هل الزواج مشروع اجتماعي فاشل؟!
تاريخ النشر : 2019-10-10 23:11

يكثر الحديث حول الزواج ومدى أهميته، كما يجري الحديث من البعض الأخر حول ان الزواج مشروع اجتماعي فاشل، لا ينتج عنه الا المزيد من المصاعب والأزمات ، وفي هذا القول الكثير من المُغالطات التي يجب التوقف أمامها والحديث بصراحة متناهية حول نعمة الزواج وأهميته ، باعتباره مسألة طبيعية خلقنا الله عليها حتى ننعم بما من علينا به، وبما وفره لنا من نعمة الإنجاب ورؤية الأبناء والعمل على تربيتهم ، وغرس المحبة بهم وتنامي قدراتهم ، ليساهموا بما امتلك كل منهم في بناء قدراته الذاتية ، كما المساهمة في بناء نواة الأسرة الصغيرة في إطار خدمة المجتمع والوطن الذي يعيشوا فيه .
الإنسان مخلوق اجتماعي وُجد على هذه الأرض بما ميزه الله به من نعم وسمات وصفات، لكي يعيش ويتعايش ويعمل على كل ما هو خير لنفسه ولغيره، وفي هذا الإطار الإنساني الطبيعي الذي خُلقنا على أساسه ووفق تعاليمه الدينية والروحية، كان من الواجب أن نتشارك بحياتنا لكي نساهم بكل جد واجتهاد وفعل طيب وقيم تم توارثها وتربينا عليها ، حتى نجعل من علاقة الزواج علاقة انسانية دينية اجتماعية تحتاج لأرضية صالحة ولجهد طيب ورزق حلال ، وعمل دائم وأهداف واضحة يعمل الزوجين على تحقيقها من خلالهم وأبنائهم بتربيتهم ونشأتهم ، حتى يشعروا بوجودهم وحضورهم ، وأنهم قد ساهموا بما يمتلكون من قُدرات على بناء نواة أسرة طيبة تشكل بأساسها مجتمع طيب خلوق يعمل وفق أسس ومبادئ وقيم لا تتعارض مع الدين وعادات وتقاليد المجتمع .
قد يُواجه الزواج ببعض الأحيان بمشاكل عديدة منها ما يمكن حلها وتجاوزها ، ومنها ما يصعب ايجاد الحلول لها وعندها يكون الانفصال كما قال رب العزة والجلالة " إن أبغض الحلال عند الله الطلاق".
الزواج والمقصود بعقد الزواج والحياة الزوجية أن تبدأ وتستمر حتى تصل العلاقة إلى نهايتها الطبيعية بفقدان سبل الحياة ، أما العثرات والمصاعب والأزمات والتي يصعب حلها ما بين الزوجين يكون فيها الخلاص بما ينسجم والشريعة الإسلامية ما بعد فشل الجهود، التي يمكن أن تصل لإيجاد الحلول الممكنة للسير والاستمرار بالحياة الزوجية .
قد يترتب على العلاقة الزوجية الكثير من المصاعب والأزمات والتي قد تُولد بعض القناعات بحالة نفسية محددة بأنه لا مجال للاستمرار، وأن مشروع الزواج مشروع اجتماعي فاشل، يتحمل الإنسان ما لا طاقة له به ، وأن الخلاص ربما يكون الأفضل ، وفي هذا القول جزء من الحقيقة ، وليس الحقيقة كاملة لأن الحياة بطبيعتها ممر يجد فيه الإنسان الكثير من المتاعب والهموم والأزمات والتي تعتمد في أساسها على القدرات الخاصة بالزوجين ومدى امكانياتهم الإيمانية ،الثقافية ،الاجتماعية، المادية ،والنفسية على تجاوز مثل هذه المصاعب وأن يتجاوزوها بقدراتهم الخاصة ومعرفتهم وثقتهم أن الحياة لا تخلو من المشاكل والمتاعب وأن بالإمكان تجاوز مثل هذه المصاعب وايجاد الحلول لها .
مشكلة الزواج في بلادنا هو بحالة الاختلال بميزان الوعي والثقافة والخبرات والقدرات الخاصة، والتي تجعل كل طرف يشعر بضعف الطرف الأخر وعدم مقدرته على الموائمة والانسجام، وهنا يكون الصدام ومحاولة ايجاد الحلول في ظل ذات الاختلال وعدم المقدرة على التشخيص وطرح الحلول الصحيحة، وتستمر الحياة بترقيعات اجتماعية وحلول جزئية واجتهادات لا تصل الى الحد المطلوب مما يجعل من الأزمة تتفاقم والمصاعب تزداد ليصل الزوجين الى الحد الذي يجدوا فيه أنفسهم أمام مُفترق طُرق .
الزواج مشروع اجتماعي ناجح بامتياز ، وليس فاشل على الإطلاق ، لكن ما يساعد على نجاحه هو حالة التوازن بين كفي المعادلة الزوجية وعدم اختلالها وميلها الى الحد الذي يُصعب من أُسس التفاهم وبناء حياة زوجية سعيدة .
هذا الاختلال في معادلة الزوجية ليست خارج السياق الطبيعي، لكنها أمر ممكن حدوثه ، كما انه يمكن معالجته بالوعي والمحبة وشمولية الرؤية والأهداف السامية التي نتجت عن هذا الزواج من خلال وجود الأبناء باعتبارهم مشروع حياة مشترك، يجب أن يتشارك الزوجين في تربيتهم وتعليمهم واحداث التوازن النفسي لأبنائهم بما يساهم في بناء أسرة سليمة كأحد مداميك هذا المجتمع الذي يجب أن يُبنى على أساس الأسرة المتوازنة وليست المختلة .
كل ما سبق يحتاج إلى الكثير من الحديث والجهد والتعليم والتعلم والتدريب في كيفية بناء الأسرة الصغيرة، وتأسيس العلاقة الزوجية السليمة القائمة على الاحترام والثقة وإنكار الذات، حتى نؤكد أن مشروع الزواج مشروع اجتماعي ناجح وايجابي، وليس كما يقول البعض أنه مشروع اجتماعي فاشل .
للزوجة والزوج رسالة هامة فيها من الواقع بأكثر من الخيال ، فيها من الواقع بأكثر من الوهم ، فيها الكثير من الحقائق التي يدركها كل منهم ، فالمسلسلات والكليبات ومشاهير السينما والفن ليسوا هم كل هذه الحياة ، بل يشكلوا جزءا صغيرا يمكن الاستفادة منه بكل ما هو ايجابي ، وبما يمكن أن يحدث التسلية للبعض ممن يرغب ، لكنها ليست الحياة بمعناها الحقيق ، وما تشاهدون ، وحتى ما تستمعون اليه من البعض ، لا يمثل الحياة الحقيقية ، لأن الحياة وجمالها وروحانياتها بمسؤولياتها وبأهدافها السامية وبرقي علاقاتها وسمو أخلاقها .