وعد بلفور بعد 102 عام
تاريخ النشر : 2019-11-06 21:23

لا يمكننا أن ننسى، وليس مسموحاً لنا أن ننسى، أن النكبة قد بدأت منذ مائة عام وعامين حين تلقى اليهود وعداً بريطانياً خبيثاً، سمي بوعد بلفور والذي قضى بإقامة وطن قومي لليهود آنذاك، وسط العرب، وكانت فلسطين هي ضحية ذلك الوعد، والتاريخ لا ينسى بل يذكرنا دائماً بأنهم بقوا، والوعد تحقق، في حين تلقى الفلسطينيون قبل ربع قرن اتفاقاً دولياً ووعداً بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، رغم عدم التقاء التشابهات، ولا خطوط اللعبة السياسية، لكن ما هو باطل باق ويتمدد، وما هو حق لم يقبلوا أن يتحقق حتى لو على جزء من الأرض. سعت إسرائيل ومعها الكثير من الدول وراء هذا الحلم حتى بات يتلاشى يوماً بعد يوم. هنا المقارنة ظالمة جداً، فالعالم كله وقف ليدعم الحركة الصهيونية ودعمتها أمريكا، والعالم كله تخلى عن حلم صغير للفلسطينيين، ووقفت أمامه كل سبل التحقق، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وما يحصل الان هو أكبر دليل على أن الذكرى تكبر وتتجذر ونحن نرجع إلى الوراء، دون أن نقدر حتى على المطالبة بحقنا الشرعي في أرضنا ومقدساتنا.
لقد تمكنت الحركة الصهيونية من أن تجعل اليهود في العالم أزمة دولية فيما عرف حينها "بالمسألة اليهودية"، لكن الفلسطينيين حتى في أشد مراحل تفاؤلهم وأوجهم في أعوام السبعينات والثمانينات من القرن الماضي لم يتمكنوا من جعل الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني "المسألة الفلسطينية" ووضعها على الأجندة الدولية، ولا على سلم أولويات، ولا على خارطة الاهتمامات الدولية مثل ما فعلت إسرائيل، التي استطاعت أن توقف خصومها وأن تجبر حتى من كان يعتبرها عدوا أن يطبع معها.
ومعروف أن ما ساعدهم أكثر، وكانت الفرصة التي استغلوها فيما بعد على أنها المبرر لكل ما قد يفعلونه، هي المذابح التي حدثت بحق اليهود، وما قام به هتلر عُرِف بالمحرقة اليهودية التي أصابت العالم بالصدمة لتتحول الى تعاطف قوي مع الشعب اليهودي، وإن جاء ذلك في النهاية على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. لكن الفلسطيني لم يستطع تحويل كارثته الى هولوكوست جديد، ولم يتمكن من تحقيق إجماع دولي لصالح مشروعه الوطني الذي أصيب بالتعثر بعد أكثر المحاولات جدية عندما انتقل إلى العمل السياسي، وإذ به يصاب بالخذلان.
تتعدد الفوارق هنا لأن التجارب لا تتشابه والنتائج لا تتشابه أيضا، لكن علينا أن ندرك أن كل الدروس التي مررنا فيها لم تكن مجدية، فقد قصرنا في حق أنفسنا الاف المرات، قصرنا في عدم استغلال تجربة أوسلو التي فرضت علينا، وقصرنا في عدم استغلال حقنا في الأرض والمقدسات الفلسطينية، وسلمنا لضعفنا الذي تعمد الكثيرون أن يوصلونا إليه. إذا نظرنا إلى أدائنا وأداء العدو، في حين لا زلنا نتمسك بالحزبية والفصائلية، نجد أن إسرائيل مصرة أن لديها تراث وتؤهل في جيل الرواد والطلائع الذين يديرون المشاريع، ويدعمون الاستيطان والكيبوتسات الزراعية، والمطابع، وتطوير الجامعات، وترعى العلماء، والكوادر، والمؤتمرات، بينما انشغلنا نحن بالصراعات السياسية، والمؤامرات على السلطة، والصراعات الداخلية التي أنهت صمودنا وقدرتنا على التحدي والمواجهة، والمطالبة بالحق العام والذي كان مشروعاً، لدرجة أننا أصبحنا أعداء بعض.
خلال عقد من الزمن، تراجع الصراع الحقيقي مع الاحتلال وانحرفت البوصلة عن أحلام الدولة الفلسطينية، وتحطمت مؤسسة السلطة التي تجمعنا من المهجر تحت جناحها، وأصبح بناء المؤسسات الفلسطينية آخر همنا. ولم نبتعد عن العقل العربي في الأداء السياسي، فلا مؤسسة ولا قانون ولا انتخابات، والأسوأ أن نوعية الأداء في باقي المؤسسات التي كان يمكن تحقيق إنجازات كبرى من خلالها كالصحة والتعليم لم تعطنا تفوقاً نوعياً، أما مؤسسات البحث العلمي وما شابه فهذه غائبة عن المشهد تماماً!!
فهل آن لنا أن ندرك الحاجة الماسة لوقفة جادة. لدينا اليوم فرصة لإصلاح ذات البين، وأعلنها رئيسنا وذهب بل ووافق على الانتخابات الشاملة كما طالبت كل الفصائل. أمامنا فرصة لنعيد الهيبة للقضية الفلسطينية، والحق العادل في حياة الفلسطينيين، ونعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، ونترفع عن كل الخلافات الداخلية والفصائلية والحزبية، بفهم وقدرة وسلام.
في ذكرى وعد بلفور المشؤوم لنعمل جميعاً على لملمة جراحنا، ولنبني دولة تعيد كفاءاتنا، وعقولنا وعلماؤنا، ونرجع على طاولة الحوار الثوابت الوطنية، حق العودة، واللاجئين والأسرى، وعاشت فلسطين حرة أبية وعاصمتها القدس الشريف.