معادلة غزة الجديدة ... "كيان مقابل تهدئة"!
تاريخ النشر : 2019-12-05 08:32

كتب حسن عصفور/ فتحت قيادة حركة "حماس" معركة كلامية من نوع جديد، دون ان تدقق في مخاطرها العامة، عندما عملت جاهدة لصناعة "مبررات تقنية" لقضايا سياسية بامتياز.

مع انطلاق مسيرات كسر الحصار في غزة، كان التوافق العام أنها أحد اشكال الكفاح ضد العدو القومي وحصاره الخاص ضد القطاع، وما تحمله من تأكيد على ان روح المواجهة ليس فعلا ماضيا، بل حاضرا ومستمرا، بشكل أو بآخر، وكانت الانطلاقة معبرة عن "وحدة سياسية ميدانية"، رغم بعض من محاولات قيادات حمساوية سحبها لأن تكون تحت مظلتها، وتسير وفقا لنبض ساعتها "السياسية"، لكنها واصلت الانطلاق بقوة شعبية رسمت علامة فارقة في مسيرة العمل الوطني.

ومنذ زمن ومع تحولها لمظهر فصائلي، فقدت العمق الشعبي بل والمبرر العملي، خاصة وأن خسائرها البشرية تركت اثرا بالغا في المشهد العام والخاص، ففقدت بريقها كثيرا، وتحولت من فعل شعبي الى فعل فصائلي، ما سيضعها ضمن خانة "الردود المقولبة"، بعيدا عن الادعاءات اللغوية بأنها تحقق كثيرا.

الحديث عن "فضائل" المسيرات أضاع في مساربه ماذا دفع مقابل تلك "الفضائل"، وأي ثمن أو "أثمان" سياسية مقابلها، ولما الهروب من توضيح تلك الأثمان السياسية، التي تم صياغتها فيما يعرف بـ "التفاهمات"، التي هي شكل من أشكال الاتفاقات بين حماس (نيابة عن فصائل غزة ودولة الكيان)، وتلك أول ملامح الأثمان، حيث تم ترسيخ أن "غزة كيان" يمكنه عقد "الاتفاقات" دون توافق مع "الشرعية العامة.

ولاحقا، بدأ يتضح بعضا من مضمون تك "التفاهمات" السياسية، بحث تجاوزت معادلة "المال مقابل الهدوء" لتصبح "كيان مقابل هدوء"، المعادلة التي تمثل انحرافا جوهريا عن المسار الفلسطيني الوطني – الكياني، سواء أقرت حماس بذلك ام هربت كعادتها تحت شعارات "ديماغوجية"، فالوقائع أكثر قوة وتأثيرا من "ثرثرة تحت الممرات".

المعادلة الجديدة، "كيان مقابل الهدوء – التهدئة" بدأت عمليا بترسيم الاتفاقات مع إسرائيل عبر الفصائل وليس السلطة – المنظمة، وهو ما فتح ثغرة مغرية جدا لدولة الكيان لتبدأ في توزيع "الهدايا السياسية" لترسيخ معادلة الاتفاق بعيدا عن "الرسمية الفلسطينية"، الذي سعت له منذ أن لعبت دورا "موضوعيا" في تشجيع الانقلاب ثم الانقسام.

إسرائيل وحكومتها، ومع الحديث عن الانتخابات الجديدة، فتحت خزائنها السياسية، على خطوات هامة نحو تعزيز أساس "كيانية غزة"، فأعلنت عن قيامها بتجهيز 5 مناطق صناعية في بلدات مقابل القطاع لتخدم حركة التبادل التجاري وكذا خدمات عمالية، وأعادت عرض مشروع "الجزيرة المائية الصناعية"، بكل ما تحمل من ميناء بحري ومطار لتكون ممرات غزة السياسية نحو العالم الخارجي، وما تم كشفه عن المشفى الأمريكي بما يمثل من بعد خاص في علاقة بين حماس وواشنطن.

بتدقيق سياسي، نجد أن الممرات المائية والجزيرة هي الباب المباشر لترسيخ "كيان غزة الخاص"، حيث العمل لإقامة منشآت "سيادية لا يمكن لفصيل ان يتعامل معها، بل ولا يمكن لأي دولة أن توافق عليها دون مقابل، فما بالنا والحديث عن إسرائيل، التي عملت وتعمل بكل السبل لتدمير "الكيانية الفلسطينية العامة"، وتعمل على تكريس بدائلها من خلال "محميات متناثرة" مفصولة وطنيا وسياسيا جنوبها عن شمالها.

الملفت هنا، وما تتجاهل قيادة حماس إدراكه، ان تلك المشاريع هي صناعة إسرائيلية خالصة، لا وجود لأي توافق فلسطيني معها، تم دراستها وتقديمها من قبل بعض وزراء حكومتها عام 2016، أي قبل 3 سنوات، لم يتم التعامل معها بـ "الجدية" المطلوبة لعدم ضمان النتائج المرجوة منها سياسيا.

ومع توفر الفرصة السياسية المناسبة، التي ستفرزها الانتخابات الفلسطينية القادمة، بدأت حكومة إسرائيل إعادة مشروعها المؤسس للقاعدة الانفصالية القادمة، وأبرز مفارقته، ان يكون المتطرف – الإرهابي بينيت هو من أعلن الموافقة على المشروع القديم، والبدء بالتنفيذ مع قوة دفع للمناطق الصناعية – التجارية.

تفسير البعض، ان كسر الحصار عن قطاع غزة يفرض البحث في كل سبل ممكنة لتحقيقه، بما فيها تلك "الممرات والجزيرة" وفقا لتصريح أحد اقطاب حماس البارزين جدا خليل الحية، وحاول أن يجد كل مبررات "إنسانية" لمشروع صهيوني بامتياز، خطيئة وطنية كاملة الأركان.

الممرات المائية والجزيرة الصناعية، يمكنها ان تكون ذات "قيمة اقتصادية هامة" في سياق الاتفاق العام بين "الشرعية – الرسمية الفلسطينية" وحكومة الاحتلال، على طريق فك الارتباط والانتهاء من المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، الذي فقد قيمته منذ اغتيال رابين 95، وانتهى كليا باغتيال الخالد ياسر عرفات، باعتبار أن تلك منافذ "سيادية خالصة".
يمكن لحماس أن تحمل تلك المشاريع وتضعها على طاولة الحوار مع الشرعية الرسمية، وتصبح هي المسؤولة على التفاوض عليها ضمن رؤية وطنية "سيادية"، وتلك ليس مسألة شائكة، بل ربما تكون بوابة عملية لكسر كل "جدر الانقسام" المصنعة، من خلال "مصالح اقتصادية".

لتقدم حماس على تقديم ملفات الممرات والجزيرة والمناطق الصناعية – التجارية الى الطاولة الرسمية، ولو رفضت يمكن ان تضعها "وديعة" لدى الجامعة العربية لتناقشها مع الشرعية الرسمية.

وعند رفض الرسمية الفلسطينية بحث ذلك، تستطيع حماس وعبر تحالف سياسي جديد، بالتنسيق الكامل مع الشقيقة مصر بحث الخطوات المستقبلية وفقا للمصلحة العامة.
غير ذلك تكون حماس جزءا من تمرير المشروع التهويدي لحل المسألة الفلسطينية عبر "كيان غزة الخاص" و"محميات كيانية في الضفة الغربية"، ولا عزاء للساذجين!

ملاحظة: وافقت حماس على افتتاح محطة مياه عادمة وصرف صحي بإشراف سلطة رام الله، دون أن يكون لها دور، هل من تفسير سياسي...ولو كانت حرصا فلما لا تعمم حرصها على ما هو أكثر أهمية وطنية!

تنويه خاص: اعتداء قوات أمن حماس على عائلة في بيت لاهيا شمال غزة، لرفضها تحويل أرضها المتبرعة بها لمرفق عام الى منفعة تجارية لبعض "المحاسيب"، هي وصمة عار لمن يدعي انه ضد "الفساد"!