من يخطب الحسناء لم يغله المهر
تاريخ النشر : 2019-10-17 08:08

بيان لمن مروا أويمرون أو سوف يمرون بتجربة المرض

"في ربيع هذا العام وعلى غير موعد اثبتت التحاليل انني مصاب بالسرطان، وللحقيقة كان وقع الخبر صعبا. ولفهم الشاذ وغير المتوقع كان بالضرورة أن يخضع لإعمال العقل وللممكن، وللحقيقة أيضا توقعت ماهو اسوأ في معرض ما أؤمن به بألا أخضع الاشياء للصدفة وهو ما يعني لي عقلنة ماهو آت لحقيقة ان هناك دائما ماهو اسوأ. منذ بدايات التكوين في بداية الشباب ومن بين ماترك أثرا في وعيي هو ما قرأت من وصية قائد لعناصره "توقعوا اسوأ الاحتمالات لتنالوا افضلها" وهو ما تمثلته دائما في سياق تجربتي الانسانية وبالتأكيد في تجربة المرض نفسه، لذا لم يكن من بد سوى عقلنة غير المعقلن، وتقبل المرض كما هو،  فهو لم يكن نتاج تقصير ما بحق الجسد، بل هو تغيير غير معروف ولئيم لخلية ناشزة متمردة، تريد ان تختبر زميلاتها في صراع الارادات. والارادة هي مخزون التجربة وخبرة الحياة وتمظهر الاعتداد بالنفس وكبريائها الذي لاتنازل عنه. وقد سبق لي ان وضعت تلك الارادة موضع الاختبار في تجارب كثيرة وما المرض إلا تجربة اخرى لاختبارها، ومعركة لا خيار فيها سوى الانتصار. وإعمال العقل، كان واجبا وهو طالما كان مطلوبا في كل معركة وذلك بتفكيك عناصر القوة والضعف التي تتملكنا كبشر، وتعظيم عناصر القوة التي نستحوذها وخلق البنية التحتية لمعركة شريفة تليق بذلك الكبرياء. وللحقيقة فإن المرض، يشغل الوقت ويجعل من محاربته مغامرة مثيرة ومليئة بالدهشة مقابل تلك الرتابة التي نحياها في يومنا وأيامنا. كسر الايقاع اليومي واختبار الارادة واكتشاف هذا الكم الهائل من الحب من العائلة والاصدقاء والزملاء ومن نعرف ومن لا نعرف هو جانب أخر للمرض بلاشك جميل وشيق. المرض في النهاية لا علاقة له بالحياة والموت، فالحياة والموت اسبابهما وشروطهما كثيرة، والجبان يموت الف مرة والإنسان لا يموت الا مرة واحدة، وعندما يأتي الموت، لن يغلق له بابا وأهلا وسهلا به، ولا داعي للموت مرارا قبل ان يكتب لك ذلك. والحياة مرة اخرى هي تلك الحسناء المثيرة والمليئة بالدهشة والتي تستحق معها ان نتسلح بالارادة ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر.

وادراكا بكل القوة والصعف الإنساني فإن الخيانة ربما تكون من اسوأ ما قد يواجه أحدنا في التجربة الانسانية، وان كانت بذاتها نعمة لنكتشف بها ومنها حقيقة الاشياء، ومِثالها خيانة صديق او من كانوا اهلا للثقة.

ولكن اسوأ أنواع الخيانة على الإطلاق هي خيانة الجسد، عندما يقرر هو ان تصبح مريضا، وهو الذي بينك وبينه عشرة عمر طويلة وفرت له خلالها كل اسباب الدلال من طيب الطعام والسفر والقراءة وصاحبته في اجتماعات ومناسبات  وافراح في أماكن كثيرة، كنا "couple" جميل ولكن حدث ماحدث دون سابق انذار اوتحذير. خيانة بائنة وصديق إستثنائي، ربما كان صعبا تقبل او تفهم تلك الخيانة أو أتسامح معها، فهل جزاء الحسنى نكرانا والمعروف جحودا؟ نتعاتبنا كثيرا، والعتاب هو مايبقى بين المحبين بعد الخصام تذكرة بأجمل الأوقات، فهو همسات محبة وتجسيدا لحب نبيل واعترفت له أنني وفي زحمة الأشياء ربما قد اهملته قليلا او كثيرا، والإهمال يؤذي النفس والجسد، فالعلاقة السوية كالزهرة لا تتفتح وتظهر أجمل مافيها إلا بالرعاية ماء وشمسا وإلا ذبلت وماتت، أسرَّ كلينا مابطن وما ظهر بيننا وبقلب صافٍ، سامح كل منا الآخر، فمابعد الخصام إلا المحبة والرضى، شكرا لكل هؤلاء الكثيرين والمحبين الذين تدخلوا لاصلاح ذات البين، وجعلوا من الحياة أوقاتا مليئة بالاثارة والمغامرة، وتحيا الحياة خصاما وعتابا ومحبة، ألما وسعادة، هما وأملا، وتبقى هي مدهشة بثنائياتها، نحياها بكل جديدها ما استطعنا لذلك سبيلا.