في ذكري مُضي "32 " عامَا على انتفاضة الحِجارة المُباركة بفلسطين
تاريخ النشر : 2019-12-06 21:39

انطلقت شُعلت شرارتِّهَا الأولي في اليوم الثامن من هذا الشهر ديسمبر- كانون الأول، من العام الميلادي 1987م، الموافق هجرياً عام 1407ه؛ حيثُ قام سائق شاحنة مُستوطن يهودي حَاقد مُجرم، بِدهس مُتعمِدّاً عمالاَ فلسطينيون، بدون أي ذنب اقترفوهُ!؛ مما أَدى لاِسّتِشهاد أربعة منهم علي الفُورْ، وجرح آخرين!؛ وجاء الخبر كصاعق قُنبلة متفجر علي الشعب الفلسطيني؛ ولم يكترث الاحتلال بتلك الجريمة، ومرت وسائل اعلام الاحتلال علي الجريمة وكأن شيئاً لم يحدُثْ، وقد أُشيع آنذاك أن هذا الحادث كان عملية انتقام عمداً من قبل هذا المستوطن الارهابي ضد الفلسطينيين، وفي اليوم التالي للجريمة، وخلال تشيع جنازة الشهداء اندلع احتجاج عفوي من المُشيعين، ولأول مرة يتم رجم قوات الاحتلال بالحجارة على موقع لِعصابة جيش الاحتلال الإسرائيلي في مُخم جباليا للاجئين، فقام جنود الاحتلال بإطلاق النار علي المُتظاهرين، دون أن يؤثر ذلك على الحشود من الشعب الفلسطيني، والذين أمطروا قوات الاحتلال بوابلٍ من الحجارة، وزجاجات المولوتوف الحارقة، مما أدي لطلب قوات الاحتلال المدد، والدعم العسكري؛ وهذا ما شكل أول شرارة لانتفاضة الحجارة الأولي؛ وكانت تلك الحادثة القشة التي قصمت ظهر البعير، فارتقي أول شهيد حاتم السيسي برصاص الاحتلال الغادر الفاجر!؛ وامتدت شرارة الانتفاضة لكل الأراضي الفلسطينية الضفة، والقدس، وكانت هناك العديد من الأسباب لاندلاع الانتفاضة غير حادثة دهس، وقتل العمال؛ فّهُناك أسبابًا عميقة نختصرها في: عدم تَقّبُل الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي؛ لأن الفلسطينيون لم، ولن يقبلوا احتلالاً احلالياً استيطانياً سَادي، ولن ينسوا النكبة، وما حدث لهم من مجازر وتهجير بعد حرب 1948م، وبالذات التشريد، والتهجير القسري، لأن الشعب الفلسطيني استمر يتعرّض لممارسات عصابة الاحتلال، من العنف المستمر، والقتل، والإهانات، والاستيطان، والمستوطنين،علاوة على الجوّ العامّ المشحون والرغبة في عودة الأمور إلى نصابها قبل الاحتلال كما أن معظم شعوب العالم لم ترض باحتلال قوّة أجنبيّة للأرض التي كانوا يعيشون عليها منذ آلاف السنين؛ ومن أسباب اندلاع الانتفاضة الأولي هو تردّي الأوضاع الاقتصادية وتّجُرع الفلسطينيون للإذلال اليومي من الاحتلال، والتمييز الُعنصري بخصوص الأجور إذ بالنسبة لنفس العمل يتقاضى الفلسطيني أجرا يقل مرتين عن نظيره المحتل (الإسرائيلي)، برغم جودة وقوة العامل الفلسطيني، كما كان يمكن طرد العامل الفلسطيني دون دفع أجره، ومن أسباب اندلاع الانتفاضة احتلال مدينة القدس، وتهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة، وتقنين الدخول إلى الحرم القدُسي الشريف، وأماكن العبادة الإسلامية. كما تم الاستيلاء على البيوت وعدد من الأراضي للفلسطينيين وتهويدها، لترسيخ فكرة القدس كعاصمة غير قابلة للتقسيم من خلال بناء المستوطنات بها، من خلال مخطط الارهابي الجنرال (موشيه دايان)، لبناء المستوطنات إلى الاستيلاء على الأراضي فلسطينية بطريقة متخفية سعياً منهُ لقيام (دولة إسرائيل الكبرى)، "من النيل إلي الفرات"!؛ بالإضافة إلى استعمال مصادر المياه الموجودة داخل الأراضي المحتلة، وسرقتها لصالح المستوطنين.
كانت الانتفاضة الأولي مفاجئة لأجهزة استخبارات العدو المُحتل الإسرائيلي، والذي لم يكن منتبها إلى الغليان الفلسطيني بالرغم من التحذيرات التي أبداها عدد من السياسيين في كيان الاحتلال مثل "وزير خارجية الاحتلال السابق "أبا إيبان"، والذي كتب عام 1986، أي قبل سنة من الانتفاضة: "إن الفلسطينيين يعيشون محرومين من حق التصويت أو من حق اختيار من يمثلهم، وليس لديهم أي حقوق ويوماً ما سوف تكون مواجهة حتمية معهم".
تواصلت الانتفاضة المجيدة لمدة زادت عن السبع سنوات، وخلالها أعلن رئيس وزراء عصابة الاحتلال الهالك "اسحاق رابين"، والذي اغتاله أحد المستوطنين؛ قائلاً رابين: "سنكسر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك" وفعلاً فعل جنودهُ ذلك بالفلسطينيين! كسر الله عظامه وأحرقهُ في قبرهِ. ورغم القتل والاحتلال زادت الانتفاضة اشتعالاً، في ذلك الماضي المجيد التليد الذي سجل التاريخ أحداثهُ بأحرف من نور وعُمدِ بدماء الشهداء، والجرحى والأسري، وكان الفلسطينيون أول من أدخل مصطلح كلمة انتفاضة في قواميس العالم، فكانت تلك الانتفاضة المباركة طاهرةً عفيفةً، وكنا يومها في ريعان الشباب وكنا قادةً، فيها، وأبطالها، وشُعلةً لهابةً، وضاءةً لتلك الانتفاضة لحجارة السجيل، والتي تواصلت، وقويت شوكتها، وراعت استمرارها منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح بقيادة الرئيس الشهيد الراحل أبو عمار، والقائد أبو جهاد خليل الوزير رحمهما الله، فكانت هبة شعبية وطنية بامتياز، لم يكن يتوقعها لا العدو ولا الصديق، ولقد قُدر حصيلة الشهداء الفلسطينيين الذين قضوا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء انتفاضة الحجارة بحوالي 1,162 شهيد، بينهم حوالي 241 طفلا، ونحو 100 ألف جريح ومصاب، فضلاً عن تدمير ونسف 1,228 منزلاً، واقتلاع 150 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية، أما من قوات الاحتلال الإسرائيلي فقتل 160، وتم اعتقال ما يقارب من 60,000 ألف أسير فلسطيني من القدس والضفة، والقطاع وعرب الداخل المُحتل، بالإضافة للأسرى العرب؛ ولقد حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة، إذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف (الإسرائيلي الأميركي)، بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني وليسوا أردنيين، وأدركت قوات الاحتلال الإسرائيلي أن للاحتلال تأثير سلبي على المجتمع الفلسطيني كما أن القيادة العسكرية أعلنت عن عدم وجود حل عسكري للصراع مع الفلسطينيين، مما يعني ضرورة البحث عن حل سياسي بالرغم الرفض الذي أبداه رئيس الوزراء دولة الاحتلال المجرم إسحق شامير والذي بدأ يبحث عن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين. فجاء مؤتمر السلام في مدريد عام 1992/ 1993م، م والذي شكل بداية لمفاوضات السلام الثنائية بين دولة الاحتلال، والدول العربية والفلسطينيين، نتج عن ذلك التوصل لاتفاقية أوسلو الذي أدى إلى انسحاب إسرائيلي تدريجي من المدن الفلسطينية، بدأً بغزة وأريحا أولاً، عام 1994، على أن تقوم دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من الاتفاق؛ وحتي الان لم تقوم الدولة الفلسطينية ولم ينتهي الاحتلال؛ ولكن المقاومة مستمرة للاحتلال مهما بلغت التضحيات والصعاب ومهما ارتقي من الشهداء ورغم أهات الأسري وألام الجرحى، وتتلوهم قوافل وقناطير مقنطرة من الراحلون إلى العلياء، ومن الذين لايزالون ينتظرون نحبهم؛؛؛ ولابد يوماً قريباً أن ننتصر فلسطين مهما طال الزمن ومهما طال ليل الاحتلال أم قصر؛ سيهُزم الاحتلال الصهيوني وسيولون الدُبر، والقادم للاحتلال أدهي وأّمرّ؛ وسيندحرون وسيقبرون في فلسطين، ونحنُ حتمًا لمنتصرون؛ يرونها بعيدة ونراها قريبة وإننا لصادقون،؛ قال تعالي: "إنا لننصرُ رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد"؛ المجد والخلود للشهداء الأبرار والحرية للأسري والشفاء العاجل للجرحى، ورحم الله كوكبة الشهداء المتواصلة على ثري الوطن الجريح، حتي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، وما النصرُ إلا صبر ساعة واشد ساعات الليلِ سواداً وحِلّكّةً هي تلك الساعة التي تسبق بزوغ الفجر، والنصر، والتحرير والخلاص من الاحتلال قادم طال الزمانُ أم قصر وإننا منتصرون بإذن الله، والاحتلال مصيرهُ يوماً ما تحت الأحذية والنعال.
الكاتب الباحث الأديب والمفكر العربي الإسلامي والمحلل السياسي