لم يعزّني أحد
تاريخ النشر : 2019-10-23 23:44

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا يوجد ملك أو رئيس في جميع أنحاء العالم «قدم له العزاء» في مقتل الجنود الأتراك خلال الغزو التركي لشمال شرق سوريا الذي بدأ في 9 أكتوبر الجاري.

فما هي دلالات هذا الموقف الإقليمي والدولي؟ وكيف لعبت سياسات أردوغان الدور الأبرز في عزل تركيا سياسياً ودبلوماسياً ؟ وإلى أي مدى سينعكس هذا الموقف الرافض للسلوكيات التركية على الأوضاع الإقليمية خاصة بالنسبة للدول المتضررة من أوهام أردوغان؟.

صفر أصدقاء

النجاح الوحيد الذي ينسب للرئيس التركي أنه حّول تركيا من دولة «صفر أعداء» عندما تولى رئاسة الحكومة عام 2002 إلى دولة «صفر أصدقاء» في الوقت الحالي، وكان هذا واضحاً في توافق دول الجوار والدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا على إدانة الغزو التركي لشمال شرق سوريا، ومطالبة تركيا بسحب قواتها ووقف عملياتها في الأراضي السورية.

لأن أطماع أردوغان وتدخلاته في الشؤون الداخلية طالت الجميع، فليس غريباً أن تتوافق الدول العربية «باستثناء قطر» على أن ما يحدث في شمال سوريا هو احتلال وغزو للأراضي العربية. وكان بيان وزراء الخارجية العرب في قمة الوضوح عندما تضمن الإشارة إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي للشعب السوري حق الدفاع عن النفس ضد القوات التركية الغازية.

فالدول العربية سئمت التدخلات التركية في شؤونها الداخلية خاصة أن أطماع تركيا في الأراضي العربية باتت واضحة للجميع، فخطة «التتريك» التي يقوم بها أردوغان في المناطق الشمالية السورية في إدلب وعفرين وحول منبج.

وتحويل أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات من الأسماء العربية للأسماء التركية، وفتح 3 فروع لجامعة غازي عنتاب التركية في شمال سوريا، يؤكد أننا أمام مخطط ليس فقط للغزو والاحتلال، بل لضم أراض سورية لتركيا على غرار ضم لواء الإسكندرون.

ضم الأرض

ولذلك أدركت الدول العربية خطط أردوغان في ضم ثلث الأراضي السورية وهي المناطق الواقعة شرق الفرات، ناهيك عن وجود عشرات القواعد التركية شمال العراق وصولاً لكركوك والموصل، فأردوغان يتحدث كثيراً عن «أملاك السلطان عبد الحميد الثاني» في العراق.

ولذلك منذ 2011 وضع أردوغان «الليرة الموصلية» ضمن الميزانية التركية كدليل قاطع على الأطماع التركية في الأراضي السورية والعربية، ولم تتوقف الأطماع التركية عند هذا الحد بل يتحدث الرئيس التركي في اجتماعات حزبه مع الحزب القومي التركي الذي يتزعمه دولت بهجلي عن «الميراث التركي» في مصراته وطرابلس.

وربما هذا يفسر دعمه للميليشيات والإرهابيين في غرب ليبيا، ناهيك عن القاعدة العسكرية التركية في الصومال التي تقدم الدعم لكل الجماعات الإرهابية في القرن الأفريقي.

مصالح أوروبا

أوروبياً لم يترك أردوغان له صديق في القارة التي تقدم له استثمارات وسياحة بالمليارات، وراح يتحرش بقبرص في المياه الاقتصادية الخالصة للدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، واستهدف مصالح وشركات نفط فرنسية وإيطالية، كما أن أردوغان يهدد الدول الأوروبية ليل نهار بورقتين، الأولى بإرسال اللاجئين السوريين كما أرسلهم بالملايين عام 2015.

كما تخشى الدول الأوروبية عودة الدواعش بعد استهداف القوات التركية للسجون التي يقبع فيها عناصر التنظيم مثل سجن جركين، لذلك أوقفت كل الدول الأوروبية تصدير السلاح لأردوغان الذي استخدم لغة غير دبلوماسية في وصف بعض القادة الأوروبيين في فترات مختلفة مثل وصفه للسياسات الألمانية بأنها سياسات نازية، وكلها مواقف جعلت تركيا تخسر كل شركائها الأوروبيين.

عدم البصيرة

أما خلافات أردوغان مع الولايات المتحدة فهي نموذج متكامل لعدم «البصيرة السياسية»، فالدولة العضو في حلف الأطلنطي تشتري منظومة دفاع «أس 400» الروسية، ما يؤلب عليها أعضاء الكونغرس.

كما أن محاولة أردوغان إبادة الأكراد السوريين الذين تحالفت معهم واشنطن في حربها ضد تنظيم داعش دفعت الجمهوريين والديمقراطيين للتوافق لأول مرة في عهد ترامب للتصويت على عقوبات ضد تركيا بأغلبية غير مسبوقة حيث صوت 354 نائباً مقابل 60 فقط مما يعني أن هناك أكثر من 109 أصوات جمهوري اتفقوا مع جميع الديمقراطيين ضد أردوغان.

نعم لم يعد هناك صديق لأردوغان في جميع قارات العالم، ولذلك لم يعزّه أحد.