استراتيجية حماس الخفية وأهدافها البعيدة
تاريخ النشر : 2019-12-07 08:24

ان المتابع لحركة حماس منذ إعلانها عن وثيقتها السياسية في مايو 2017 والتي تشمل 11 فصلاً و41 بنداً تفصيلاً، منها أن إقامة دولة فلسطينية وكاملة السيادة وعاصمتها القدس ضمن حدود الـ 67 هي صيغة توافقية وطنية مشتركة، مؤكدة أنّ هذا الأمر لا يعني الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي – المتابع -للوثيقة لا يرى تغيراً يُذكر، بل حافظت على المضمون السابق ، ولم تغير إلا في الشروحات ، مع قولبة الصياغة لتكون مقبولة للتسويق الدعائي .

ان الوثيقة بصيغتها القديمة تقيد حماس في الحركة والقول ، ولكنها الآن أعطتها مساحة للتلون والتلاعب بالألفاظ . فالتفاعلات السياسية الحادثة فرضت عليها التكيّف مع الواقع السياسي بناءً على معطيات وتحولات بعينها؛ لأن السياسة وإن كانت هي "فن الممكن"، فهي بالدرجة الأولى انعكاس لموازين القوى، والتي لا تبدو منذ تراجع حركة النهوض العربي، وانفجارات الأوضاع الداخلية في العديد من الدول العربية، وانشغال العالم الإسلامي بتداعيات ما يجري في المنطقة من صراعات وحروب وتحالفات متعاكسة، والتي لا تبدو أنها تعمل لصالح القضية الفلسطينية، أو تثبيت بوصلة العداء وتوحيدها باتجاه إسرائيل؛ العدو المركزي لحقوق شعب فلسطين وطموحاته في الاستقلال، بل أخذت مسارات مضلله وتحشيد باتجاه إيران كعدوٍ بديل!! وصار الكثير من دولنا العربية يخطب ودَّ إسرائيل، ويسعي لكسب رضاها لما لها من تأثير على سياسات أمريكا ومواقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط، بشكل عام ، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، بهدف الاستقواء على إيران، وطمعاً في إيجاد تحالفات تحمي أنظمتها بالدرجة الأولى من مخاطر التهديدات الإيرانية العسكرية لها.

فما نراه الآن أن حماس تمترست في قطاع غزة وجذورها أصبحت عميقة بحيث لا يمكن إحداث أي تغيير ، أو توافق داخلي بدون أن يكون لها دور اللاعب الرئيسي فيه .

فما هي استراتيجيتها الخفية التي لا تكشفها التصريحات، بل ما يجري في أرض الواقع ؟

= النأي بالنفس عن التدخل في الصراعات الداخلية للدول العربية ، ومحاولة الابتعاد والحذر من تكرار مواقف سابقة في هذا الشأن ، حيث كانت لها مواقف واضحة لما جرى من حراكات شعبية أو حكومية في مصر وسوريا ، وترتب عليها الكثير من التبعات التي أضرت بالحركة وكشفت عدم خبرتها..

= التنويه بأخذ تجربة إخوان تونس بعين الاعتبار مع مراعاة الاختلاف في الجغرافيا ، والوضع الوطني لفلسطين .

= الأخذ بعين الاعتبار أن القبول الاسرائيلي لحماس هو المدخل للقبول العالمي .

= التمكن الداخلي هو المدخل للقبول الاسرائيلي .

= التمكن الداخلي ويتفرع الى :

ا– التمكن الاقتصادي : كل الداخل والخارج يجري بعلمها ويعود بالفائدة عليها .

ب– التمكن الاداري : السيطرة ادارياً وأمنيا على كل مجريات الحياة في غزة .

ج – ادارة الصراع والتحكم في السلاح والحدود ومسيرات العودة .

= الهدنة بالنسبة لحماس شعار استراتيجي، بينما التهديد بإشعال الصراع تكتيكي ، فتقليل لحظات الاشتباك يُحافظ على ديمومة حكم حماس .

= الهدنة هي عنوان التمكن والسيطرة ، وهي المدخل للقبول الاسرائيلي .

وكثرت التلميحات الإسرائيلية عن قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة طويلة المدى مع حركة حماس في قطاع غزة.

أما استراتيجية حماس الخاصة بالبيت الفلسطيني الداخلي فهي تتمحور حول الآتي :

= رفع شعار المقاومة، والرفض للمقاومة هو تساوق مع العدو، وخروج عن الصف الوطني.

= التمكن العسكري هو الركيزة الدائمة التي لا يجب اختراقها .

= التمكن الاقتصادي هو الركيزة السرية للتمكن .

= ممارسة الحزم وتبيان القدرة على وأد الحراكات المضادة سواء كانت فردية أو جماعية .

= الاستمرار في رفع شعار خدمة الدين والاسترشاد بنهج الصحابة ، كنهج أساسي في الدعاية الداخلية والخارجية، وهذا يكسبها تعاطف الكثير من الناس الذين تخدعهم الشعارات الدينية .

ان حماس تُدرك أن تكرار الحروب على غزة وفرض الحصار واستمراره ما إلا دليل على عدم قبول حماس اسرائيليا وعالميا، وبشكل أو بآخر عربياً وفلسطينياً.

ولكن ما هو الهدف البعيد لحماس بعد كل هذا ؟ الهدف يتمحور حول القبول ... قبول حماس بوصفها جزءاً من حركة الاخوان العالمية استطاع تثبيت نفسه في منطقة جغرافية مُحددة بينما فشل الاخوان في جميع الدول العربية .

والأهم من هذا قبول حماس ضمن الصف الفلسطيني بدخول منظمة التحرير كشريك في جميع المؤسسات الادارية والمالية والسياسية ، حتى لو كانت الوسيلة هي عمل انتخابات شكلية تكون نتيجتها تصدر حماس للمشهد ، خاصة وأن سلطة المنظمة قد استنفذت أغراضها وسيطرتها على المسار الفلسطيني من وجهة نظر اسرائيل التي تعمل جاهدة على اضعافها للانتقال الى العمل مع حماس وعقد صفقة تهدئة طويلة معا .

ان قبول حماس اسرائيلياً يعني استبدالها بمنظمة التحرير بكل ملحقاتها السياسية والادارية ، ولكن بوجه جديد مُكبل باتفاقيات التهدئة الخاصة بغزة ، وتجاهل كل ما قبلها من اتفاقيات .

ولا يمكن تجاهل أن أي اتفاق للتهدئة بين حماس واسرائيل سيتركز حول غزة ، وهذه فرصة لإطلاق يد اسرائيل في الضفة لتستولي على الأغوار وغيرها، وتقضي بذلك على حلم حل الدولتين .

والحقيقة أن حماس قطعت شوطاً كبيراً، وحققت الكثير من الركائز التي جعلتها قريبة من تحقيق هدفها البعيد وهو اقتراب قبولها فلسطينياً وعربياً واسرائيلياً وعالمياً . خاصة وأنها أعلنت قبولها للانتخابات ونتائجها، وأنها لن تنافس على الحصول على الرئاسة .

ان عدم مشاركة حماس للجهاد في الاشتباك الأخير هي للقول أنها لها القدرة على أن تكون عقلانية وقت السلم ووقت الاشتباك، وأن قبولها وعقد اتفاقية معها هي الخطوة الأولى لتثبيت أي هدنة ..

إن حماس قد فرضت على الآخرين استساغة التعامل معها ، فنرى فتح التي لم تكن تتصور يوماُ أن لا تكون الحزب الحاكم الأوحد ، نراها وقعت اتفاقيات تنص على الشراكة وقبول الآلاف من الموظفين الذين وظفتهم حماس بدلاً من موظفيها، كما أنها لا تستطيع اقامة أي احتفال خاص بها في غزة دون أخذ الاذن من شرطة حماس .

ونرى مصر رغم صدامها مع حركة الاخوان المصرية ، نجدها تُوظف مبرراتها الخاصة للتعامل مع حماس الاخوانية، والتوسط لعمل هدنة عند اشتعال أي اشتباك على حدود غزة مع اسرائيل.

كما نرى اسرائيل التي خاضت عدة حروب مع حماس نجدها تُقنع نفسها بمبررات لتحويل الأموال والمساعدات القطرية لحماس . فإسرائيل تُدرك أن ترويض حماس له ثمن ، ولكن له فوائد بعيدة المدى ستؤتي أُكلها ، ولو بعد حين !!