الإنتخابات هي الحل ولا بديل عنها ...!!
تاريخ النشر : 2019-09-30 16:32

تعتبر الانتخابات الممارسة السياسية الأسمى، والوسيلة الديمقراطية المثلى، لاختيار الهيئات التمثيلية لأي جسم انتخابي، لنادٍ، أو جمعية، أو نقابة، أو مجلس بلدي، أو مجلس نواب، أو رئيس دولة، ولذلك تكتسب العملية الانتخابية أي عملية انتخابية على اختلاف درجاتها ومستوياتها، أهمية قصوى وبالغة الخطورة، لأنها تتأثر بجملة من العوامل المادية والمعنوية، المستترة والمباشرة، العامة والخاصة والمتنوعة والمتعددة بتنوع وتعدد مستويات الجسم الانتخابي.

لذا يعمل المرشحون وكافة القوى السياسية المتنافسة في أي انتخابات على التأثير في الجسم الانتخابي لنيل أغلبية أصوات الناخبين والفوز بها وبالانتخابات، بغض النظر عن النظام الانتخابي المعمول فيه، والجسم الانتخابي المستهدف بالعملية الانتخابية، قد تكون الانتخابات على مستوى نادٍ أو على مستوى اتحاد أو نقابة عملية سهلة بالمقارنة مع انتخابات عامة، لأن الجسم الانتخابي لنادٍ رياضي أو ثقافي أو اتحاد شعبي أو نقابة مهنية محدد ومعروف ومتجانس مما يسهل عملية التعامل معه كوحدة واحدة.

ولكن الانتخابات العامة أكثر تعقيداً وتركيباً لما يتصف به الجسم الانتخابي العام من التنوع والتعدد والتباين في المصالح بين الفئات المكونة له، واختلاف درجات الوعي والمستوى الثقافي والتعليمي مما يتيح لعديد من العوامل المعنوية والسياسية والثقافية والاقتصادية وكذلك الأبعاد الجهوية العشائرية والعقائدية أن تفعل فعلها في التأثير في الجسم الانتخابي وتوجيه نتائج الانتخابات التي سيمارسها هذا الجسم الانتخابي العام، لهذه الأسباب مجتمعة ليس بالضرورة أن تأتي نتائج الانتخابات العامة بالأصلح أو بالأكفأ والأنسب للهيئة التي يهدف الجسم الانتخابي انتخابها، فالقوى التي تملك ماكينة انتخابية متكاملة ومؤثرة تستطيع أن تحقق الفوز، لذلك يستحضر المرشحون المتنافسون والقوى والأحزاب والجماعات المتنافسة كافة العوامل المؤثرة في الجسم الانتخابي كي تكون نتيجة الانتخابات لصالحها، فمن يتمكن من القيام بإجراء عملية دعاية وتسويق ناجحة لمرشحيه ولبرنامجه الذي سيلتزم به مرشحوه في حالة فوزهم سواء بإقناع الجسم الانتخابي أو تضليله والتأثير عليه لدفعه لاختيار مرشحيه أو قائمته أو قوائمه يكون قد حقق الفوز بالانتخابات المستهدفة، ومن يعجز عن القيام بعملية الدعاية والتسويق لمرشحيه ولبرنامجه يكون قد خسر الانتخابات بالتأكيد.

ورغم ذلك تبقى الإنتخابات هي الوسيلة المثلى التي تلجأ إليها كافة الدول الديمقراطية لمواجهة الأزمات والمعضلات التي قد تواجه نظمها السياسية وأزمتها الدستورية، للخروج من حالات الإستعصاء السياسي والدستوري التي قد تتعرض إليه نظمها ومؤسساتها، من تشريعية أو تنفيذية.

لقد دخل النظام السياسي للسلطة الفلسطينية في مأزق سياسي ودستوري منذ أقدمت حركة حماس على إنقلابها على ذاتها وعلى السلطة في 15/6/2007م وتمردها على النظام السياسي العام، وإنفرادها كحركة سياسية في السيطرة على قطاع غزة، والذي يمثل المحافظات الجنوبية للسلطة الفلسطينية، وجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة والخاضعة للسلطة الفلسطينية بموجب إتفاق أوسلو الموقع في 13/9/1993م بين م.ت.ف والكيان الصهيوني ...

وقد مرَّ على هذا الإنقلاب ما يزيد على إثني عشر عاماً، وبقيت حركة حماس تفرض سيطرتها المنفردة على القطاع كسلطة أمر واقع، ولم تدخر القوى الفلسطينية المختلفة، والجامعة العربية التي كلفت جمهورية مصر العربية بمهمة إيجاد حل لهذا المأزق الفلسطيني، وغيرها من الدول العربية من بذل أقصى الجهود لإيجاد حل ينهي هذا الإنقلاب الحمساوي (الإخواني) إلا وبذل، وقد إصطدمت كافة هذه الجهود بالعقبات التي وضعتها حركة حماس، مصرة على إستمرار تفردها بفرض سيطرتها الفعلية والمنفردة على القطاع، تحت مبررات لا تتعدى المصلحة الحزبية، مسقطة كافة الإعتبارات الوطنية والدستورية، التي تفرض على أي عاقل أن يقدمها على المصلحة الفصائلية والحزبية، مراهنة على عامل الزمن وما يفرزه من تغيرات سياسية في الإقليم تدعم هذا التفرد والتمرد، مما وضع النظام السياسي في حالة من الشلل مكنت القوى العابثة من إقليمية ودولية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني من تحقيق الكثير من غاياتها على حساب الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته.

أمام إستمرار هذا الوضع الشاذ وتفاقم أزمة النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، كان لابد من إتخاذ سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية من أجل إنهاء هذا الإنقلاب والتمرد والتفرد في فرض سلطة الأمر الواقع على قطاع غزة وإستعادة وحدة النظام السياسي والخروج من المأزق وإغلاق كافة الثغرات التي أحدثها في الجسد الكياني للشعب الفلسطيني.

وقد جاء قرار المحكمة الدستورية الذي أعلن في 22/12/2018م المستند إلى روح النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية، وما تقتضيه المصلحة الوطنية وما يخوله للرئيس من سلطة دستورية وتقديرية في ظل غياب وتعطيل المجلس التشريعي بفعل القوة القاهرة، وما يفرضه الواجب عليه للحفاظ على النظام السياسي وتحقيق المصلحة الوطنية الفلسطينية، أن يتم حلُّ المجلس التشريعي الذي جرى إنتخابه قبل ثلاثة عشر عاما، وإجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية في أجل لا يتجاور ستة أشهر، وهكذا قد انتهت تلك المهلة دون أن تتم الإنتخابات، وذلك بسبب استمرار حركة حماس بتشبثها بمواقفها الإنفرادية، وقد أكملت لجنة الإنتخابات العامة إجراءاتها في إعداد السجل الإنتخابي العام، ولذا كان لزاماً على السيد الرئيس محمود عباس أبو مازن أن يصدر مرسوماً بإجراء الإنتخابات في أقرب أجل ممكن، حتى يخرج النظام السياسي الفلسطيني من أزمته المزمنة والمستعصية، وهذا ما أعلنه سيادته في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 26/سبتمبر/2019م مؤكداً أنه سيعمل على إجراء الإنتخابات فور عودته إلى الوطن، ومؤكداً تمسك النظام السياسي الفلسطيني بروح العمل الديمقراطي، وأن يكون صندوق الإقتراع والإنتخابات وما تفرزه من نتائج هي الآلية النزيهة والشفافة لإستعادة الوحدة الوطنية وإستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني، وإستعادة فعاليته، وتحقيق الشراكة السياسية النظامية والنضالية والوطنية، بين كافة مكونات الحياة السياسية والنضالية الفلسطينية على طريق تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني.

ولذا نقول ونؤكد أن الإنتخابات هي الحل ولا بديل عنها، ولا مصلحة تعلو على المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية ووحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أراضيه.

أرجو أن لا يتأخر السيد الرئيس في إصدار المرسوم الخاص بإجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية ووطنية متتابعة وفي أسرع وقت ممكن، للخروج من هذا النفق المظلم، كما أتمنى على القوى السياسية على إختلافها أن تبدأ من الآن بتهيئة نفسها لخوض هذه الإنتخابات المفصلية والإستراتيجية، في مستقبل الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته، ولا يجوز لأي فصيل أو تيار أو حزب أن يأخذ الشعب الفلسطيني أو جزء منه، رهينة لأهوائه وأجنداته، فالوطن يتسع للجميع وكل القوى يجب أن تكون في خدمة الشعب والقضية والوطن.