، إلا أن ما تم النص عليه في المادتين 13 و 16 من النظام الأساسي بشأن علاقة المحكمة بمجلس الأمن يؤكد أن هذه الآلية لم تكن بعيدة عن الواقع السياسي الدولي.حيث تجلي ذلك في حق الإحالة الممنوح لمجلس الأمن:

منحت المادة 13 من النظام الأساسي لمجلس الأمن حق إحالة دعوة ما إلى المحكمة الجنائية الدولية متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فالسلطة التقديرية لمجلس الأمن في تحديد الحالات التي تنتهك السلم والأمن الدوليين لا تقتصر على جريمة العدوان فقط إنما تشمل باقي الجرائم المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة مادامت تخل بالسلم والأمن الدوليين.

والواقع أن هذه المادة تفتح المجال لتسييس الدعوى الجنائية الدولية،فمجلس الأمن وهو بصدد النظر في حالة معينة قد يقرر أن واقع تلك الحالة تشكل جرما دوليا يدخل في نطاق اختصاص المحكمة وعندئذ يقرر إحالة الواقع على المدعي العام للحكمة( ).

هذا التقرير للوقائع من طرف مجلس الأمن فيما إذا كانت تشكل جرما دوليا يقوم بها بصفته جهازا أساسيا تابعا للأمم المتحدة مما يضفي على قرار الإحالة صفة الإلزام ويخل يد المدعي العام من رفض قبول الإحالة أو حتى الامتناع عن التحقيق في وقائعها. وتجلى ذلك في قضية اغتيال الحريري سنة 2005. المحكمة الخاصة في لبنان.والتي تجاهلت قضايا أخري متشابهه مثل قضية اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي مات مسموما باليورانيوم على يد الاحتلال الإسرائيلي. وأيضا قضية اغتيال رئيسة الوزراء/ بنزير بوتو في باكستان.وهذا يثبت انه وللمرة الأولى تحقق المحكمة الجنائية الدولية في قضية اغتيال شخص سياسي.لتصبح من ضمن القضايا التي تهدد الأمن والسلم الدوليين حسب رؤية وقرار مجلس الأمن( ).

8-سلطة مجلس الأمن في وقف التحقيق أو المحاكمة :

منح النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية سلطة وقف التحقيق أو المحاكمة بموجب المادة 16 منه، التي يتضح من خلال نصها أن السلطة الممنوحة لمجلس الأمن لوقف سريان الدعوى أمام المحكمة هي سلطة مطلقة تتسع لتطال جميع مراحل الدعوى، فللمجلس أن يأمر بوقف السير في الدعوى سواء كانت في مرحلة التحقيق أمام المدعي العام أو أمام الدائرة التمهيدية،أوفي مرحلة المحاكمة الابتدائية أو أمام غرفة الاستئناف، بل أن هذه الإطلاق يمتد ليشمل مرحلة ما قبل النطق بالحكم( ).

والواقع أن هذه السلطة المطلقة الممنوحة لمجلس الأمن في هذا المجال إنما تمثل صورة واضحة عن التداخل الشديد بين ما هو سياسي وما هو قانوني في عمل القضاء الدولي بصفة عامة. وذلك بالنظر إلى التوازنات السياسية واعتبارات المصلحة وآليات العمل والتصويت في مجلس الأمن، فضلا على هذه السلطة تعطي صلاحيات غير محدودة للأعضاء الدائمين في المجلس لاستخدام حق النقض للحيلولة دون تقديم مواطنيها للمحاكمة.

وللإشارة فان قانونية العقاب لا تقل أهمية عن قانونية التجريم، لأنه يؤدي إلى ضمان العدالة للمجتمع الدولي ،حيث نص نظام روما الأساسي في المادة 23 على قانونية التجريم (( لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي )) ويحمد هذا النص لحصره مصدر العقاب بالنظام الأساسي فقط( ) .

9- العقوبات التي أعتمدها النظام الأساسي في التالي :

تضمنت المادة (77) من النظام الأساسي على أنواع العقوبات التي يجوز للمحكمة فرضها على من تثبت إدانته عن إرتكاب جريمة من الجرائم الداخلة في إختصاصها في المادة (5) منه وهذه العقوبات محددة حصراً وليست على سبيل المثال وهي :

1- العقوبات السالبة للحرية، وهي على نوعين هما :

أ- السجن المؤقت، ولا تزيد مدته عن (30) سنة .

ب- السجن المؤبد ( مدى الحياة ) وتفرض هذه العقوبة على من ثبت ارتكابه جريمة بالغة الخطورة .

2- العقوبات المالية وهي على نوعين هما :

أ- الغرامة، التي يتحدد فرضها بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية، وضمن القاعدة (146) التي حددت موجبات فرضها بالآتي :

1- القدرة المالية للشخص المدان .

2- الدافع إلى الجريمة هو الكسب المالي للشخص وإلى أي مدى كان ارتكابها بهذا الدافع.

3- ما ينجم عن الجريمة من ضرر وإصابات، فضلاً عن المكاسب النسبية التي تعود على الجاني من ارتكابها. ولا تتجاوز بأي حال من الأحوال ما نسبته 75% من قيمة ما يمكن تحديده من أصول، سائلة أو قابلة للتصريف، وأموال يملكها الشخص المدان، بعد خصم مبلغ مناسب يفي بالإحتياجات المالية للشخص المدان ومن يعولهم.

ب- المصادرة ، وتعني مصادرة الأموال المتأتية من الجرائم التي يدان بها الشخص ولو بصورة غير مباشرة دون المساس بحقوق الأشخاص حسني النية .

وينص النظام الأساسي للمحكمة على إنشاء صندوق إستئمان تحول إليه العائدات من الغرامات المحكوم بها والأصول والممتلكات المصادرة، وتصرف لفائدة الضحايا وعائلاتهم وتأذن المحكمة بتحويل المال وغيره من الأصول إلى الصندوق على أن تحدد الدول الأطراف في نظام المحكمة معايير إدارته( ) .

وفي رأينا الخاص : ومن خلال ما سبق نستنتج أن دور المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني يكمن في كون إن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية تشمل النظر في الجرائم الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم الحرب والتي تشكل في مضمونها أهم صور الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.ورغم إمكانية انضمام دولة فلسطين فى الغد للمحكمة الجنائية الدولية فانها لن تستطيع حل مشكلة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين قبل ان تنضم إسرائيل لنفس المحكمة أو بعد أن يتدخل مجلس الأمن ويقرر ملاحقة هؤلاء المجرمين.إضافة إلى ضرورة أن تسيطر دولة فلسطين على إقليمها وتمنع اى أعمال عنف او إطلاق صواريخ قد تتسبب بملاحقة قانونية لرئيس دولة فلسطين ولقيادة المقاومة.مع مراعاة التمييز بين حق تقرير المصير ومقارعة الاحتلال.وبين الأعمال المجرمة في القانون الدولي الإنساني.

وللإشارة وبنص المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية – يحق إلى مجلس الأمن تأجيل التحقيق لمدة 12 شهرا (سنة كاملة) في اى قضية تكون قد باشرت المحكمة التحقيق فيها ويحق للمجلس تجديد التأجيل لسنوات عديدة بدون تقديم اى سبب أو توضيح لذلك.

ومن جهة أخري وبنفس المادة يحق لمجلس الأمن أن يكلف المدعى العام التحقيق فى اى جريمة يرى مجلس الأمن إنها تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين مثال قضية اغتيال رفيق الحريري-لبنان.

فهل فعلا اغتال رئيس وزراء لدولة ما- أصبح يشكل خطرا على نظرية الأمن الجماعي؟

والسؤال الاخر- هل تسيطر دولة فلسطين على حدودها البرية والجوية والبحرية لتقوم بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية؟

وهل قامت دولة فلسطين بتغير قانونها الداخلي الوطني حتى يتلاءم مع القانون الجنائي الدولي؟

وهل اخذ المجلس التشريعي الفلسطيني المعطل دورة في هذا الجانب؟ هل قال كلمته؟

واخيرا- هل تم تشكيل لجنة قانونية من خبراء القانون الدولي لأخذ استشارتهم في هذا الموضوع؟

 

د.عبدالحكيم سليمان وادي

رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الإنسان ومتابعة العدالة الدولية.