"انتفاضة مشبوهة" تحقق إنجازات "غير مسبوقة"؟!
تاريخ النشر : 2019-10-26 09:13

كتب حسن عصفور/ من باب المفارقة أن تتصدر إيران وأدواتها، البلد الذي تحرم فيه المظاهرات كليا "ربما بأمر إلهي (سوى من يهتف للروح القدس)، تتصدر فعل الردح السياسي للحركة الانتفاضية الشعبية غير المسبوقة في لبنان، والفعل الانتفاضي المتجدد في العراق، وتفتح كل أبواقها وخزائنها لو حدث ململة صوتية في أي بلد على غير وفاق معها، او لفئة تدين لها بالولاء المقدس، ووقفت متفرجة على تطهير عرقي وغزو تركي لحليفتها سوريا ارتباطا بمصالح إقليمية" بعيدا عن "المبادئ"، صمت يكشف أن وجودها في سوريا لتقاسم المصالح وليس دفاعا عن بلد من خطر سياسي.

في لبنان، الذي جسد أحد أبرز ظاهرة انتفاضية في تاريخه المعاصر، يقف "تحالف إيران السياسي" في لبنان بشراكة نصر الله وعون، موقفا غريبا، بل وشاذا من هذه الظاهرة، التي لم تكن ضمن حسابات المسار التقليدي الذي تحكم في بلد نخره الفساد والطائفية، نقلته من نموذج "مضيء" الى حالة ظلامية، اصابت أهلها بفقر لم يعد الصبر عليه ممكنا.

انتفاضة لبنان، انطلقت عبر حركة عفوية، تعاملت معها "أجهزة التحالف الحاكم" بسخرية واستهتار خلال الساعات الأولى، وكعادة الفاشلين، رأت ان الحل الأمني كفيل بذلك، ففتحت عليها "باب جهنم"، لتفجر واحدة من "ثورات الغضب – الجوع"، التي ستكتب اسمها الى جانب انتفاضات الحرية في التاريخ الإنساني.

وبعد أن بدأت قوى التحالف الحاكم "تيار نصر الله وعون والحريري"، ان المسألة ليست مزحة سياسية ستنتهي بمزحة سياسية مضادة، أجبر ذلك التحالف خلال 48 ساعة على فتح "سحر الحلول" ليتقدم برزمة من الإصلاحات التي يمكن اعتبارها "تاريخية" ما قبل انتفاضة 17 أكتوبر، بل ربما حلم يقظة لا أكثر، لكن منفذيها سيكونون هم ذاتهم المتهمين بكل أشكال التهم، والذين طالب المنتفضين رحليهم بالشعار الذي بات أيقونة تضاف لأيقونات من سبقهم (#كلن_يعني_كلن" (ارحل يعني ارحل)، مع ابداعات لا تتوقف.

"حزمة إصلاحات" تاريخية، تغزل بها أركان "العهد الحالي"، واعتبروها معجزة لم تتحقق سوى بحراك المنتفضين، الذين طالبوا، وبحق كامل، أن تأت أدوات تنفيذية لتلك الإصلاحات غير متورطة، أدوات تتمكن من المسار بلا أي "شبهات وتهم" تحيط بها، وهنا كشف أركان تحالف العهد القائم حقيقة الموقف من "الإصلاحات" الذين تسابقوا بالادعاء انهم طالبوا بها منذ سنوات لكنهم لم يتمكنوا من فرضها (رغم انهم أغلبية الحكم والحكومة والبرلمان)، لم يكن حائلا بينهم سوى "شراكتهم في الفساد العام"، لذا كان التخليص المكثف للمنتفضين، كلن يعني كلن.

وبنغمة متناسقة خرج أركان العهد، لمحاولة "تشويه الحركة الشعبية"، وبذات اللغة تقريبا، انها بدأت "نقية" وانتهت "مشبوهة"، لأنها طالبت فقط بأداة إصلاح لحزمة الإصلاحات، كان يمكن أن تهدأ الانتفاضة، لو انهم قرروا استقالة الحكومة في حينه، وتشكيل حكومة مهنية مصغرة لفترة محددة، تمهد لانتخابات جديدة، وتعلن تشكيل لجنة لصياغة قانون انتخابي جديد، خارج الطائفية السياسية، حتى انتخاب برلمان "غير طائفي" يشرعن دستورا علمانيا بلا حصص لحارات سكنية طائفية، يمنع اغلاق مناطق على طائفة ويعود السكن حق وحر.

الاتهامات المتناسقة، وغالبها ساذج، للحركة الشعبية لم تنل منها بل نالت كثيرا ممن حاول التذاكي باتهامها، وزادتها قوة واتساعا مقابل انحسارا لمن حاول اتهامها، فاستبدل راية الوطن التي حملها ملايين الغاضبين براية فصيل حملها ألاف المغيبين.

لبنان ينتفض، ليس شبهة بل حقا، ومن يراه غير ذلك ليعيد سماع ما قال بداية الكلام عن معجزاتها، لكنها لن تنفذ فهي طريق انهاء ما لا يجب أن ينتهي "الطائفية السياسية".

ويبدو أن ذات التهم تلاحق الغضب الشعبي العراقي، مع وجود ناطق رسمي لاتهام الغاضبين ليس كما لبنان، تمثل في السلطة الإيرانية، وتلك أبرز الظواهر، ان تصبح دولة ناطقة رسمية عن دولة أخرى، لتتهم الغاضبين بأنهم أدوات لتنفيذ "مؤامرة أمريكية إسرائيلية سعودية"، دون أن يحددوا لماذا هذه "المؤامرة الكبرى" وضد من، بل ومن هم الغاضبين أساسا.

الساسة العراقيون، أيضا ومن تحالف تسانده إيران، أعلنوا حزمة إصلاحية قالوا انها تاريخية، ونتاج الحراك الغاضب، وفتح تحقيقات في أكبر حركة فساد مرت على تاريخ العراق، وبحث في تعديل دستور وتصويب قانون انتخابي اقل طائفية، والأبرز أن غالبية الغضب وأكثره "حدة وعنفا" في المحافظات حيث غالبية أهلها من الطائفة الشيعية، لكنها عروبية الانتماء وليست فارسية الهوى.

والأشد غرابة، ان أمريكا المتهمة، كانت الشريك الأبرز في تحالف مع إيران لتدمير العراق وإعادة رسمة على قاعدة الطائفة وليس الحق...التحالف الأمريكي – الإيراني صاغ دستور ظلامي للعراق، أصبح كسره ووضع حد لفساد عهده مؤامرة ...

نعم، ما يحدث في لبنان والعراق "مؤامرة شعبية" فرضت إصلاحات تاريخية...ولمزيد منها لتكن "مؤامرات مثيلة" أكثر واشد اتساعا...

سقط القناع ولن يعود...!

ملاحظة: أثارت تغريدة د. موسى أبو مرزوق، أول رئيس لحركة حماس حول رفضه للقمع ضجة سلبية من فلسطينيين وخاصة أهل قطاع غزة، للأسف كان لها أن تكون قوة دفع في مواجهة إرهاب حماس وقمعها وليس للنيل منها!

تنويه خاص: د. اشتية أعلن لا أحد فوق القانون، مختزل نموذجي للمحاسبة، الخوف ان ينتهي بمصائب أكثر، بعد تجربة الحريات التي زادت ظلاما...فنصيحة يا دكتور بلاش تصريحات تستفزهم وتعاقب الناس أكثر!